بالصور الفقر في غزة جعل للقمامة ثمن!

الساعة 07:03 م|14 أكتوبر 2018

فلسطين اليوم

رائحة كريهة، غرفة مظلمةٌ، وحشراتٌ تنهش الهواء بأصواتها، وقوارضٌ تفزعك بحركتها المفاجئة، يبددُ كل هذا الصمت المفزع في المكان حركة أبو توفيق وهو خارجٌ من غرفته بثيابه المتسخة ووجهه الستيني الشاحب.

"رجل الكهف" هكذا تحسبه في البداية، وهو الذي يسكن غرفةً لا تتجاوز مساحتها الأمتار الأربعة، تشبه إلى حد كبير "العزل الانفرادي" في السجون، فيما يهمُّ للخروج مع ساعات الصباح وبيده أكياس كبيرة باتت تحمل مصدر رزقه.

محمد العدلوني (61 عامًا)، امتهن جمع المخلفات البلاستيكية من القمامة مضطرًا بعد أن قست الحياة عليه، وفرقته عن زوجته وأبنائه (الذين كانوا خمسة)، لكنه ليس وحيدًا فهناك العشرات في غزة ممن اضطروا لجمع المخلفات ليكسبوا قوتهم المغمس بالقهر والوجع.

بداية الأزمة

مزَّقت الأوضاع الصعبة في قطاع غزة حال الأسرة وغيّرت محمد بشكل كبير، فأصبح جسده مرتعًا للأمراض النفسية، وتغيرت أحواله كثيرًا بسبب الفقر وقلة الحيلة، مما أدى إلى انهيار زواجه، وخلق حالة من التشتت والخوف في نفوس أبنائه.

وعن حياته قبل جمع القمامة يقول أبو توفيق: "كنت أعمل في الداخل المحتل وأجني يوميًا 200 شيكل، لكن بعد أن توقفنا عن العمل، لم أجد في غزة ما يسعفني، وحاولت أن أعمل في أي شيء لأطعم نفسي وعائلتي ولم أستطع".

عمل الرجل الستيني في البناء وكعامل نظافة في المستشفيات، لكن الأوضاع أخذت تسوء أكثر مع اشتداد الأزمة في قطاع غزة الذي يعاني من الحصار الإسرائيلي الخانق منذ أكثر من 12 سنة، مما اضطره إلى اللجوء إلى جمع المخلفات من القمامة لبيعها.

ليس ذلك فحسب، فمع الأوضاع الصعبة والقاهرة التي يعيشها، وجد محمد نفسه غارقاً بالديون التي وصلت إلى 10 آلاف شيقل، مما أدخله في أزمات نفسية دمرت حياته، وأحالتها لجحيم كبير.

أسرة ممزقة

يسكن "أبو توفيق" بعيدًا عن أسرته خاصةً بعد طلاقه وزواج أبنائه، لكن ما قسم ظهره وزاد من حالته النفسية سوءًا موت ابنه "نضال" شنقًا في ظروف غامضة، حيث أصبح الرجل يشك في كل شيء وفي كل شخص، وأصبح من المستحيل التعامل معه بسبب عصبيته المفرطة.

لكن رغم كل ذلك فعند النظر في وجه أبنائه ترى حالة الحزن والحسرة على الحال التي وصل إليها والدهم، الذي يسكن مكانًا أشبه بالقبر بعيدًا عنهم، فيما لا يستطيعون مساعدته بسبب وضعه المرضي، إضافة لفقرهم المدقع وعدم قدرتهم على إعالة أنفسهم.

عمل شاق

بدأ "أبو توفيق" رحلته بين "مكبات" النفايات منذ 5 سنوات تقريبًا، حيث يمشي بثيابه المهلهلة وكيسه على ظهره متنقلًا من تجمع للنفيات إلى آخر باحثًا عن قطع بلاستيكية أو أي شيء يصلح لبيعه.

ويروي لمراسل "فلسطين اليوم الإخبارية" عما يلاقيه قائلًا: "في مرة من المرات كُسر ظهري بسبب الوزن الكبير للأكياس التي أحملها على ظهري، واضطررت للبقاء في سرير المستشفى لمدة أسبوعين، كما أعاني من مشاكل في التنفس والعظام بسبب رائحة القمامة والمشي المتواصل".

تعرف "أبو توفيق" كل شوارع مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، فهو الذي لا يترك مكانًا إلا ويذهب إليه باحثًا بين القمامة ليأتي آخر النهار ويقوم بتسليم ما قام بجمعه لأصحاب المصانع الذين يعيدون تدوير المخلفات البلاستيكية، لكن هذا العمل الشاق لا يقابل سوى بشواقل معدودة.

أغيثوني..

لا ينكر الستيني حدة طباعه ووضعه الصعب، مما اضطر العديد من الجمعيات إلى إهماله بسبب شكوكه الدائمة ولسانه السليط، لكن ذلك لم يكن بيده وفقًا لما قال لنا عن تشخيص الأطباء له بمرض (الوسواس القهري).

ويعرَّف الوسواس القهري الذي يعاني منه بطل قصتنا بأنّه فكر متسلِّط وسلوك جبري يظهر بتكرار لدى الفرد ويلازمه ويستحوذ عليه ولا يستطيع مقاومته، رغم وعيه بغرابته وعدم فائدته؛ ويشعر بالقلق والتوتر إذا قاوم ما توسوس به نفسه، ويشعر بإلحاح داخلي للقيام به.

اليوم يناشد "أبو توفيق" لانتشاله من أوجاعه الصحية والنفسية، ومراعاة حالته التي تتدهور مع مرور الوقت، خاصة بعد تمزُّق حياته الأسرية، مضيفاً: "لا أستلم الشؤون الاجتماعية، ولا أحد ينظر إلى حالي المعدوم، واقتربت من الجنون داخل هذا المكان المظلم".

يعود محمد إلى ما يسمى بـ"منزله" الذي لا يصلح لسكن البشر، لا ضوء ولا ماء وطعام فاسدٌ هنا وهناك، ويمدد جسده المحطم محاولًا النوم، لكن الوسواس ينقض عليه بلا رحمة...

 

أبو توفيق 1
ابو توفيق 2
ابو توفيق 3
ابو توفيق 4
ابو توفيق 5
ابو توفيق 6
 

كلمات دلالية