درك الأردن- معاريف

الساعة 11:58 ص|26 أكتوبر 2018

فلسطين اليوم

درك الأردن- معاريف

 

بقلم: يوسي ملمان

 

(المضمون: عدم تمديد الملاحق المتعلقة بالاراضي الاردنية محطة اخرى في تدهور العلاقات الامر الذي لا يمكن للدولتين الحليفتين ان تسمحا به لنفسيهما - المصدر).

 

لم تكن اي مفاجأة. بخلاف ما زعم في عدة وسائل اعلام في البلاد وفي العالم، في اسرائيل لم يتفاجأوا من بيان الاردن عدم تمديد مفعول ملحقي اتفاق السلام اللذين اتيحا استئجار اراض للفلاحة الزراعية في تسوفر وللسياحة في نهرايم. المشكلة هي انه رغم المعلومات والتلميحات عن نية الملك عبدالله الثاني التي تدفقت لاسرائيل من غير قليل من المصادر لم يتم عمل اي شيء تقريبا لمعالجة الامر. لا على المستوى الامني الاستخباري ولا على المستوى السياسي بالاساس.

 

في الاشهر الاخيرة نقل مسؤولون اردنيون عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية رسالة تفيد بان الملك يعيش في أزمة متفاقمة في كل ما يتعلق بعلاقاته مع اسرائيل. فالضغوط تأتي من البرلمان، من الاتحادات المهنية، من منظمات الاطباء والمحامين الذين يعارضون كل تطبيع مع اسرائيل، ولكن شيئا لم يتم عمله لمنع الانجراف. اسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو لم تبادر الى اي خطوة كان يمكن لها ربما أن ترضي الملك وتمنحه الادوات التي يمكنه أن يعرضها كانجاز للمملكة أو للقضية الفلسطينية.

 

في السنة الاخيرة طرأ تدهور ما في العلاقات بين اسرائيل والاردن، على خلفية مسائل الحرم والقرار الامريكي نقل السفارة الى القدس. كما أن العلاقات المتعسرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية تلقي بظلالها على علاقات اسرائيل مع المملكة. تبرز محطتان اضرتا بالعلاقات في تموز 2017. واحدة كانت الحادثة في السفارة الاسرائيلية في عمان، حين قتل حارس من المخابرات الاسرائيلية وامن وزارة الخارجية اردنيين لشكه بانهما اعتزما طعنه. وفي نفس الشهر نشبت أزمة اخرى في اعقاب قرار اسرائيل نصب بوابات الكترونية وكاميرات على مدخل الحرم. بموجب اتفاق السلام، للاردن مكانة خاصة في الحرم، ولكن رغم ذلك لم تتشاور اسرائيل معه قبل اتخاذ قراراتها. في نهاية المطاف وبعد تبادل للاتهامات بين الشرطة والمخابرات الاسرائيلية، تراجعت حكومة نتنياهو، ازالت البوابات الالكترونية ولم تنصب الكاميرات.

 

صحيح أن رئيس الوزراء حاول تنسيق البث حين التقى بعبدالله علنا في لقاء اول في الاردن في حزيران الماضي (كان لهما غير قليل من اللقاءات لم تنشر)، ولكن قرار الملك هذا الاسبوع يدل على الرواسب بقيت على حالها. في اتفاق السلام الموقع في 1994، حين كان اسحق رابين رئيسا للوزراء والملك حسين، وافقت اسرائيل على أن تعيد للادن بضع مئات من الكيلومترات المربعة (اكثر من مساحة قطاع غزة الذي هو 365 كيلو متر مربع) كانت سيطرت عليها جنوب شرق البحر الميت وفي العربا الشمالية. وكانت السيطرة على هذه الاراضي بدأت بعد حرب الايام الستة، كرد على تسلل المخربين الفلسطينيين الى الاردن واطلاق الصواريخ.

 

وجاء في الملحقين لاتفاق السلام ان يؤجر الاردن اسرائيل لمدة 25 سنة نحو 4.500 دونم في جيب تسوفر ومساحة اصغر في جيب نهرايم في غور الاردن. في تشرين الاول 2019 تنتهي مدة الايجار. نحو ربع المساحة في تسوفر يفلحها مزارعو القرية الزراعية بالفلفل للتصدير، وهو بالنسبة لهم مصدر دخل هام. لا شك أنهم سيتضررون بعد سنة حين تضطر اسرائيل الى اعادة الارض الى الاردن.

 

في معبر الحدود في جيب نهرايم، في المنطقة الفاصلة بين الدولتين، اقيمت حديقة "جزيرة السلام" التي يؤمها الكثير من السياح. بعد اتفاق السلام كانت للدولتين خطة اخرى لتطوير المكان ولكنها توقفت في 1997. في تلك السنة اطلق جندي اردني النار نحو تلميذات في الصفين السابع والثامن كن يتنزهن في المكان فقتل سبع منهم. الملك حسين في بادرة طيبة استثنائية، قطع زيارته الى فرنسا، طار الى اسرائيل، زار عائلات المغدورات، ركع امامها واعتذر امام الكاميرات. ودفعت حكومته التعويضات للعائلات. حكم على القاتل بالمؤبد في محكمة عسكرية اردنية وافرج مؤخرا عنه من السجن. وفي الطرف الاسرائيلي من الحدود، اقيم نصب لذكرى الفتيات في شكل سبع جدائل من التراب محوطة بالعشب الاخضر.

 

طلبت اسرائيل في حينه ان تدفع لقاء الاستئجار ولكن الحسين رفض. قال لافرايم هليفي، الذي كان مسؤولا كبيرا في الموساد في حينه وكان رجل الاتصال المركزي بالحسين وحكومته، وشريكا في مفاوضات السلام ان "هذه ارض مقدسة" وعليه فانه لن يطلب مقابلها تعويضا ماليا.

 

***

 

ومع ذلك، فان الاردن بالتأكيد يعوض باشكال اخرى. بداية كانت سنوات زودت فيها اسرائيل بالكهرباء مناطق قرب تسوفر ونهرايم. ومنذ اتفاق السلام تنقل اسرائيل الى الاردن كل سنة نحو 50 مليون متر مكعب من المياه. وفي مواسم الجفاف كانت تزوجه بكميات اكبر. اسرائيل تحصل على دفعات من الاردن وان كان سعر المياه مدعوما. كما أن اسرائيل تبيع الغاز للاردن ومن المتوقع ان تزيد مبيعاتها. تعويض آخر، حسب مصادر مختلفة، يجد تعبيره في ان اسرائيل تزود الاردن، بقدر ما هو معروف بلا مقابل، او بثمن متدن جدا، بمروحيات وطائرات مسيرة، وتشحن بالوقود في الجو طائرات قتالية اردنية، كانت في رحلات طويلة المدى لمناورات مشتركة مع الولايات المتحدة.

 

ولكن العلاقات لا يمكنها أن تقاس بالمعايير المالية. فالحديث يدور عن حلف استراتيجي مستمر منذ نحو 50 سنة وبالتأكيد منذ 1970، حين هرعت اسرائيل لنجدة الملك حسين، الذي كان نظامه عرضة للخطر بسبب الحرب مع الفلسطينيين واجتياح الجيش السوري شمالا. فبتنسيق مع ادارة ريتشارد نيكسون ومستشار الامن القومي هنري كيسنجر حشدة اسرائيل القوات في مثلث الحدود الاردن – اسرائيل – سوريا وهددت باستخدامها ضد الاجتياح السوري.

 

كما أن اسرائيل هي الموصية بالاردن في الولايات المتحدة. لا مرة ولا مرتين عمل زعماء الدولة ودبلوماسيون منها من أجل المملكة او استخدموا من أجلها يهودا ذوي نفوذ ولوبي ايباك في الكونغرس لاتخاذ قرارات لزايادة المساعدات الاقتصادية او في صالح اهداف اخرى. هذا حلف يفيد الطرفان منه. في نظر الاسرة المالكة الهاشمية اسرائيل هي الضمانة الافضل لبقاء النظام. في نظر اسرائيل، الاردن هو دولة فاصل حيوي تمنع اقتراب جيوش معادية وقومية، مثل جيش العراق في عهد صدام حسين بالاقتراب من حدودها.

 

ويجد هذا الحلف تعابير كثيرة هامة على نحو خاص. في المجال العسكري – الامني – الاستخباري. رؤساء الموساد على اجيالهم يلتقون بالملك وبكبار رجالات الاستخبارات لديه. وكذا ايضا قادة في الجيش الاسرائيلي ورؤساء الاركان، بمن فيهم الفريق جادي آيزنكوت، ممن يلتقون بنظرائهم في الجيش الاردني. تتعاون الدولتان وتتبادلان المعلومات ضد اعداء مشتركين ولا سيما منظمات الارهاب التي تهددهما كلتيهما.

 

معلومات استخبارية من اسرائيل أنقذت حياة الملك حسين (وربما عبدالله ايضا) من مخططات الاغتيال. الحسين، من جهة اخرى، جاء خصيصا لزيارة سرية الى اسرائيل في ايلول 1973 (اللقاء كان في مدرسة في الجليل، هي اليوم مقر الموساد) كي يحذر رئيسة الوزراء غولدا مائير وموشيه دايان من الهجوم الذي تخطط له مصر وسوريا ضد اسرائيل. الاثنان لم يستجيبا للتحذير. وبعد ثمن قصير فوجئت اسرائيل بحرب يوم الغفران.

 

وجد التعاون تعبيره ايضا في تبادل المعلومات وفي التنسيق بكل ما يتعلق بـ م.ت.ف وبعد ذلك وجه ضد حماس، التي كان لها تواجد في المملكة الى أن طردت منها بضغط من اسرائيل – وضد محافل الجهاد العالمي. حزب الله هو الاخر العدو الاكبر (الى جانب ايران) لاسرائيل، يعتبر تهديدا من ناحية الاردن، وكان كان ثانويا. في بداية القرن الـ 21 بعث عمام مغنية بخلايا لتنفيذ عمليات في الاردن ايضا. ومنعت العمليات بفضل معلومات نقلت قبل ذلك الى المخابرات الاردنية. قبل 11 سنة، وفقا لمنشورات اجنبية، نجح الموساد والسي.اي.ايه في تصفية مغنية في عملية اغتيال في دمشق. وحسب تلك المنشورات، شاركت في العملية على هذا المستوى او ذاك استخبارات اخرى ايضا.

 

في السنوات الاخيرة يوجه هذا التعاون الوثيق ضد داعش. وكما نشرت هنا الاسبوع الماضي، يشارك مندوبو الجيش الاسرائيلي في مجموعة 21 دولة تفعل غرفة طواريء في الاردن لكفاح التحالف الدولي ضد داعش او ما تبقى منه الان.

 

لن يكون مبالغا فيه القول انه بعد الولايات المتحدة والعلاقة الوثيقة بينها وبين اسرائيل، فان الاردن هو الشريك الثاني في اهميته لاسرائيل في المجال الاستخباري. وعليه فواضح ان الدولتين لا يمكنهما ان تسمحا لنفسيهما بترف القطيعة او حتى التدهور الاخر في العلاقات بينهما. وبالتأكيد الاردن، الاضعاف بين الاثنتين، الذي يتدهور اقتصاده وتوزانه الديمغرافي الداخلي الهش، يحتاج لاسرائيل أكثر.

 

يقدر مسؤولون كبار ضالعون في العلاقات الخاصة والحساسة بين الدولتين بانه لم تصدر بعد الكلمة الاخيرة في القضية الحالية. غير قليل متعلق بالكيمياء والثقة بين الزعيمين. فهاتين كانتا انسجام بين رابين والحسين. وهما غير موجودتين بين نتنياهو وعبدالله. ويعتقد هؤلاء المسؤولون بان على رئيس الوزراء ان يبدي حساسية اكبر تجاه ازمات الملك. وبالتأكيد الا يتصرف باعتداد للنفس مثلما تصرف على الاقل في المناسبتين. الاولى كانت عندما فرض مكالمة هاتفية على السفيرة عنات شلاين حين كانت في طريقا عائدة مع طاقمها الى اسرائيل، وبعد ذلك حين استقبل في مكتبه الحارس وتعامل معه كبطل قومي. وحتى هذا الاسبوع لم يضبط نتنياهو نفسه وفي خطابه في احتفال الذكرى لرابين قال انه سيجري مفاوضات مع الاردن في موضوع الاراضي المستأجرة. وحتى لو كان هذا سيحصل، كان ينبغي لنتنياهو ان يعرف بان امورا كهذه لا يعلن عنها على الملأ.

 

وشدد هؤلاء المسؤولون بانهم يقترحون على رئيس الوزراء ان يتصرف بضبط للنفس وان يدعو الى خدمة العلم بعض المسؤولين السابقين ويبعث بهم الى محادثات سرية تامة مع مندوبي المملكة الهاشمية. وبين الاسماء التي ذكرت كمن يستطيعون القيام بهذه المهام أفرايم هليفي، وقاضي العليا السابق الياكيم روبنشتاين او عاموس جلعاد، رئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع. ومع أنهم كلهم خرجوا من الخدمة العامة الا انهم معروفون ومقدرون في الاردن.

كلمات دلالية