مضى على اعتقالهم أكثر من 30 عاماً

أسرى في غياهب الجُب: خطيئة أوسلو الموجعة التي "لا تُغتفر"

الساعة 01:23 م|12 سبتمبر 2018

فلسطين اليوم

لم تأت اتفاقية أوسلو" على الأرض والشجر والحجر بحسب، بل تعدتها لأناس بشر، أُنهكت قواهم في "غياهب الجب"، فتركتهم يذوقون ويلات الاتفاقية في سجون الاحتلال "الإسرائيلي"، يخضعون لإملاءات وشروط سجان لا يفقه دروس الإنسانية، فتركت حياتهم معلقةً بـ"حسن النوايا"، التي لا يعرفها قانون المحتل، فأبقت العشرات منهم في سجونها منذ أكثر من 30 عاماً.

"25 عاماً" على اتفاقية "أوسلو" التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع "إسرائيل" في 13/9/1993، لم تخلف سوى خيبة كبيرة لصفوف الأسرى في سجون الاحتلال "الإسرائيلي"، كونها لم تتطرق لقضيتهم وخلت من أي نص واضح وصريح يلزم "إسرائيل" بالإفراج عن جميع الأسرى، أو جزء منهم ضمن جدول زمني واضح.

فقد تركت الاتفاقية قضية الإفراج عن الأسرى لحكومة الاحتلال، والتعامل معها من منطلق ما يسمى بمبادرات حسن النية لدى "إسرائيل" التي تعرف معناها.

باتوا مجرد خبر

الأسير المحرر والباحث والمختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، أوضح أن قضية الأسرى ما قبل "أوسلو" باتت تشهد تراجعاً كبيراً، حيث بات دخولهم في عام جديد مجرد خبر، لا يسبب أي تأثير لدى الجمهور الفلسطيني بمختلف أنواعه، مؤكداً أن قضيتهم يجب أن تبقى حية حاضرة، على كافة المستويات القيادية والمقاومة والمنظمات الحقوقية.

وشدد فراونة في حديث لــ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" على ضرورة تكون قضية أسرى ماقبل أوسلو هي الأهم والأولى وأن يتم إعادتها لصدارة الاهتمام أولاً ومن ثم وضع خطة للاهتمام بها، لإعادة حيوية القضية وتدعيمها وتدعيم صمود شعبنا بها، حيث أن بقاء الأسرى لأكثر من 30 سنة و25 سنة، في السجون يشكل عامل سلبي في نفوس الأسرى.

وقال فروانة: إن اتفاقية أوسلو سجلت إيجابيات كما عليها أخطاء وتحفظات، فهي نجحت في الإفراج عن آلاف الأسرى، ولكنها لم تفلح في وضع نصوص واضحة للإفراج عنهم، فأبقت العشرات منهم في السجون.

وبين فروانة أن أعداد الأسرى ماقبل أوسلو بلغوا 29 أسيراً نصفهم من الأراضي المحتلة عام 48، وآخرون من القدس والضفة المحتلتين واثنين من قطاع غزة، ويعد أقدمهم كريم يونس وشقيقه ماهر اللذان اعتقلا في يناير/ كانون ثاني 1983.

تنصل من الاتفاقيات

وتابع: أن هؤلاء كان يفترض الإفراج عنهم ضمن الدفعة الرابعة في آذار/مارس عام 2014 حيث تم الإفراج عن 3 دفعات وفق "صفقة شاليط"، التي لم تتم بعد تنصل الاحتلال من اتفاقياته مع السلطة الفلسطينية، ومازال الاحتلال يرفض الافراج عنهم خلال سنوات المفاوضات التي جرت بين الطرفين على مدار ربع قرن.

وفي هذا الإطار، أشار فروانة، إلى أن الأمر لم يتعلق فقط بأسرى ماقبل "أوسلو" بل بأسرى آخرين كانوا معتقلين ماقبل أوسلو وتحرروا ضمن صفقة "وفاء الأحرار" ومن ثم أعيدت لهم الاحكام المؤبدة لعدد كبير منهم، كالأسير نائل البرغوثي الذي اُعتقل بشكل متواصل لمدة 34 عاماً، وأفرج عنه خلال صفقة "وفاء الأحرار" ثم أُعيد اعتقاله مجدداً عام 2014، وأعادت سلطات الاحتلال حكمه السابق وهو المؤبد و18 عاماً، لتصبح مجموع سنوات اعتقاله 38 عاماً.

وأكد فروانة، أهمية دعم الأسرى المحررين ما قبل أوسلو، حيث يخرجون بأمراض عديدة منهم من فارق الحياة على إثر هذه الأمراض، خاصةً أن الاحتلال لا يولي الأسرى القدامى أو ماقبل أوسلو اهتماماً خاصاً، فلا تميز في المعاملة بينهم.

أسماء أسرى ما قبل أوسلو

وقد نشر فروانة بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على اتفاق "أوسلو"، أسماء كافة الأسرى المعتقلين قبل "أوسلو" والذين يعرفون اليوم بـ "الدفعة الرابعة"، داعياً كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية ووسائل الاعلام المختلفة الى ابقاء قضيتهم حية وحاضرة باستمرار وعلى الدوام على كافة الصعد والمستويات، بما يضمن الضغط المستمر على دولة الاحتلال وإلزامها بتنفيذ ما اتفق عليه وضمان الإفراج عنهم جميعا.

كما ناشد المقاومة الفلسطينية الى ادراج أسمائهم ضمن أية صفقة تبادل قادمة واغلاق هذا الملف.

وأدناه اسماء "الأسرى القدامى" المعتقلين منذ ما قبل "أوسلو" وعددهم 29 أسيراً:

كريم يوسف يونس، ماهر عبداللطيف يونس، محمد احمد الطوس، ابراهيم نايف ابومخ، رشدى حمدان ابومخ، وليد نمر دقة، ابراهيم عبدالرازق بيادسة، احمد على ابو جابر، سمير ابراهيم ابونعمة، محمد عادل داوود، بشير عبدالله الخطيب، محمود سالم ابوخربيش، محمود عثمان جبارين، جمعة ابراهيم ادم، سمير صالح سرساوى، رائد محمد السعدى، فارس احمد بارود، ابراهيم حسن اغبارية، محمد سعيد اغبارية، يحيى مصطفى اغبارية، محمد توفيق جبارين، ضياء زكريا الفالوجى، محمد فوزى فلنة، ناصر حسن ابو سرور، محمود جميل ابو سرور، محمود موسى عيسى، محمد يوسف شماسنة، عبدالجواد يوسف شماسنة، علاء الدين فهمى الكركى.

خيبة أمل كبرى

المحرر رأفت حمدونة مدير مركز الأسرى للدراسات، أوضح في دراسة خاصة له، تضمنت الحديث عن الأسرى ما قبل أوسلو، أن الأسرى وذويهم بخيبة أمل، وخرجت من السجون عشرات الرسائل والبيانات الموجهة إلى القيادة الفلسطينية ومؤسسات حقوق الإنسان تظهر مدى ما أصابهم من إحباط معبرين فيها عن عدم رضاهم عن أداء المفاوض الفلسطيني، وطالبوا في هذه الرسائل الجماهير الفلسطينية التحرك والعمل لإثارة قضيتهم وإطلاق سراحهم.

وتابع: أن فترة أوسلو والمفاوضات السياسية عكست نفسها على حياة الأسرى، حيث انقسم المعتقلون على خلفية الانتماء السياسي بين مؤيد ومعارض للمفاوضات، خلافات لم تصل لمرحلة الانقسام والتشظي، بل اتفق الجميع على أن يبقي خلافاً سياسياً لا يؤثر على استقرار ووحدة الحركة الوطنية الأسيرة، لتفويت الفرصة على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي أرادت أن تستثمر الخلافات السياسية لشق صفوف الحركة الأسيرة، مما يسهل عليها فرض سيطرتها لتفريغ الحياة الأسيرة من محتواها النضالي.

ولفت إلى أن مرحلة جديدة من النضال بدأت فى المعتقلات الإسرائيلية، اتخذت الشكل النضالي السياسي بهدف التحرر من السجون على قاعدة " أنه لا يجوز إبقاء احتجاز أسرى في ظل عملية سلام.

وبين حمدونة أن من الخطوات التي قام بها الأسرى في تلك الفترة إعلانهم التمرد في 8/4/1995م على قوانين إدارة السجون الإسرائيلية، وقوانين وزارة الشرطة بعدم الانصياع لها، وأوضحوا أن هذه الخطوة تأتي لإفهام الجميع بأن السلام الذي لم يصلهم ويشملهم يبقى سلاماً ناقصاً وأن تأخيرهم في السجون ليس العلاج الشافى لمزاعم إسرائيل الأمنية.

خطوات نضالية 

وأشار، إلى قيام الأسرى بعشرات الخطوات النضالية من أجل الحفاظ على منجزات ما قبل اتفاقية أوسلو، والتي حققت بأرطال من اللحم في الإضرابات المفتوحة عن الطعام، وبدم الشهداء، فمستوى الحياة وظروف الأسر لم تتأثر ولم تتصادر بفعل الترهل، ومعاملة إدارة السجون ناعمة ومرنة وهادئة نسبياً من جانب السجانين مع الأسرى، ووفرت لهم الكثير من التسهيلات بسبب حالة الغضب التي عاشها الأسرى في ظل فقدان الحرية وبمساندة الجانب السياسي والجماهيري، ومن تلك التسهيلات " حركة السجناء داخل السجن، سواء بين الغرف أو بين الأقسام.

وأضاف: وزيادة مدة النزهة، والزيادة في زمن الزيارة لمن لديه مناسبة، والزيارات الخاصة، والاتصالات التلفونية، وإدخال أشرطة الفيديو للمناسبات وتسهيل زيارة المحامين، والتقاء ممثلي السلطة الفلسطينية دورياً بالمعتقلين، وعشرات الأشياء الصغيرة التي لم تعد تنقص الأسرى، واقتناء الممتلكات الخاصة كالهوايات واللمبات الكهربائية والأتاري، والمسجلات والراديو والديسكمان وغيرها، ومشتريات منوعة من الكنتينا، وإدخال الملابس والأغطية والأحذية وأغراض صناعة التحف من الخرز والحرير وغير ذلك عبر الأهل، والسماح بشراء الغراء اللاصق والكرتون، وكان رد الإدارة على المزيد من مطالب الأسرى بأن السجون سوف تغلق، وميزانيات مديرية السجون تم تجميدها.

إسرائيل لا تتعامل بحسن نية

ورأى حمدونة، أن أجهزة الأمن الإسرائيلية لم تتعامل يوماً بحسن النوايا باتجاه الأسرى، على العكس فهي تستغل كل مواطن الضعف لدى الأسرى ولا تتوانى لحظة للانتقام منهم، وذلك بإعادتهم للمربعات الأولى من ظروف الاعتقال الأولى، الأمر الذي يدلل على عمق تجربة المعتقلين، الذين كانوا بغالبيتهم ممن كانوا محكومين بالمؤبدات لمدى الحياة، ومن لهم سنوات طويلة في الاعتقال، ومن اكتسبوا التجارب النضالية، والحنكة الحوارية مع طواقم إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية.

وشدد، على أنه ورغم الخيبة التي تلقاها الأسرى جراء اتفاقية أوسلو إلا أنهم لم يفقدوا عزيمتهم وقوتهم رغم تأثر الحركة الأسيرة بالمتغيرات السياسية، وبرز في هذه الفترة عدد كبير من المبدعين الذين نظموا حياتهم، وقضوا أوقاتهم بالانتساب للجامعة، والمطالعة الذاتية، وتعلم اللغات، والالتزام بالجلسات، وممارسة الرياضة، والتفاعل والتزاور والاهتمامات العالية والمفيدة.

وتبقى هذه الاتفاقيات حبل معلق في رقاب الفلسطينيين تشده "إسرائيل" وقتما تشاء، لتحقيق مصالحها الشخصية والخالصة، ليبقى أسرى ما قبل أوسلو شاهدين على "خطيئة كبرى" ارتكبتها منظمة التحرير بحق رجال حنت ظهروهم ولم تنكسر في سجون الاحتلال، فيما بقيت رؤوسهم شامخة لا تأبى الانكسار.

أسرى ماقبل أوسلو
 

 

 

كلمات دلالية