قراءة في دلالات انتخابات حركة الجهاد الإسلامي... ثابت العمور

الساعة 07:13 م|04 أكتوبر 2018

فلسطين اليوم

ثابت العمور

أنهت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين انتخاباتها الداخلية،واختارت أمينها العام الأستاذ زيادة النخالة وأعضاء المكتب السياسي، قطعا لم يكن الأمر مجرد عملية انتخابات فقط تتعلق بواحدة من أهم الفصائل الفلسطينية الإسلامية، لكن الحدث اشتمل مجموعة دلالات لا يمكن تغييبها أو المرور عليها دون توقف، لا لأنه لا يمكن فهم المشهد الفلسطيني دون أن تكون الجهاد الإسلامي طرفا في الرؤية؛ ولكن لان واحدة من مقتضيات الفهم هو قراءة الجهاد الإسلامي فكرا وممارسة، ومثلما لم تكن انطلاقة الحركة حدثا عاديا في تاريخ القضية الفلسطينية فإن الانتخابات وان كانت شأنا داخليا إلا أنها ستفضي لمجموعة متغيرات داخل المشهد الفلسطيني بشقيه الفكري والممارساتي. وأفضت لمجموعة دلالات تقتضي التوقف عندها. ويمكن إيجازها في التالي :

1- أفضت انتخابات حركة الجهاد الإسلامي إلى الدفع برسالة وطنية مفادها أن الانتخابات ليست حكرا على الشق الرسمي في النظام السياسي الفلسطيني، بمعنى أن عدم المشاركة في انتخابات الرئاسة أو الانتخابات النيابية التشريعية أو البلدية لا يعني رفض مبدأ الديمقراطية والتداول على السلطة، وإنما ترفضها الحركة لأنها تحدث تحت مظلة أوسلو، ولأنها تقدم تحرير فلسطين كل فلسطين على أي عملية سياسية، وبالتالي فإن الانتخابات الداخلية للحركة تخدم هدف التحرير وهدف مقاومة الاحتلال ومن جهة أخرى ترسل رسالة أنه بإمكان طرفي الانقسام استدعاء الانتخابات والاحتكام لنتائج كمخرج وحيد وممكن ومتاح لإنهاء حالة الانقسام الحاصلة بينهما.

2-  هذه المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات داخل حركة الجهاد بهذا الحجم الأفقي والعمودي المناطقي والتنظيمي والهيكلي، أي على منصب الأمين العام وأعضاء المكتب السياسي، وهي انتخابات تحدث في بيئة سياسية فلسطينية غاية في التعقيد والجمود وبعد 12 سنة تقريبا على أخر تجربة انتخابية تتم في فلسطين، ورغم ذلك مرت وحدثت العملية بانسيابية وأريحية وبمشاركة فاقت نسبتها 99% ، كان للعنصر النسائي حضوره البارز فيها وخلالها وهذه سابقة في السلوك الانتخابي للحركات الإسلامية تقدمه حركة الجهاد الإسلامي، دلالة أخرى في التوازي والتوازن أحدثته الحركة هو الحضور اللافت للمشاركة في العملية للعنصر العسكري كأحد أهم مكونات الحركة، وفي هذا دلالة أن حركة الجهاد الإسلامي وهي تذهب للانتخابات لا تنسلخ ولا تبتعد عن كونها حركة مقاومة جهادية عسكرية، وان الانتخابات وان كانت عملية سياسية فإنها لا تعني غياب أو تغييب الحضور العسكري، وان انتخابات  المكتب السياسي لا تعني الانحياز أو تغليب السياسي على حساب العسكري فكلاهما مكمل للآخر وكلاهما حاضر في صناعة واتخاذ القرار داخل أروقة الحركة وتبقى الأولوية وحجر الأساس في فكر وممارسة حركة الجهاد الإسلامي هو الكفاح المسلح والاشتباك مع العدو وتحرير فلسطين كل فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي وكل مكونات الحركة وأدائها يدور حول هذه المعادلة معادلة الواجب.

3-  مرت الانتخابات بكل مراحلها من إقراراً بإجرائها ومرورا بالمتابعة ووصولا إلى التنفيذ وانتهاء بإعلان النتائج بعملية غاية في المرونة دون كثير ضجيج حتى لحظة مؤتمر إعلان النتائج؛ الذي لم يخل من دلالات الزمان والمكان والمعنى القريب والبعيد، فالزمان القريب يوم الجمعة أما البعيد فهو في الفاتح من أكتوبر الدم ولأكتوبر أو تشرين في ذاكرة حركة الجهاد الإسلامي حضوره المتشكل من معادلة الدم الذي هزم السيف؛ أعلنت النتائج أيضا على بعد أيام من ذكرى انطلاقة الحركة وعلى بعد أسبوعين من ذكرى اغتيال الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي وفي الذكرى الثامنة عشرة لانتفاضة الأقصى وبعد ربع قرن على اتفاق أوسلو المشئوم، أُعلنت النتائج لتقول أن حركة الجهاد لا تزول بزوال الرجال وأنها مستمرة وباقية وحاضرة ومتجددة  دون تبدل أو تغير ولا تتغير بتغير المتغيرات أو الظروف، أما المكان فالمعنى القريب موقع ملكة شرق غزة حيث العيون تنظر للعودة والتحرير والثورة ولأراضينا المحتلة منذ سبعة عقود، وتعني أننا نعلن النتائج من على ارض الاشتباك مع العدو، وتعلن النتائج من غزة أول ارض فلسطينية محررة ومحرمة على الاحتلال بفعل المقاومة وفضلها.

4-  جمعت مخرجات انتخابات الحركة بين السري والعلني كجمعها بين السياسي والعسكري أيضا، فهي تعلن عن تسعة أسماء من أعضاء مكتبها السياسي في غزة وفي الخارج وهذه جرأة وتحدٍ  تبديه الحركة بلا خشية ولا مواربة رغم أن ظروف الحالة الفلسطينية تعفيها من الإعلان لكنها تقول أن قادتها قبل جنودها على طريق ذات الشوكة وان حارس العمر الأجل، وفي جزء آخر استحضرت البعد والضرورة الأمنية عندما أبقت على أسماء أعضاء مكتبها السياسي في بعض المناطق سريا ولم تعلن عنه وبالتالي جمعت بين السري كأحد ضرورات العمل العسكري الثوري المقاوم وبين العلني كأحد مقتضيات العملية الانتخابية.

5-  أفضت نتائج الانتخابات لحضور ملفت لغزة واتساع حضورها ومشاركتها وحصتها في المكتب السياسي من عضوين إلى خمسة أعضاء، ما يعني أن غزة حاضرة ولها ثقلها السياسي والعسكري والتاريخي والنضالي والتأسيسي ولكنه حضور موضوعي لا فوقي ولا تمييزي، فالخارج لا يقل تمثيله عن غزة بل قد يساويها أو يتفوق عليها، والضفة أيضا والقدس، والداخل المحتل والأسرى، فواحدة من بين أهم أدبيات حركة الجهاد الإسلامي أنها ترفض اختزال فلسطين في غزة والضفة الغربية، لذلك حرصت في مؤتمر إعلان النتائج على  استحضار وإحضار فلسطين التاريخية دون أن تعلن عن تفاصيل الأمر لضرورات ومقتضيات أمنية .

6-  جاءت انتخابات الحركة بعد خمسة شهور تقريبا من إصدار الحركة لوثيقتها السياسية وما مثلته هذه الوثيقة من تأكيد وتثبيت للحق وللفكرة وللممارسة في نهج الحركة ومناهجها، وبالتالي شكلت الوثيقة الفكر واستكملت الانتخابات الممارسة، ما يعني أن البرنامج الانتخابي لمجموع أعضاء المكتب السياسي وللقاعدة الانتخابية هي الوثيقة السياسية، فلم تشأ الحركة مثلا أن تجري الانتخابات قبل أي أولا ثم تعلن عن وثيقتها السياسية ودلالة ذلك الثبات وان حركة الجهاد لا تتغير وان الاستفتاء لم يكن على الأشخاص لكنه كان على الفكرة على البرنامج على المشروع الجهادي الذي هو بمثابة العقد والعهد والحاكم والناظم لكل مكونات حركة الجهاد الإسلامي.

7- حدثت انتخابات حركة الجهاد الإسلامي في وجود الأمين العام الدكتور رمضان عبد الله وهذه سابقة في تاريخ الحركات الفلسطينية والإسلامية، أن ينتخب أمين عام جديد الأستاذ زياد النخالة والأمين العام الدكتور رمضان موجود، حتى وان كان المرض قد غيبه فإن غيابه لا يعني أن الانتخابات قد حدثت لذلك، وكان بالإمكان مثلا أن يبقى الأستاذ زياد النخالة يدير شؤون الحركة، لكن الدكتور رمضان هو من اقر إجراء انتخابات وهو من تابع لوائحها منذ أكثر من عام وقد التقيت بالرجل وعرفت نيته هذه منذ العام 2012 وكان لديه نية للتفرغ التام، وقد حدث بالفعل أن كان الشروع في الإعداد للانتخابات الداخلية للحركة منذ أكثر من خمس سنوات على الأقل. وبالتالي هذه الانتخابات ضخت دماء جديدة في الحركة وعنت في احد معانيها عملية تحديث وربما نكون أمام استحداث هياكل تنظيمية جديدة، فحركة الجهاد مرنة وقادرة على المواكبة والملاءمة بين الممكن والمتاح .

8-  الانتخابات تعني مواقيت وتعني استحقاقات وتعني متطلبات وتعني أن هناك جولة أخرى محكومة بموعد معلوم سلفا، هذه هي العملية الديمقراطية لا تتوقف عند حد معين أو شخص معين أو زمان معين مستمرة متجددة، وهي تعني من بين معانٍ عديدة تفعيل الشراكة وتعني بناء قنوات اتصال بين الناخب والمنتخب، وتعني إشراك هذه القاعدة في القرار والإقرار وتعني رقابة لصانع القرار ومتلقي القرار تعني وجود قنوات تغذية راجعة بين كل مكونات الحركة، الانتخابات فعل فيه من الإقدام والجرأة ما يعني التحديث والتطوير والقدرة والجرأة والحركة والتجدد والتجديد وهذا كله تستحضره انتخابات الحركة وسط مشهد محكوم بالجمود السياسي الفلسطيني ويحدث داخل حركة في احد معانيها أنها حركة تحرر وحركة تخوض المعركة ضد الاحتلال ورغم ذلك لم يلهها هذا ولم ينسها أن تكون حركة ديمقراطية شورية اجتماعية وسياسية وعسكرية وثورية ودينية ووطنية .

ختاما يسأل البعض هل تتغير مواقف الحركة بتغير أمينها العام،والإجابة باختصار هل تغيرت الحركة في مواقفها أو في فكرها وممارستها عندما تولى قيادتها الدكتور رمضان خلفا للدكتور الشهيد فتحي الشقاقي، خلافا لأن حركة الجهاد حركة محكومة بمنهج وبفكرة وبمؤسسة ولا تتغير بتغير الأشخاص ولا بتغير الظروف وقد مرت بعدة مراحل وعدة محطات لكنها تميزت حتى عندما أصدرت وثيقتها السياسية في نمارس الماضي استحضرت كل مواقفها دون تغيير أو تبديل. التقيت بالأستاذ زياد النخالة أبو طارق الأمين العام المنتخب عدة مرات وعلى فترات مختلفة وتكون لدي انطباع بأن الجهاد الإسلامي لا تتغير بتغير أمينها العام، وكنت قد سألت عن موقف ما في سنة ما من قضية ما واستطلعت عدة أراء داخل هياكل الحركة وقيادتها وتلقيت نفس الإجابة ونفس الموقف؛ وخلصت حينها إلى أن مواقف الحركة لا تتغير بتغير الأشخاص وأسوق هذه التجربة للإجابة على ما سلف هل تتغير الحركة بتغير أمينها العام؟.