العنف المدرسي /بقلم: د. سليمان الحسنات

الساعة 10:47 ص|11 سبتمبر 2018

فلسطين اليوم

إن العملية التربوية مبنية على التفاعل الدائم والمتبادل بين الطلاب ومدرسيهم. حيث أن سلوك الواحد يؤثر على الآخر وكلاهما يتأثران بالخلفية البيئية، ولذا فإننا عندما نحاول أن نقيم أي ظاهرة في إطار المدرسة فمن الخطأ بمكان أن نفصلها عن المركبات المختلفة المكونة لها حيث أن للبيئة جزءاً كبيراً من هذه المركبات.
والعنف المدرسي ظاهرة ليست بغريبة على مجتمعنا حيث أن هناك أسباب تكمن وراء هذا العنف والذي يتلخص في التالي:
السبب الأول : طبيعة المجتمع الأبوي والسلطوي: فنرى على سبيل المثال أن استخدام العنف من قبل الأخ الكبير أو المدرس هو أمر مباح ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة، وحسب النظرية النفسية- الاجتماعية فإن الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً، مسموحاً ومتفقاً عليه.
بناءً على ذلك تعتبر المدرسة هي المصب لجميع الضغوطات الخارجية فيأتي الطلاب المٌعنّفون من قبل الأهل والمجتمع المحيط بهم إلى المدرسة ليفرغوا الكبت القائم بسلوكيات عدوانية عنيفة يقابلهم طلاب آخرون يشابهونهم الوضع بسلوكيات مماثلة وبهذه الطريقة تتطور حدة العنف ويزداد انتشارها." إذا كانت البيئة خارج المدرسة عنيفة فأن المدرسة ستكون عنيفة ".
السبب الثاني : مجتمعنا هو مجتمع تحصيلي: في كثير من الأحيان نحترم الطالب الناجح فقط ولا نعطي أهمية وكياناً للطالب المهمل تعليمياً. الطالب الذي لا يتجاوب معنا. حسب نظرية الدوافع فالإحباط هو الدافع الرئيسي من وراء العنف، إذ أنه بواسطة العنف يتمكن الفرد الذي يشعر بالعجز ، أن يثبت قدراته الخاصة. فكثيراً ما نرى أن العنف ناتج عن المنافسة والغيرة. كذلك فإن الطالب الذي يعاقب من قبل معلمه باستمرار يفتش عن موضوع،شخص، يمكنه أن يصب غضبه عليه.

السبب الثالث: العنف المدرسي هو نتاج التجربة المدرسية ( سلوكيات المدرسة(
هذا التوجه يحمل المسئولية للمدرسة من ناحية خلق المشكلة وطبعاً من ناحية ضرورة التصدي لها ووضع الخطط لمواجهتها والحد منها، فيشار إلى أن نظام المدرسة بكامله من طاقم المعلمين والأخصائيين والإدارة مسئولين بشكل مباشر أو غير مباشر عن هذا العنف للأسباب التالية.
تغيير المدير ودخول آخر بطرق تربوية أخرى وتوجهات مختلفة عن سابقه تخلق مقاومة عند الطلاب لتقبل ذلك التغيير، فدخول مدير جديد للمدرسة مثلاً، وانتخاب لجنة أهالي جديدة تقلب أحياناً الموازين رأساً على عقب في المدرسة، ترك المعلم واستبداله بمعلم آخر يعلم بأساليب مختلفة، عدم إشراك الطلاب بما يحدث داخل المدرسة وكأنهم فقط جهاز تنفيذي
السبب الرابع الجو التربوي:إضافة إلى ما ذكر فأن الأسلوب الديمقراطي قد يلاقي معارضة من قبل الطلاب الذين اعتادوا على الضرب والأسلوب السلطوي، فيحاولون جاهدين فحص إلى أي مدى سيبقى المعلم قادراً على تحمل إزعاجاتهم وكأنهم بطريقة غير مباشرة يدعونه إلى استخدام العنف، وإذا ما تجاوب المعلم مع هذه الدعوة فسيؤكد لهم أنهم طلاب أشرار الذين لا ينفع معهم إلا الضرب، ونعود إلى المعلم ذو النفس القصير الذي سرعان ما يحمل عصاه ليختصر على نفسه الجهد والتعب.
ومن أشكال العنف المدرسي:الإيذاء الجسدي،التخريب المتعمد لممتلكات المدرسة ،الإيذاء اللفظي للزميل أو المدرس، إيجاد نوع ما من الفوضى في الفصل، التشويش على أداء الحصة الدراسية، مشاهدة العاب المصارعة و أفلام الاكشن وتقليدها وهي ليست بحقيقة ،استعمال الضرب من قبل المعلم، عدم مراعاة الفروق الفردية داخل الصف ،لا يوجد تقدير للطالب كإنسان له احترامه وكيانه، عدم السماح للطالب بتعبير عن مشاعره فغالباً ما يقوم المعلمون بإذلال الطالب وإهانته إذا أظهر غضبه،التركيز على جوانب الضعف عند الطالب والإكثار من انتقاده،
الاستهزاء بالطالب والاستهتار من أقواله وأفكاره ، رفض مجموعة الرفاق والزملاء للطالب مما يثير غضبه وسخطه عليهم، عدم الاهتمام بالطالب وعدم الاكتراث به مما يدفعه إلى استخدام العنف ليلفت الانتباه لنفسه، وجود مسافة كبيرة بين المعلم والطالب، حيث لا يستطيع محاورته أو نقاشه حول علاماته أو عدم رضاه من المادة. كذلك خوف الطالب من السلطة يمكن أن يؤدي إلى خلق تلك المسافة، الاعتماد على أساليب التلقين التقليدية، عنف المعلم اتجاه الطلاب،
عندما لا توفر المدرسة الفرصة للطلاب للتعبير عن مشاعرهم وتفريغ عدوانيتهم بطرق سليمة.
ومن خلال ممارستي لمحاضرات تربوية ونفسية للطلبة العنيفون في مدارس الوكالة في دير البلح في المرحلتين الإعدادية والابتدائية ،وبالتعاون مع مدراء المدارس الأفاضل وبعد أن دون الطلبة أسباب العنف المدرسي الذي يمارسونه كانت الإجابات كالتالي : 
1- أمارس العنف عن طريق المزاح الزائد عن الحد.
2- أمارس اللعب في الفصل وهذا يفسره المدرس عنفا من ناحيتي .
3- أمارس العنف عن طريق تخويف الطلاب وإرعابهم وهم يشجعوني على ذلك.
4- أمارس العنف بعد أن يطردني المعلم من الفصل .
5- والدي يضربني في المنزل ، وبالتالي أقوم بنقل ذلك للمدرسة بممارسة ضرب الطلاب.
6- الطلاب لا يستمعون للمعلم ، لذلك أقوم بتعنيفهم وبذلك أمارس العنف معهم.
7- أنا لا أحب المدرسة لان المعلم يضربني.
8- أمارس العنف لان الطلاب يقللون من شأني ولا يحترموني.
10-أمارس العنف لأني إخوتي الكبار يمارسون العنف معي في المنزل.
11- أمارس العنف من خلال الضحك والمزح مع زملائي.
12- أنا طالب مجتهد ولكن الطلاب يستهزئون بي لذلك أمارس العنف معهم.
13- أمارس العنف لان الطلاب كبار السن ، عنيفون معي ولذلك أبادلهم العنف المضاد.
14- اضرب إخوتي في البيت ، وانقل ذلك للمدرسة مع زملائي.
15- هناك طلاب بعينهم يجبرونني على العنف.
16- بيئة الطلاب الذين يسكنون في بيوت المخيم تدفعهم لممارسة العنف .
17-أهلي يكرهوني لذلك أمارس العنف المدرسي.
هذا مجمل ما عبر عنه الطلاب ، ولذلك وفي نهاية مقالي هذا انصح واقترح ما يلي :
1- تفعيل مجلس الآباء ، في الفعاليات اللامنهجية ومشاركتهم في هموم المدرسة ومشاكلها ( مثلا قيامهم بجولة مع الناظر وبدون سابق إنذار ليروا كيف تدار العملية التدريسية اليومية ، وللتعرف على سلوكيات أبناءهم ).
2- تفعيل دور المرشد النفسي في إرشاد الطلاب المبحوثين عن السلوك القويم ولو في كل يوم عمل 3 جلسات مع الطلاب العنيفون وتقديم النتائج للناظر.
3- قيام الإدارة المدرسية ممثلة بالناظر والمدراء المساعدون بتوزيع جوائز تشجيعية على الطلاب الذين يلتزمون بالنظام والانضباط ليكونوا نموذج يحتذي به باقي الطلبة.
4- قيام إخواني المعلمين بتوزيع الحصة الدراسية بين الطلاب بالمساواة ، وان لا يفرقوا بين الضعيف تحصيلا والمثابر وان يكون هناك عدل في المعاملة ، ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب لتخفيف درجة العنف.
5- قيام المدرسة بالتواصل مع المجتمع ، بأن يكون هناك تكريم لمجموعة من أبناء المنطقة ، في المناسبات وما أكثرها ، ليأخذ منهم الطلاب القدوة الحسنة.
6- تعريف الطلبة بأهمية الزي المدرسي ، والاهتمام بالمظهر الشخصي للطالب في ندوات متتالية .
7- الإكثار من ممارسة الرياضة البدنية ، للتخفيف من العنف الزائد عند الطلبة.
8- تفعيل صندوق الشكاوي والاقتراحات ، بعمل ندوات تعريفيه عنه ومشاركة الطلبة في بعض الحلول ، وزيادة جرعة الاقتراحات من طرف الطلبة في هذا الصندوق.
ومن التوصيات التي أعدتها بعض الدراسات في مجال العنف بين طلاب المدارس أورد ما يلي:
1. ضرورة توفير الأجواء المناسبة لممارسة العملية التعليمية بحل الإشكاليات المؤدية لها .
2. إعداد الطالب والمعلم وأولياء الأمور على تربية اللاعنف من خلال ترسيخ المفاهيم الصحيحة في التعامل مع الآخرين.
3. يقع الدور الأكبر على المؤسسات الرسمية في توفير الأجواء والظروف المناسبة والملائمة لممارسة العملية التربوية بشكل خاص، كما يقع عليها حل العديد من المشاكل التي يواجهها أطراف العملية التربية الأربعة ، المعلم ، المدرسة ، الطالب والأسرة.
4. الابتعاد عن ممارسة الفعل ورد الفعل في الاستجابة لأحداث عنيفة قد تقع هنا وهناك في حياتنا اليومية بل التعامل بهدوء من قبل المعلمين وأولياء الأمور في الاستجابة للمؤثرات الخارجية التي تزيد من حالة العنف وتؤدي إلى زيادة استخدامه من قبل الطالب تجاه الآخرين.
د: سليمان عصر الحسنات
أستاذ علم النفس