خبر مع المقاتلين، في ارض العدو / يديعوت

الساعة 09:25 ص|08 يناير 2009

بقلم: رون بن يشاي

المراسل العسكري للصحيفة

        (المضمون: المراسل العسكري للصحيفة يتجول مع الجنود في اطراف غزة وينقل انطباعاته عما يجري هناك - المصدر).

        في  حي في مدينة غزة يسود الهدوء في معظم ساعات اليوم. هذا الهدوء، الذي نشأ بعد سيطرة لواء جفعاتي على الحي، يقلق قائد اللواء بالذات. في تقويم الوضع في ساعات المساء يشرح قائد اللواء العقيد ايلان ملكا لقائد الكتائب مخاوفه. "عليكم جميعا أن التدريب على التغلب على محاولات الاختطاف"، يحذر الجميع ويضيف: "سيكون هذا هو الانجاز الاهم لهم في هذه اللحظة".

        مخاوف قائد اللواء مفهومة. اخطارات بمحاولة اختطاف تخطط حماس لها في الحي تصل الى جنود اللواء، وهؤلاء يستعدون بما يتناسب مع ذلك. "عندما سيطرنا على المنطقة اختفت حماس"، يقول العقيد ملكا في مقر قيادي اعد له على عجل في اطراف مدينة غزة. "هم لا يزالون هنا تحت الارض او يختبئون ولم نعثر بعد على بعضهم. وسيحاولون الخروج للاختطاف كي يسجلوا لانفسهم انجازا ما".

        قائد اللواء لا يأخذ مخاطرات. يريد أن يحرص على أن تمر هذه الليلة ايضا، مثل باقي الليالي في الحي دون مفاجآت زائدة. ومع ان جنوده نجحوا في ان يهزموا حماس دون مقاومة ويسيطروا على منطقة محصنة جيدا، ولكنه الان يريد الا تتحول المنطقة الى شرك تحته.

        المجنزرة التي نسافر فيها تتوقف في ساحة كراج. تتراجع الى الوراء، وتكاد تصطدم بحائط او للدقة، ثقب في الحائط. ومن خلف المجنزرة نحن ندخل الثقب. هذا هو طريق السير هنا في الحي. من أجل السيطرة على المنطقة، يتحرك المقاتلون عبر ثغرات اقاموها في جدران ساحات البيوت، خشية أن يكتشفهم القناصة.

        قائد اللواء، الذي يوجد في تقويم وضع قيادي، يأمر بوقف النار في الساعة الواحدة ظهرا ووقف تقدم القوات. وعلى مدى ثلاث ساعات يسمح الجنود لسكان الحي بالمرور في "الرواق الانساني" كي يتزودوا بالمواد الغذائية.

        وبعد ذلك يصل احد قادة السرايا منفعلا. ويروي بان القوات اكتشفت نفقا مليئا بالبراميل. فيهدىء الرفاق من حماسته ويقولون له ان هذا النفق سبق أن عثرنا عليه. قائد كتيبة سبار ينطلق لرؤية هذا النفق بنفسه كي يقرر ماذا يفعل به.

        الطريق الى الحقل الذي اكتشف فيه النفق حديث العهد نقطعه سيرا على الاقدام في البداية. ولكن المقطع الاخير أخذ يبدو خطيرا. والنفق مبني تحت الارض وبجوانب اسمنتية. كل المؤشرات تدل على أن فيه عبوات ناسفة، والحركة فيه خطرة.

        قائد الكتيبة، المقدم اورن زيني ينظر الى داخل النفق ويفحص الى أين يؤدي. ويلاحظ بيتا عاليا على مسافة نحو 300 متر. فيقول: "يا الله، هذا النفق يؤدي مباشرة الى هذا البيت ويبدو أن مخرجه يوجد هناك. كدت اقرر الدخول الى هذا البيت والمكوث فيه بضع ساعات ولكن لحظي رأيت انه مفخخا وقررت التخلي. الان أنا أفهم اننا لو أخذنا منه مأوى لكلفنا هذا ثمنا باهظا".

        في البيت الذي نتمركز فيه تظهر بواقي وجبة تركت على عجل. اصحاب البيت ليسوا الوحيدين، واكثر من الف من سكان الحي فروا بسبب المناشير والتحذيرات التي نشرها الجيش الاسرائيلي. رجال حماس فوجئوا من السيطرة. ليس الطعام وحده هو الذي ترك بل والعبوات والالغام التي بقيت ظاهرة للعيان.

        السرية التنفيذية للكتيبة تتمركز في احدى ساحات المباني. في غرفة الدرج لاحد المباني نرى عائلة: جد وجدة، بعض الاباء والامهات الشبان، اطفال صغار ورضع. يجلسون على بساط، ويغطون ارجلهم بالبطانيات، وجنديان يحرسانهم.

        "ما أنتم؟"، أسأل. "لا شيء"، يجيبني ضابط شعبة العمليات في اللواء. "هم احرار في أن يذهبوا اينما شاءوا ولكنهم لا يريدون. ابلغونا بانهم سيبقون في البيت ولم يتركوا لنا بديلا غير قبول هذا". سيماء وجوه العائلة تتغير في اللحظة التي يرون فيها الكاميرات. فيقولون بالعربية: "لا طعام لدينا". أحد الشبان ينهض ويقترح ان يجري لقاءا معه بالانجليزية عن أزمتهم.

        ولكن من المهم للجنود الا يعتبروا كمن ينكلون بالمدنيين غير المشاركين. الضابط يشير الى كومة من علب الطعام المحفوظ، زجاجات المياه وحاجيات مرتبة بجانب المدنيين. فيقول: بعض من هذا حصلوا عليه منا. اضافة الى أنهم يعدون الطعام بانفسهم ويأكلون بشكل لا بأس به. يبدو أن الفلسطينيين فهموا ما قاله فابتسم احدهم. هكذا هو الحال في الحرب، يحاولون.

        في احدى اماكن البيت يستلقي قناص ينظر عبر ثقب في الجدار. هذه الثقوب ستبقى في القطاع لزمن طويل بعد أن يخرج الجيش الاسرائيلي من غزة.

        عدد  معتمري القبعات الدينية في القوة كبير على نحو خاص. جنود السرية وقائد الكتيبة يصلون، قبل لحظة من خروجهم لفحص نفق جرى اكتشافه. "مقدس، مقدس، مقدس" يقول احد الجنود. فيرد قائد الكتيبة وقادة السرايا والجنود "مقدس، مقدس، مقدس".

        احد الضباط يروي لنا بان تأييد الجبهة الداخلية، ولا سيما تأييد العلمانيين التل أبيبيين هو عنصر هام للغاية. الجنود يفتخرون جدا بما حققوه ويدعون بان الدخول البري كان هاما لهم جدا. كثيرون منهم خشوا ألا يدخل الجيش الاسرائيلي واعتقدوا بانه بدون دخول بري، لن يكون ممكنا تحقيق الهدوء في الجنوب. "فضلا عن ذلك، مللنا ان نسمع بان المواطنين الاسرائيليين يتلقون الضربات كل الوقت ونحن لا نرد"، يقول جندي من سكان هضبة الجولان وهو يداعب كلبا كان معه.

 الكلاب ومسؤولوهم في وحدة عوكتس هم جزء لا يتجزأ من القوة. الى جانبنا يتحرك هؤلاء الكلاب وفي اقدامهم احذية خاصة اعدت لهم كي لا يصابوا بالزجاج المتحطم وباغراض حادة من المعادن المتناثرة.

في اثناء الحملة تطرح ايضا مسائل انسانية. يوم الاثنين من هذا الاسبوع كان هناك اخطار بنية امرأتين الانتحار على جنود اللواء. جنود كتيبة الدورية لاحظوا امرأة حاولت الاقتراب منهم وتجاهلت نداءاتهم فاطلقت النار عليها بعد أن اظهرت كل المؤشرات بان على جسدها حزام ناسف.

ممرضان يرويان لي كيف استدعاهما فلسطينيون لمعالجة امرأة شابة حامل ورجلا اصيب في القصف. وقال احد الممرضين بافتخار "أنقذنا حياتهما".

قبل لحظة من مغادرتنا المكان سألت قائد اللواء: كم من الوقت ستبقون هنا؟ كم من الوقت سنبقى في القطاع؟ ويدعي قائد اللواء، خليفة، بان هذا سيكون قدر ما يحتاج الامر. ويقول: "انا حقا لا ادري. ولكني مستعد لان ابقى هنا حتى لاسابيع واشهر. اصدرت تعليماتي للجنود كي يرتاحوا وليكون لديهم القوة للاستمرار".

رغم أنه كان يسود الظلام رأيت أنه يحاول الابقاء على تعبير سليم على الوجه. في تلك اللحظة كان قادة كتائبه يمسكون بالخرائط وبصورة منطقة اخرى في محيط مدينة غزة.