خبر منقطعون عن الواقع / معاريف

الساعة 11:28 ص|11 يناير 2009

بقلم: أفيف لفي

       

        (المضمون: في القصة التي ترويها اسرائيل لنفسها ندعي نحن الاخلاقية الرائعة بينما تخلينا في هذه الحرب حتى عن المشاعر الانسانية الرقيقة خلف العنف الوحشي - المصدر).

 

        في الاسبوعين الاخيرين أسير باحساس غريب. احساس متعاظم باني ودولتي نعيش في عالمين متوازيين، صورتين للواقع ليس فقط ليس بينهما أي تطابق – بل هما على نقيض تام بينهما. لم يتبقَ لي سوى ان استنتج واحدة بين امكانيتين: إما أني نزلت عن الخط، او أن الدولة جن جنونها. اذا كانت الامكانية الاولى صحيحة، فهذه مشكلتي؛ اما اذا كانت الثانية  فان المشكلة هي مشكلتنا جميعنا.

        حسب القصة التي ترويها دولة اسرائيل لنفسها، خرجنا لحرب غزة لانه "يجب معاقبة حماس". ولماذا بهذا القدر؟ لانه "رغم اننا خرجنا من غزة فانهم يواصلون اطلاق النار علينا". ولو كان معلق فلسطيني يتحكم بلغة الشبكة الاسرائيلية الدارجة لاجمل رد فعله بـ "ول" واحدة ممطوطة كبيرة.

        في المجال الذي أعيشه، اسرائيل لم  تخرج من قطاع غزة أبدا. صحيح، بالطبع، فككنا المستوطنات وسحبنا الجيش الى حدود القطاع – ولكن الاحتلال لم نوقفه للحظة: بالاجمال استبدلنا الاحتلال من الداخل باحتلال من الخارج. اسرائيل تقرر انه لن يكون لغزة ميناء او مطار، وهي تتدخل وتسيطر على اقتصاد الكهرباء، الماء والغذاء لغزة. وهكذا فان اسرائيل تملي كل شارة في حياة مليون ونصف سجين في اكبر سجن في العالم. وعندما يتمرد السجناء ضد الشروط الاعتقالية، فاننا ندور عيوننا وكأننا متفاجئين: ما الذي يريدونه الان؟

        في القسم التي ترويها اسرائيل لنفسها، قطع الفلسطينيون وقف النار إذ راق لهم أن يخيفوا اطفال سديروت. في حماس على ما يبدو يكونون راضين جدا عندما يصاب مواطنون اسرائيليون، ولكن لنار القسام يوجد هدف استراتيجي أيضا: ممارسة الضغط بهدف فتح المعابر بين اسرائيل والقطاع، تلك التي من خلالها نطبق نحن مفهوم الاحتلال من الخارج.

        اسألوا ايهود يعاري، الذي كتب عن ذلك الاسبوع الماضي مقالا ممتازا في "غلوبس". استنتاجات يعاري معاكسة لاستنتاجاتي – فهو على ما يبدو يعتقد بانه من خلال الضغط الاقتصادي سنؤدي الى انهيار حماس – ولكن من المهم أن نعرف من أجل ماذا خرجنا للحرب: بداية جوعنا شعبا بكامله من خلال الضغط على الحكم، والان نقصف شعبا بكامله من خلال الضغط على الحكم. وبعد ذلك نفاجأ بهم لماذا لا "يتعلمون الدرس"، ولماذا يمتنع وعيهم عن الاكتواء. على الاقل في الواقع الذي أعرفه، فان من ليس لديه ما يخسره لا يمكنه أن يتعلم الدرس، إذ أنه لا يمكن لاي درس ان يحسن وضعه.

        في الواقع الذي تعيش فيه دولة اسرائيل، وان كان يوجد احتلال – معظمنا تمكنا من الاعتراف بذلك – ولكن لا صلة له بما يجري في غزة. المواجهة في غزة تعرض كجيب نزاعي منقطع عن الصورة العامة، تلك التي يعيش فيها الفلسطينيون تحت احتلال وحشي منذ 41 سنة. في مجالي الموازي، فاننا طالما لم نزيل الورم الخبيث، فان الجرح سيواصل النزف ويفرز القيح. يحتمل، بالطبع، انه حتى بعد ان نفعل ذلك لن يسود هنا الهدوء؛ ولكننا الى أن نجرب ذلك فاننا لن نعرف ابدا.

        في القصة التي يرويها شعب اسرائيل لنفسه فاننا اخلاقيون على نحو مذهل. والدليل هو أن الجيش بعث برسائل الكترونية قصيرة لسكان المباني السكنية قبل القصف. في واقعي، رايت في الاسبوعين الاخيرين مظاهر بارزة، عديمة الخجل، للفرح، كلما ذبح بضع عشرات آخرين من الاطفال الفلسطينيين على ايدي افضل ابنائنا. ذات مرة حروبنا على الاقل كانت ملفوفة برقاقة من الاعصاب، حيث كان بوسعنا أن نطلق النار وان نبكي في ذات الوقت. اما الان فحتى هذه الرقاقة الشفافة من الانسانية تمزقت. في الايام العادية فاني أكون مؤمنا صغيرا بمؤسسة الحوار، ولا سيما بسبب اخفاء الهوية. ولكن في الايام الاخيرة قرأت الكثير من المداخلات في هذه الحوارات ولم تكن هذه معدومة الهوية. مكتوب فيها أنه يجب مضاجعة العرب واطفالهم. والموقع: شعب اسرائيل. في تفكير ثانٍ، ربما حقا من الافضل ايجاد مجال ما موازٍ والهرب اليه.