في دلالات وانعكاسات عملية "ثأر تشرين"... عامر خليل

الساعة 02:36 م|29 أكتوبر 2018

رسخت عملية «ثأر تشرين» معادلة توازن الردع امام الاحتلال الاسرائيلي وخلقت مفاعيل جديدة في الاشتباك الذي تخوضه الجماهير الفلسطينية في مسيرات العودة وكسر الحصار التي تقترب من نهاية شهرها السابع ونقلت رسالة واضحة للاحتلال بأن حكمة المقاومة وصبرها في الجمع السابقة ليست صمتا على جرائمه فلا يمكن ان تستمر حالة الإيغال في الدم الفلسطيني دون موقف واضح من المقاومة.

حركة الجهاد الإسلامي بادرت إلى اتخاذ موقف التحدي في مواجهة الجرائم الإسرائيلية الجمعة الماضية وقالت بنيران سراياها إن الدم الفلسطيني غال ولامس المستوطنون ثمن ما ترتكبه حكومتهم من سفك للدماء وكما عملية «الوفاء للشهداء» التي نفذتها سرايا القدس في الثاني والعشرين من يونيو الماضي في الرد على استهدافات مراصد المقاومة فانها هذه المرة تؤكد ان دم المتظاهرين السلميين  غال وسيجابه بنفس الرد وهو ما اكدت عليه المقذوفات الواحد والخمسين قصيرة المدى التى أطلقتها سرايا القدس ليلة السبت الماضي.

كان الموقف الشعبي وهو حاضنة المقاومة يصطف الى جانبها مجددا في عملية «ثأر تشرين» وهو ما عبرت عنه الجماهير الفلسطينية في تعليقاتها على وسائل التواصل  والشد من أزر المقاومة المطالبة بالمزيد وكانت حناجرها تصدح في تشييع شهداء مسيرات الجمعة تأييداً ودعماً لسرايا القدس وهي تردد الثأر الثأر يا سرايا القدس.

أظهرت المقاومة في عملية «ثأر تشرين» انضباطاً وتحكماً عالياً في إدارة المعركة على مستويات محددة تتناسب مع رسالتها السياسية للاحتلال في ظل استعداد لتوسيع دائرة الفعل المقاوم وفق المعطيات الميدانية وهنا تتضح حكمة الجهاد الإسلامي سياسيا وعسكريا وهي تخوض مواجهة ضيقة النطاق فرضتها الوقائع التي حاول الاحتلال ترسيخها على حدود قطاع غزة فكسرتها وخلقت مشهدا آخر جعل في المرحلة  الاولى عشرات الاف المستوطنين يستشعرون حالة اللا استقرار والخوف ليس فقط بسبب الاشتباك الشعبي الاسبوعي على الحدود بل بالاشتباك العسكري.

تفاجأ الاحتلال من عملية «ثأر تشرين» وسرعة الرد بعد ساعات قليلة من انتهاء مسيرات العودة وكسر الحصار بعدما اعتقد ان اللقاءات التي تعقد حول كسر الحصار ستكون حصنا له يمنع فتح معركة معه فهو اراد تعزيز قاعدة اشتباك تستند الى المراوغة وكسب الوقت بالتزامن مع استمرار الحصار واباحة الدم الفلسطيني وهذه المعادلة التي اراد الاحتلال تكريسها كسرتها سرايا القدس للمرة الثالثة خلال مسيرات العودة فلا تعني الاجتماعات والحوارات تكبيل يد المقاومة التي تمارس فعلا نضاليا ويجعل العدو يعيد حساباته مجددا الجمعة القادمة عندما يضغط جنوده على زناد سلاحهم.

من الواضح ان المقاومة الفلسطينية باتت اكثر قوة واستعدادا وتنظيما وتمتلك من الأدوات والوسائل ما توازن به بين السياسي والعسكري كي يكون الحصاد مثمرا ومؤثرا فهي لا تتعامل بردات فعل آنية بل وفق رؤية  واستراتيجية تخدم الفعل السياسي وهي تمتلك من الأوراق والأدوات ما يمكن ان تخوض به معركة طويلة تغير الواقع السياسي والامني في ظل ادراك العدو ان المعطيات اضحت مختلفة فالخيارات المطروحة ضد غزة قصفا او اجتياحا محدودا او احتلالا جزئيا او كليا لقطاع غزة ليست سهلة او مضمونة النتائج لذلك فإن تلويح الإسرائيلي بالحرب على غزة وتوجيه ضربات قاسية ضد غزة تدخل في سياق الحرب النفسية  ومحاولة اعادة الردع المفقود والموهوم ضد غزة كما لا يخفي التنافس بين احزاب اليمين على مواقف أكثر تطرفا لكسب أصواته في أي انتخابات قادمة.

توظيف الاحتلال لعملية «ثأر تشرين» سياسيا بدا سخيفا عندما حاول الناطقون باسم الاحتلال في الاعلام الاسرائيلي توجيه الانظار نحو ايران باعتبارها من تقف وراء العملية وهو ما يشير الى ارباك الاحتلال في مقابل رواية الجهاد الاسلامي في رده على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في الضفة وغزة، وهي دعاية ممجوجة لم يقف أحد حتى في وسائل الاعلام العالمية ومرت خبرا عابرا فيما حضرت بقوة مفاعيل العملية وحظيت بتحليل واسع لانعكاساتها ودلالاتها.

لا شك ان عملية «ثأر تشرين» جاءت في الوقت المناسب ورسخت معادلة القصف بالقصف وعدم المرور بصمت على جرائم الاحتلال وأبانت له حتى في حالة الاشتباك الشعبي الحاصل في مسيرات العودة أن المقاومة لديها القدرة على ادارة معركة أخرى واسناد المسيرات فقصف المقاومة اظهر للجماهير الفلسطينية ان هناك ظهيرا يحميها وهي نقطة قوة مهمة ستساهم في تعزيز مسيرات العودة وتجعل ثقة الناس تزداد بظهيرها.