خبر التجريد المفقود.. هآرتس

الساعة 10:49 ص|12 يناير 2009

بقلم: يوفال شتاينتس

نائب في الكنيست عن الليكود

عندما ستتبدد أعمدة الدخان في الجنوب سيتعين علينا ان نصحو لنسأل انفسنا: ماذا حصل لنا؟ كيف اقتنت حماس القدرة على تشويش الحياة في ثلث الدولة وادخال مليون اسرائيلي الى الملاجىء، وما معنى الامر.

مفهوم "الارض مقابل السلام" الذي نشأ في اسرائيل في اعقاب حرب الايام الستة، شدد على مبدأ التجريد من السلاح والجيوش للاراضي التي ستسلم. الاصرار على التجريد نبع من الصغر الجغرافي لاسرائيل، ومن حقيقة أن الدفاع عنها يقوم على اساس تجنيد الاحتياط في حالة الطوارىء. من الحيوي على نحو خاص تجريد اراضي الضفة وغزة، بسبب قربها من المراكز السكانية، قواعد سلاح الجو والمنشآت الاستراتيجية. والابقاء على تجريد السلطة الفلسطينية على مدى الزمن يقوم على اساس بضعة ضمانات: الاتفاقات بيننا وبين الفلسطينيين؛ السلام مع والاردن، والذي يتضمن التزاما باحباط التهريب من اراضيهما، وقدرة الردع – أي قدرة الجيش الاسرائيلي على السيطرة على الاراضي في حالة اقامة منظومة عسكرية.

ولكن، الضمانات انهارت كبرج ورقي. الاتفاقات مع الفلسطينيين انهارت عندما سيطرت حماس، التي لا تعترف بها، بالقوة على غزة. الالتزام المصري بمنع التهريب ظهر كالتزام فارغ من المضمون حتى في الفترة التي سبقت فك الارتباط، فما بالك منذ وقعت اسرائيل مع مصر على الاتفاق البائس المسمى "اتفاق محور فيلادلفيا" في العام 2005. منذ ذلك الحين نمت التهريبات بالاف في المائة. الكاتيوشا التي تطلق الان على الجنوب وصلت عبر مسلك التهريب هذا. وهكذا ايضا قذائف الهاون، الصواريخ المضادة للدبابات وبنادق القنص التي تستخدمها حماس.

كما ان الردع الاسرائيلي انهار. إذ أنه طالما حوفظ على الهدوء امتنعت اسرائيل عن الرد العسكري على اقامة المنظومة الصاروخية في القطاع. كل جوهر "اتفاق التهدئة"، الذي كان مفخرة اولمرت، لفني وباراك هو "الهدوء مقابل الصواريخ". هكذا فسرته حماس من بدايته؛ وهكذا فسره اولمرت في آخره، عندما استغلت التهدئة لادخال عسقلان، اسدود وبئر السبع في مدى الصواريخ. ولما كانت اسرائيل خرجت في النهاية الى هجوم في غزة ليس بسبب تراكم الصواريخ، بل في اعقاب استخدامها، فان الرسالة التي نقلت الى الطرف الاخر هي انه طالما حوفظ على الهدوء فمن الممكن خرق التجريد واقامة منظومة مدفعية.

انهيار التجريد من شأنه أن يكرر نفسه بحدة اكبر بكثير في السنوات القريبة القادمة، سواء في غزة، أم في الضفة ، اذا انسحبت اسرائيل منها ايضا. في مثل هذه الحالة ستصبح اسرائيل دولة عديمة الحماية، لان التهديدات المدفعية وتهديدات مضادات الطائرات على مسافة فورية من مراكزها السكانية وبناها التحتية العسكرية ستمس بقدرتها على اداء المهام في حالة حرب شاملة.

وحتى القدرة على تشويش الحياة في وسط البلاد من المناطق المجاورة، مثلما يجري الان في الجنوب، تكفي لتهديد اقتصاد الدولة ومجرد بقائها على قيد الحياة لزمن طويل. الزعم بان قدرة سوريا وايران على اطلاق الصواريخ الى كل نقطة في اسرائيل تلغي الحاجة الى تجريد الضفة وغزة هو اهانة للذكاء. وكأنه لا فرق بين نار من صواريخ معدودة من بعيد ونار مدفعية متواصلة من مدى قريب.

المعنى غير اللطيف بالنسبة لغزة هو ان اسرائيل ملزمة باعادة السيطرة على محور فيلادلفيا، وذلك لانه تبين بان فقط الحضور المادي للجيش الاسرائيلي يمكنه ان يمنع تهريب السلاح. المعنى بالنسبة للضفة هو ان استمرار المسيرة السياسية في صيغتها الحالية من شأنه أن يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية مسلحة في غضون عدة سنوات.

من يتجاهلون انهيار التجريد في غزة ويواصلون التمسك بصيغة "الارض مقابل السلام" من شأنهم ان يجدوا انفسهم يراهنون على مجرد وجود الدولة.