بالفيديو والصور محمد.. مهندسٌ رسم خريطة الشهادة ونالها

الساعة 02:49 م|04 أكتوبر 2018

فلسطين اليوم

خرائطٌ وأدواتٌ هندسيةٌ مكدسةٌ وملقاة قرب مكتب صغير، تنتظر صاحبها ليُعيد ترتيبها بشكلٍ هندسي جميل، وليُنهي الأعمال المطلوبة منه بداية الأسبوع القادم، وفي زاوية أخرى من المكتب تجد شنطة وطاقية هندسية تزين الغرفة وتنتظر صاحبها ليرتديها وليظهر بأبهى طلة لممارسة عمله الهندسي.

تلك الخطوات المتسلسلة أصبحت غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع؛ بسبب رصاصة غادرة اخترقت رأس صاحبها وأردته شهيداً، لتُبعثر الأوراق ولتجعل من حوله حائراً ضائعاً ينتظر استعادة الروح بعد فراق فلذة الكبد.

الشهيد المهندس محمد بسام شخصة (24 عاماً) كان اليد اليُمنى لوالده في كافة أعماله الهندسية من أفكار ونقاشات وتصميمات وخرائطٌ ومراجعاتٌ ولقاءاتٌ مع الناس، فكان عبارة عن الرجل الأول في شركة والده.

حصل الشهيد شخصة على شهادة الدبلوم في تخصص الهندسة المدنية بدرجة ممتاز، وأكمل دراسة البكالوريوس بتخصص الهندسة المعماري، وتبقى له فقط مشروع التخرج، مما أكسبه ثقة والده ليخلفه على العمل وتقديم المناقصات واتمام المشاريع الهندسية دون مراجعته، وذلك كونه صاحب بصمة جمالية في الأفكار وأسلوب راقي في الاقناع بالآراء.

وترك الشهيد شخصة بصمة جمالية رائعة في تصميم مسجد الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي شرق حي الشجاعية بغزة أثناء إعادة ترميم المسجد الذي دمرته قوات الاحتلال في حرب 2014، إضافة إلى مشروع مدينة سياحية (منتجع) والدخول في مسابقة البوابة التي تفوق فيها على الكثير من المهندسين الرائعين.

اعتمد على نفسه

وقال بسام شخصه والد الشهيد، لمراسلنا: "رغم خبرتي الهندسية التي تتجاوز الـ25 عاماً إلا أن محمد لم يأخذ برأيي في أيٍ من مشاريعه الهندسية وكنت دائماً ألومه وأعاتبه، وفي كثير من الأحيان كنت أقتنع بكلامه ورأيه".

وأضاف: "مشاريع محمد الجميلة جعلتني أعتمد عليه في كثير من أعمالي وخاصة في المعاملات مع البلديات"، مشيراً إلى أن هدوء وابتسامة محمد كانا سببين في انهاء الكثير من المعاملات بوقت سريع جداً لاحترام الموظفين في البلديات له.

بينما يتفنن الشهيد محمد في اخلاص واتقان عمله، كان دوره في المنزل محورياً، قال والده: "كان محمد هادئاً جداً، ذو رأي سديد، محباً للجميع، مبتسماً في كل الأوقات والمواقف المضحكة والمبكية، لم أشهد في حياتي أن جاء أحد ليشكو محمد بالعكس معاملته كانت تجلب لنا الخير والسعادة".

آخر لحظاته

في صبيحة يوم الجمعة (28/10/2018) استيقظ محمد مبكراً، وعلى غير عادته صعد إلى حظيرة للدجاج والطيور فوق المنزل حيث يجلس والده كل جمعة، حاملاً معه طعاماً للطيور وجلس دقائق عدة مع والده قبل أن يغادر لأداء الصلاة.

وأثناء الصلاة يقول والده: "لأول مرة وأنا أصلي بين يدي ربي يأتيني شيء غريب وأقول في نفسي يجب أن أزوج محمد عاجلاً وليس آجلاً، وعندما أعود إلى المنزل سأفتح الموضوع معه ومع والدته، لكنني نسيت".

والموقف الثاني أضاف والده "عندما نجلس على مائدة الطعام بعد صلاة الجمعة لنا نظام خاص، تجلس بالقرب مني أم محمد ثم محمد وباقي الأولاد، لكن في يوم الشهادة توسط محمد بيني وبين أمه وكأنه يقول لنا، رضاكم أهم لي من الدنيا وما فيها".

دقائقٌ عدة حتى خرج محمد من المنزل مع رفقائه للمشاركة في مسيرة العودة وكسر الحصار في مخيم ملكة شرق مدينة غزة، ورغم اشتداد المواجهات بين المتظاهرين وقوات الاحتلال ومن بين الدخان الكثيف المتصاعد اجتاز محمد السياج الزائل، وقبل أن تُصيبه رصاصات الغدر الإسرائيلية وفقاً لشهود عيان فقد أدى الشهيد محمد سجدتين شكراً لله تعالى.

جنازة الشهيد

استشهاد محمد بسام شخصة نزل كالصاعقة على كل أحبائه وجيرانه، ونثر الحزن على وجوه أبناء حي الشجاعي، وكان هدوء وأخلاق ومعاملة محمد للجميع ورضى والديه عليه أسباباً في مشاركة حاشدة من أبناء الشجاعية على اختلاف انتماءاتهم في مواراة جثمانه الثرى.

ولا زال مكتب الشهيد المهندس محمد، حزيناً يعاني آلام الفراق وينتظر شقيقه أحمد لينوب عنه ويعيد ترتيب المكتب من جديد لتمضي قافلة الحياة.

IMG-20181003-WA0009
٢٠١٨١٠٠٣_١٩١٤٥٩
٢٠١٨١٠٠٣_١٩١٥٠٨
٢٠١٨١٠٠٣_١٩١٦٣٨
٢٠١٨١٠٠٣_١٩١٧٠٠
 

محمد بسام شخصة
الشهيد محمد بسام شخصة
 

 

كلمات دلالية