ما بين الوطن المسلوب والمواطن المنكوب - جبريل أبو كميل

الساعة 04:54 م|17 سبتمبر 2018

بقلم / جبريل أبو كميل

 ربما يكون جميلاً أن يعيش المرء مع خياله حقيقةً يقوى من خلالها على العيش، وإن كان ذلك مرهقاً.

 قديماً كنا نظن استحالة أن ينقسم المرء إلى قسمين، لكن مع تقدم الزمن وتطور العلم، وصل الإنسان إلى قدرة فصل التوائم السيامية عن بعضهما فتحول الخيال إلى حقيقة.

حال فصل التوأمين يعد ضرورة طبية، لكنه يختلف كثيراً عن حال حزبين يحملان ظاهرياً فكرة التحرر من الاحتلال، والتي يفترض أن تجعلهم دائمي السيامية كضرورة إنسانية وقوة سياسية، ليمضوا في ذات الطريق حتى الوصول إلى الحرية.

لكن الغريب _وما غريب الإ شيطان_، أن الحزبين دفعا ثمناً كبيراً من التضحية حتى وصلا إلى تحويل الجنس وفصل الجسد.

عقدٌ وعامين مضوا ولا شيء تبدل سوا حسرة الناس على حالهم الذي يزداد وجعاً وجوعاً.

القصصُ والحكايا كثيرة ومؤلمة بين شبابهم وبين خيالهم الذي رسم عن العالم وكأنه جنة للمستضعفين والمنكوبين من الغزيين اللذين بدأوا بالزحف مهاجرين هرباً من الظلم إلى الظلمات.

إنهم منسيون، يتألمون وكبار الحزبين يتغنون بكلمات شعرٍ رومنسيٍ يتناسب مع لحظات غروب الشمس التي يسقط جمالها سريعاً. 

بلغت الحناجر فغابت الضمائر، وهم يمارسون سياسة عنصرية على حساب الوطن الذي لم يتبقَ من جماله سوا اسمه، والمواطن الذي فقد عافيته بفعل الميزاجية الحزبية.

يساومون الناس على حياتهم وقوت يومهم تارةً، ويكثفون الأسلاك الشائكة على حريتهم تارةً أخرى ليزيدوا من حصارهم حصاراً.

شعبياً ندركه سهلاً أن يستئصل ولي الأمر مسؤوليته عن نجله ويتبرأ منه إن كان عاقاً، لكنه من الصعب بل من العيب أن تتخلى الرعية عن الراعي ولو كان ظالماً تطبيقاً لبر الوالدين.

كل هذا ورب الرعية يستغل عرشه ويمعن بسيفه ضرب كل من استفاق ضميره حينَ غفلةٍ أو تحدَّث بصوته عن آلام الوطن والمواطن ولو على استحياء.

يفعلون عكس اللذين عشقناهم في تاريخ القضية الفلسطينية، محمد جمجوم، عطا الزير و فؤاد حجازي، أسماء دشنت في مدينة عكا ملحمة بطولية وحكاية وطنية اكتمل جمالها لحظة تنفيذ الاحتلال إعدام الثلاثة، حين نادى محمد أنا أولكم خوفي يا عطا أشرب حسرتكم وقال حجازي أنا أولكم ما نهاب الردا ولا المنونا.

غادر الرفاق الثلاثة وبقي الوطن هو ذاته المسلوب، والمواطن هو المنكوب، لكن الذي تبدل هو حال المناضل والسياسي الذي بات لا يقوى على اسمه وخزينته.