"هاني عابد": 24 عاماً على رحيله ولا زال فكره المقاوم راسخاً فينا

الساعة 10:42 ص|02 نوفمبر 2018

فلسطين اليوم

أربعة وعشرون عاماً مرّت على اغتيال القائد هاني عابد، من قيادات العمل السياسي في حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، ولا زالت ذكراه حاضرة في وجدان كل من عرفوه، وعاشوا معه ميلاد الفكرة الجهادية الإسلامية الأولى في فلسطين والتي أسس لها وصاغ أركانها الشهيد المؤسس د. فتحي الشقاقي، لتثمر بعد ذلك كواكب لا تنتهي من جيل العقيدة والقرآن، جيل الوعي والإيمان والثورة، القادر على إعادة صياغة المرحلة بفكره ودمه وأشلائه المباركة.

الثاني من نوفمبر لعام 1994م، كانت السماء ملبدة بالغيوم، والرياح العاتية تعصف بالأجواء، وقصف الرعود يزلزل الأركان، منذرة بوقوع شيء عظيم وجلل... فإذا بالمآذن تصدح، والجماهير الغاضبة تزحف باتجاه شارع اليرموك وسط مدينة غزة، حينها أدرك الجميع أن حدثا غير طبيعيا قد وقع... وبالفعل، فها هو اسم المجاهد الكبير هاني عابد يتردد بين الجميع، مؤكدين نبأ استشهاده في الانفجار الصهيوني الآثم الذي استهدفه بينما كان يهم بقيادة مركبته على بوابة مبنى كلية العلوم والتكنولوجيا بمدينة خان يونس والتي كان يعمل فيها محاضراً في مادة الكيمياء... لتشتعل فلسطين بعد ذلك ثورة لا تنتهي في وجه الكيان الغاصب.

وفي ذكرى استشهاد القائد العابد هاني عابد، "الإعلام الحربي" لسرايا القدس يسلط الضوء على سيرته الجهادية لتكون نبراساً يضيء عتمة الطريق لكل السائرين نحو درب الجهاد والاستشهاد.

قائد من أسرة مجاهدة

في الحادي عشر من سبتمبر لعام 1962م، كانت فلسطين على موعد مع ميلاد أحد قادتها المجاهدين، هاني عابد، الذي ينتمي لأسرة فلسطينية مجاهدةً، هُجّرت قسرا عن قريتها الأصلية "سمسم" في العام 1948، جراء إقدام العصابات الصهيونية على ارتكاب العديد من المجازر الوحشية بحق أهالي القرية المستضعفين. ليستقر بها المقام في مخيم جباليا للاجئين بقطاع غزة.

وفي ذلك المخيم، ترعرع شهيدنا القائد العابد، حيث شاهد بأم عينيه جرائم الاحتلال التي تستهدف أبناء شعبه، وتلقى شهيدنا المجاهد تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ومن ثمّ أنهى دراسته الثانوية بتفوق كبير، ليلتحق بعدها في الجامعة الإسلامية، تخصص (فيزياء وكيمياء) حيث حصل على درجة البكالوريوس بتقدير جيد جدا، وهو ما أهله للحصول على درجة الماجستير في "الكيمياء" من جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس، ليكون بذلك أصغر طالب يحصل على "الماجستير" في "النجاح".

منذ نعومة أظفاره، تميز شهيدنا المجاهد، عن باقي أقرانه، حيث كان هادئاً وذكياً ويتمتع بسرعة فائقة في الحفظ، كما تميز بسرعة بديهيته في حل المسائل الحسابية وهو لازال طفلاً لا يتجاوز عمره الأربع سنوات وذلك وفق ما قالته شقيقته الكبرى "أم محمود" لـ "الإعلام الحربي" موضحة أنه كان يقرأ آيات من القرآن الكريم مرة أو مرتين فتحفظ في ذاكرته، كما تميز بسرعة بديهته في العمليات الحسابية منذ سنواته الأولى.

وأكملت حديثها قائلةً:" لم يكن مستبعداً أن يلتحق شقيقي " أبا معاذ" بصفوف المقاومة الفلسطينية، وان يكون أحد رموزها الفاعلين، فبيتنا كان منذ بداية احتلال الكيان الصهيوني لكامل التراب الفلسطيني، ملاذاً أمناً للمقاومين ونقطة انطلاق لهم نحو تنفيذ العمليات الجهادية ضد الاحتلال، فيما كان "هاني" ابن الأربع سنوات العين التي ترقب لهم الطريق وتؤمن لهم مسار الخروج من المعسكر، حيث كان يستكشف الطريق للمجاهدين والمقاومين خشية من تواجد قوات صهيونية خاصة".

"أبو معاذ" كلمة السرّ

وتعرف شهيدنا المجاهد هاني عابد "أبو معاذ" على فكر حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ بداية نشأة وتكوين الفكرة الجهادية، في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، عقب دخوله الجامعة الإسلامية حيث أصبح مسئولاً وأميراً للإطار الطلابي التابع لحركة الجهاد الإسلامي والتي كانت تعرف باسم "المستقلين". كما عمل شهيدنا على توزيع مجلة "الطليعة" التي كانت ناطقة باسم الحركة وذلك في العام 1984م.

وقد تدرج شهيدنا في العديد من المهام التنظيمية، ما جعله عرضة للملاحقة الدائمة من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، وحول ذلك تقول شقيقته الكبرى إن "أبا معاذ" كان كلمة السرّ لتنظيم الجهاد في الوقت العصيب، فهو يعتبر حافظ أسرار الحركة في غزة، خاصة أسرار جناحها العسكري "القوى الإسلامية المجاهدة- قسم " سرايا القدس، كما كان نقطة الوصل بين الداخل والخارج "، مشيرةً إلى أنه نظراً لملاحقة الاحتلال له بصورة مستمرة، حرص على إخفاء كافة الأوراق والملفات السرّية معها.

فعلى الرغم من إعلان الاحتلال الصهيوني انسحابه من قطاع غزة، في العام 1994م، تمهيداً لتسليمه للسلطة الوطنية الفلسطينية على اثر اتفاق "أوسلو" إلا أنهم قبل ثلاثة أيام من رحليه حاصروا منزله الكائن في شارع اليرموك بمدينة غزة، في محاولة لاعتقاله، إلا أنه كان قد غادر المنزل قبل ذلك بساعة واحدة.

أول معتقل سياسي في سجون السلطة

ومع قدوم السلطة إلى ارض الوطن، واندحار قوات الاحتلال عن قطاع غزة، كانت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، من أوائل المبادرين إلى تنفيذ العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال، حيث تمكن مجاهدو الحركة، من قتل اثنين من جنود الاحتلال بالقرب من معبر بيت حانون "ايرز" شمال قطاع غزة، وحينها وجهت سلطات الاحتلال أصابع الاتهام إلى الشهيد القائد "أبو معاذ"، حيث سارعت أجهزة الأمن الفلسطينية إلى اعتقال شهيدنا ليكون بذلك أول معتقل سياسي في سجون السلطة الفلسطينية، حيث تم اختطافه من مقر صحيفة الاستقلال الكائن في شارع الوحدة وسط مدينة غزة، وبقي في السجن لمدة ثمانية عشر يوما.

وأشارت أم محمود خلال حديثها إلى أن الشهادة في سبيل الله كانت حاضرت في وجدان شقيقها حتى بعد اعتقال على أيدي أجهزة الأمن الفلسطينية، فكثيراً ما كانت تشاهده يبتهل بالدعاء لله في صلاته أن يلحقه بركب الشهداء مع رفاق دربه أمثال صديق عمره الاستشهادي أنور عزيز الذي كانت تربطه به علاقة وطيدة، مضيفةً :" الأيام الأخيرة من حياة شقيقي كانت ملفتةً للنظر وخصوصاً بعد تكرر محاولات اعتقاله من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة، حيث أوصاها قبل استشهاده بعدة أيام بأمه وأبنائه وزوجته خيراً إذا ما تعرض لمكروه".

موعد مع الرحيل

في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1994م، يخرج شهيدنا كأجمل ما يكون الشهداء متوجهاً إلى كلية العلوم والتكنولوجيا حيث يعمل محاضراً هناك، وفي الساعة الثالثة عصراً من ذات اليوم، أدار مقود سيارته فانفجر به ليصاب إصابات خطيرة وينقل على إثرها إلى مستشفى ناصر بمدينة خانيونس ليلقى الله شهيداً مخضبًا بدمائه.

اعتقد الكيان الصهيوني باغتياله أن طريق المقاومة والجهاد ستتوقف وسيضرب قدرة حركة الجهاد الإسلامي في مواصلة عملياتها دون أن يدرك أن الأيديولوجية التي انطلقت بها جذوة الجهاد في بداية الثمانينات قادرة على إنجاب القادة والكوادر والاستشهاديين والاندفاع نحو خيار المقاومة والجهاد بصلابة وإرادة أقوى وإيمان مضاعف .

فبعد اغتياله توالت العمليات الاستشهادية انتقاما لدماء الشهيد عابد، ففي أول رد فعل على جريمة الاغتيال أقدم الاستشهادي هشام حمد من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي في حي "الشيخ رضوان" بمدينة غزة على الثأر لعابد وفي الحادي عشر من نوفمبر من العام 1994، قام بتفجير الدراجة الهوائية التي كان يقودها في مجموعة من جنود الاحتلال على حاجز "نتساريم" العسكري جنوب المدينة؛ ما أسفر عن مصرع خمسة من جنود الاحتلال وإصابة آخرين.

وفي الثاني والعشرين من يناير لعام ١٩٩٥م يتقدم الاستشهاديان صلاح شاكر وأنور سكر في عملية استشهادية مزدوجة هي الأولى من نوعها في تاريخ المقاومة الفلسطينية في محطة بيت ليد فيوقعان ٢4 قتيلاً بين الجنود الصهاينة وعشرات الجرحى.

كلمات دلالية