خبراء: الحصار الإسرائيلي وعقوبات "عباس" حربٌ رابعة على غزة

الساعة 07:27 م|25 سبتمبر 2018

فلسطين اليوم

"إنها الحرب الرابعة على غزة".. إنها الحربُ التي لا تشبه اخواتها، إذ لا صواريخ ولا قنابل ولا دماء فيها، حربٌ باردةٌ ملامحها جيوب فارغة، وبطون خالية، وظلام دامس، وأسواق راكدة، وفقر، وبطالة، ومعابر مغلقة، جنود هذه الحرب (الحصار الإسرائيلي) الذي له دور في الانكماش الاقتصادي، و(عقوبات السلطة) التي فاقمت الأزمة الاقتصادية.

وتتوالى التحذيرات الدولية والحقوقية والإنسانية من تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في غزة، إذ أظهر تقريرٌ للبنك الدولي اليوم الثلاثاء، أن شحاً كبيرًا في السيولة لدى المواطنين بقطاع غزة، وانهياراً اقتصادياً متصاعدًا يمهّدان لخطر تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.

 وقال البنك في تقرير سيعرض على لجنة الارتباط الخاصة بنيويورك يوم 27 سبتمبر/أيلول الجاري، إن نصف السكان في قطاع غزة يعانون من الفقر، مضيفاً "أن المساعدات والمنح المتوفرة حاليا للقطاع عاجزة عن توفير النمو، في حين بلغت نسبة البطالة 70%".

ويعيش قطاع غزة -الذي يعدّ مليوني نسمة- على وقع أزمة متصاعدة، آخرها وقف المنح والمساعدات الخارجية الأميركية الموجهة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا).

وسجل إجمالي ودائع عملاء البنوك في غزة تراجعات خلال العام الجاري وتباطؤا في نموها مقارنة مع سنوات سابقة، لتستقر عند 1.16 مليار دولار حتى يوليو/تموز الماضي، بحسب أرقام لسلطة النقد الفلسطينية.

وقالت المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة المحتلة وقطاع غزة مارينا ويس "لقد تكالبت عوامل الحرب والعزلة والصراعات الداخلية، تاركة اقتصاد غزة في حالة من الشلل تفاقمت معها المحن الإنسانية".

وأضافت أن الناس يعانون الأمرّين لتلبية متطلبات الحياة الأساسية، ويكابدون أحوال الفقر المتفاقمة، واشتداد البطالة، وتدهور الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي.

وانكمش النمو الاقتصادي في قطاع غزة بنسبة 6% خلال الربع الأول من العام الجاري لأسباب مرتبطة بعقوبات من السلطة على القطاع.

وقال تقرير البنك إن حصار غزة الذي تجاوز عشر سنوات له دور في هذا الانكماش، إلا أن عقوبات السلطة الفلسطينية فاقمت الأزمة الاقتصادية.

واقتطعت الحكومة 30% من رواتب الموظفين العموميين بغزة (58 ألف موظف) في أبريل/نيسان 2017، قبل أن ترتفع إلى 50% في الشهر نفسه من العام الجاري، بالإضافة إلى إحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر.

ويطالب التقرير بتوفير الاحتياجات الأساسية وتعزيز مصادر الدخل لزيادة الإنفاق واستعادة دوران عجلة السوق، وتوسيع مساحة صيادي غزة في البحر.

كما حث حكومة الاحتلال على "دعم بيئة مواتية للنمو الاقتصادي عن طريق رفع القيود على التجارة، والسماح بحركة السلع والناس التي بدونها لن يتحسن الوضع الاقتصادي في غزة أبداً".

بدوره، أكد الخبير الاقتصادي د. أسامة نوفل، أن تقرير البنك الدولي الخاص بالأوضاع الإنسانية في غزة، كشف الدور الواضح الذي لعبته السلطة في تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع من خلال إجراءاتها العقابية.

وقال نوفل في حديثه لمراسل "فلسطين اليوم الإخبارية"، إن التقرير خطيرٌ جدًا كونه في الماضي كان يصدر عن الأراضي الفلسطينية عامة بشكل متوازن، لكنه لم يكن متوازنًا هذه المرة، حيث أفرد التقرير 15 صفحة لصالح قطاع غزة، وهذا أمر غير مسبوق، ويدلل على مدى خطورة الأوضاع التي يمر بها القطاع.

وأوضح أن التقرير ساوى بين الحصار المشدد من قبل الاحتلال الإسرائيلي وعقوبات السلطة، مشيراً إلى أن السلطة أمام اتهام مباشر وواضح وصريح من البنك والمجتمع الدولي.

وأضاف نوفل: "ما لم يستطع الاحتلال تحقيقه على مدار 12 عاماً وخلال 3 حروب تأتي عقوبات السلطة لتعطي أثارًا كارثية أكبر من الحروب والحصار"، مبدياً تخوفه "من أن العقوبات قد تعطي نتائج أخطر من الحروب السابقة".

ونوَّه إلى أن التقرير ولأول مرة يتحدث عن السيولة النقدية، ودق ناقوس الخطر، مشدداً على أن تراجع السيولة يهدد بإغلاق المنشآت الصناعية والخدماتية.

ومن جانبه، قال المحلل السياسي، إبراهيم المدهون، إن العقوبات على غزة جريمة وطنية وهي جزء من صفقة القرن الذي سار بها عباس ومهد لها لزيادة الانشقاق والانفصال، بهدف دفع حماس للتجاوب مع فكرة تذويب القضية وتفتيتها.

وأضاف أنه من "المطلوب موقف فلسطيني موحد أمام جنون سياسات المقاطعة، فعباس يفقد شرعيته في ظل العقوبات وباعتقادي استمرارها أو الإضافة عليها سيؤدي لتداعيات خطيرة جدا وغير محسوبة لأحد، والقوة الحقيقية لشعبنا في وحدته ووعيه وثورته".

ونصح المدهون، رئيس السلطة محمود عباس أن يخرج لشعبه قبل التوجه للأمم المتحدة ويعلن عن رفع العقوبات وتشكيل حكومة وحدة واستعداده لعملية مصالحة حقيقية بمشاركة الكل الفلسطيني.

في السياق، وصف رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري تقرير البنك الدولي حول الانهيار الاقتصادي في غزة وتعرض الخدمات الإنسانية المقدمة للسكان للخطر، بـ"المهم، والذي يعكس الحقيقة ويدق ناقوس الخطر".

وأشار الخضري في تصريح صحفي الثلاثاء إلى أن التقرير وصف الحالة والواقع بشكل حقيقي، لافتاً إلى أنَّ الأوضاع في غزة تزيد كارثية ومأساوية بشكل يومي.

وطالب الخضري الجمعية العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي والجميع بتحمل مسئولياته، داعيًا إلى ضرورة الإسراع في رصد موازنات عاجلة لإغاثة الواقع في غزة، ومنع مزيد من التدهور.

وشدَّد على أن هذا الواقع يمكن إنقاذه عبر سلسلة من الخطوات والقرارات تتخذ بالتوازي، يمكن أن تتعافى من خلالها غزة في حال طبقت كاملًا خلال ثلاثة سنوات.

وقال الخضري إن أبرز هذه الخطوات رفع الحصار الإسرائيلي بشكل كامل، وفتح كافة المعابر التجارية، والسماح بحرية الاستيراد والتصدير دون قيود وقوائم ممنوعات، والسماح بإدخال المواد الخام للازمة للصناعات ما سيتيح فتح المصانع المُغلقة، مشيرًا إلى أن نحو 85% من المصانع مغلقة بشكل كلي أو جزئي بسبب الحصار والاعتداءات.

وأضاف أن ربط غزة والضفة الغربية بالممر الأمن، وتشغيله بشكل فوري، ما يخلق حركة تجارية نشطة، وتبدأ عملية ضخ الأموال في السوق من خلال الحركة التجارية وحركة الأفراد.

وشدد على أن من الخطوات المهمة تشغيل الشباب والخريجين والعمال من خلال مشروعات مختلفة تسهم في ضخ الأموال لهم ولعائلاتهم وتساعد في عملية نمو اقتصادي.

وأكد ضرورة تشجيع رؤوس الأموال العربية والأجنبية من الدخول لغزة وإقامة مشروعات تنمية مختلف تستوعب الايدي العاملة من عمال ومهندسين وفنيين.

وكانت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار أصدرت عدة تقارير سابقة تتطابق وتقرير البنك الدولي من حيث انهيار اقتصادي وشيك في غزة وضعف القوة الشرائية، وتطرقت لصعوبة وكارثية الواقع بالأرقام والإحصائيات.

وتصل نسبة البطالة في غزة الذي يقطنها حوالي مليوني نسمة إلى أكثر من 60 بالمئة مقارنة مع الضفة الغربية التي يصل فيها المعدل إلى 25 بالمئة.

وتتمثّل عقوبات عباس على قطاع غزة في خصم 50% من رواتب الموظفين العموميين، وإحالة الآلاف إلى التقاعد "المبكر" بشكل قسري، ووقف الموازنات التشغيلية للوزارات، وتقليص إمدادات الوقود والدواء والتحويلات الطبية للعلاج بالخارج.