بالصور "عبد الله الدغمة" وقصته مع الطفل "يزن" وطعامه الأخير

الساعة 06:52 م|25 أكتوبر 2018

فلسطين اليوم

كان كل شيء على ما يرام حتى الساعة الخامسة مساءً تقريباً من يوم الجمعة، حينما صرخ الطفل "يزن" قرب والده "إبراهيم" الذي كان يغط في النوم، تزامناً مع اتصال هاتفي يسأله عن شقيقه عبد الله الذي تناول الغداء المفضل له برفقة أسرته وغادر مباشرة حتى عاد إلى البيت محمولاً على الاكتاف.

لم يصدق "إبراهيم" أن شقيقه "عبد الله" استشهد، حتى راءه في صباح اليوم الثاني في ثلاجات الموتى التابعة لمستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، في تلك اللحظات المؤثرة، قبَّلَ "إبراهيم" شقيقه مودعاً إياه بالقول: "سلَّم على اخوتك يا عبد الله".

"عبد الله" الدغمة (25 عاماً) استشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي أثناء مشاركته السلمية في مسيرة العودة وكسر الحصار بتاريخ (12/10/2018) في مخيم العودة شرق البريج، وهو ثالث شهيد في الأسرة حيث استشهد سليمان عام 2002 في عملية بطولية، وبسام عام 2010 في عملية بطولية أرعبت جنود الاحتلال.

يوم الشهادة..

استيقظ "عبد الله" نشيطاً مبتسماً في صباح يوم الشهادة، ممازحاً والدته بالقول: "إما بأكل مفتول اليوم أو مش راح أكل بالمرة"، فابتسمت والدته وطلبت منه أن يوعز لشقيقه "إبراهيم" وأسرته لمساعدتها في صناعة المفتول الذي يعتبر من الأكلات الشعبية والتراثية للفلسطينيين.

وقف "عبد الله" مع والدته وأسرة شقيقه "إبراهيم" لصناعة المفتول حتى نهايته وكان أجمل ما في تلك الساعة هي ابتسامته التي رافقته طوال العمل، ويقول إبراهيم: "كان عبد الله هادئ جداً ويسمع الكلام وينفذ كل ما نطلبه منه، وكان متميزاً دائماً بابتسامته التي لا تفارقه، ومحبوب جداً لدى الأطفال الذين يفرحون ويسعدون عند رؤيته".

يمتلك "عبد الله" دراجة نارية وكان يعمل في الدهانة، وعندما يسمع الطفل (يزن 9 شهور) ابن شقيقه إبراهيم صوت الدراجة النارية يطير من الفرح ويحاول أن يتهرب من والده أو والدته للحاق بعمه والتمتع بقليل من المرح في أحضان عبد الله.

"بعد تناول الغداء كنت جالساً مع يزن في (البلكونة) أمام مدخل البيت، وجاء عبد الله بدراجته النارية مبتسماً ويشعر بالفرح، وبدأ بمحاولة اغضاب يزن من خلال القرص والضرب على اليد؛ إلا أنه فشل في ذلك وبدأ يحمله ويرفعه في الهواء ضاحكاً"، وكان "إبراهيم" سعيداً جداً بهذا اللقاء الذي لن يُمحى أبداً من ذاكرته، مؤكداً أنه سيرويه لطفله حينما يكبر ليفتخر بعمه الشهيد أينما حلت قدميه.

وبعد دقائق من وداع الطفل يزن، جهز "عبد الله" نفسه تاركاً دراجته النارية في المنزل، وذهب برفقة أصدقائه للمشاركة في مخيم العودة شرق البريج وسط قطاع غزة، رغم أن منزله في مدينة خانيونس جنوب القطاع.

اقتحام السياج الزائل

صَعَد عبد الله و4 من رفاقه عربة (الكارلو) وانطلقوا تجاه مخيم العودة شرق البريج وأثناء الطريق على خط شارع جكر المتميز بوعورته وخطورته، قال عبد الله لأصدقائه: "أشعر بأن شخصاً منا سيستشهد اليوم وعلينا أن نسامح أنفسنا جميعاً"، وعند وصولهم للمخيم وسط حشود المئات من المواطنين طلب عبد الله من رفاقه أن يتوضأو ويصلوا العصر جماعة قبل اندلاع المواجهات.

في ذروة المواجهات تدفق الدم في عروق "عبد الله" واشتد الحماس في قلبه وسط صيحات التكبير والتهليل والدخان المتصاعد من "الكوشوك" وقص السلك الزائل، فاخترق السياج ودخل الأراضي المحتلة رغم أنف الاحتلال وجنوده المدججين بالسلاح.

اقتربت مجموعة من الشبان نحو جندي "إسرائيلي" في الثكنة العسكرية التي كان يستخدمها لقنص الشبان والأطفال والنساء المشاركين في مسيرة العودة وكسر الحصار، أحد الشبان وصل إليه وأشبعه ضرباً وحاول سحبه داخل غزة، فلاحظ المشهد جيب "إسرائيلي" كان قرب السياج فقام برشق جميع الشبان بوابل من الرصاص المتفجر القاتل ما أدى لاستشهاد عدد من المواطنين بينهم "عبد الله".

لحظة وصول الخبر وقلب الأم المكلوم

في تلك الساعة كان "إبراهيم" نائماً في فراشه؛ وفجأة صرخ الطفل "يزن" وبدأ يوقظ أباه بشكل جنوني وكأن شيء قد حدث، وبالتزامن مع صراخ الطفل رن هاتف إبراهيم كان أحداهم يسأل عن "عبد الله"، وكان جوابه أنه لا يعلم، وبعد دقيقة واحدة رن الهاتف من جديد ليسأله أخر عن "عبد الله" حينها شعر "إبراهيم" أن شيء قد حدث وترك فراشه "مفزعاً"، وعلى عجل ارتدى ملابسه وذهب إلى منزل عائلته الذي يبعد عدة أمتار عن منزله.

وفي طريقه نحو المنزل كان الهاتف يرن لكنه أبى أن يرد حتى يتأكد من الشك، وجد نساء أعمامه في المنزل، وأسرع نحو غرفة عبد الله فلم يجده، غادر مسرعاً، رمقته والدته التي تجلس في حديقة المنزل فخفق قلبها وسألته "ما بك؟"، فتح "إبراهيم" الباب فوجد خالته برفقتها عدد من النسوة فأصبح الشك يقيناً بأن عبد الله استشهد.

حبس دموعه وبادرته خالته بالسؤول عن والدته هل تعلم؟ فأجاب "لا"، حينها كانت والدته تسترق السمع فلحظة خروج إبراهيم لحقت به إلى الباب واستمعت إلى ما دار بينه وبين خالته التي حضنت أختها وبدأت تطمئنها بأن عبد الله مصاب لكن قلب الأم أصدق من أقوالهم جميعاً.

فبكت الأم المكلومة والتي تعاني من الضغط والسكري، وجلست في المنزل تستذكر عبد الله وأشقائه الشهداء.

كل تلك القصة لم يتجرعها "إبراهيم"، واعتبرها كابوساً سينتهي قريباً؛ لكن مع فجر يوم السبت ذهب مسرعاً تجاه مستشفى شهداء الأقصى حيث ثلاجات الموتى، وجد دموع الأحبة والأصدقاء تغمروا وجوههم وألقى نظرة الوداع على شقيقه "عبد الله" فزال الكابوس وبدأ يحمد الله على ما أصابه وعائلته من استشهد شقيقه الثالث.

"عبد الله" غضب للقدس

يقول "إبراهيم" إن عبد الله لم يتأثر بأشقائه الاثنين سليمان وبسام أكثر من تأثره وغضبه الشديد أثناء اعلان رئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب أن القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، مشيراً إلى أن تلك الحادثة أثارت غضب "عبد الله" الذي انتفض مشاركاً في كافة الفعاليات والمسيرات الشعبية السلمية على الحدود سواء في رفح أو خانيونس والبريج وغزة والشمال، إضافة لمشاركته في مسيرات الدعم والاسناد البحري قرب موقع "زكيم".

واستشهد "عبد الله" تاركاً خلفه ذكرياته ومواقفه الجميلة مع الأطفال وخاصة "يزن" ابن شقيقه "إبراهيم"، إضافة إلى مائدة الغداء التي لا يمكن لشقيقه أن ينساها أبداً.

واستشهد منذ انطلاق مسيرة العودة وكسر الحصار بتاريخ (30/3/2018) نحو 210 مواطناً برصاص القناص الإسرائيلي دون أن يشكلوا أي خطورة تذكر على جنود الاحتلال، فيما أصيب أكثر من 22 ألفاً بجراح مختلفة.

صور الشهيد..

عبد الله الدغمة
الشهيد عبد الله الدغمة
الشهيد الدغمة
bed985c8-28ab-4db2-8ba2-710c5342fcb9
00c794c7-7937-4b1e-a28f-7035f0a24135
028ae506-0044-4979-a42b-cff93cd01e6b
 

كلمات دلالية