خبر جولة واحدة اخرى وكفى / هآرتس

الساعة 09:25 ص|08 يناير 2009

بقلم: جدعون ليفي

مختص في حقوق الانسان

        (المضمون: اسرائيل تتصرف كالمقامر المنتشي الذي لا يتوقف ابدا وتغريه المزيد فالمزيد من الجولات ظنا منه أنه سيخرج رابحا - المصدر).

        هذا الاحساس المسكر والباعث على النشوة يعرفه كل مقامر: جولة واحدة اخرى وكفى. نلقي بفيشة اخرى، ندور مرة اخرى صحن اليانصيب، وهُب نخرج رابحين، بل ورابحين جدا. في الوقت الذي تحدثوا فيه أمس عن موافقة اسرائيلية متبلورة على الخطة المصرية والفرنسية على وقف النار، القت طائرات سلاح الجو مناشير في رفح دعت فيها اسرائيل "الانسانية" السكان الى اخلاء منازلهم قبل القصف، قصف آخر.

        الاخلاء الى اين؟ سأل وكأنه ببراءة احد مقدمي البرامج التلفزيونية وبقي سؤاله معلقا في الهواء. "التحرك شمالا" تعلثم المحلل الذي يعرف كل شيء، يعرف ايضا بانهم اذا ما اخلوا "شمالا" تكون حياتهم البائسة معلقة بشعرة، في قطعة الارض التي لا يوجد فيها الان مكانا آمنا واحدا للجوء. ينبغي الانتباه ايضا الى اسم احد "المقاطع" مثلما يدعوه جهاز الامن، المخصصة لخطة الاخلاء – قصف: مخيم يفنه. السكان في هذا المخيم، زرته غير مرة، لعله الاكثر بؤسا بين كل المخيمات، ممن سبق لهم أن اخلوا في حياتهم دون ان يعودوا من بلدة يفنه، هي ذاتها مدينة الوزير مئير شطريت الذي قال امس انه اذا اوقفنا النار دون اتفاق "سنخرج أغبياء".

        اغبياء أم لا، امس احتفل في غزة بفترة قصيرة بناء على أمر "نشيطة السلام"، وزيرة الخارجية الامريكية: ثلاث ساعات من وقف النار "الانساني" في ساعات الراحة الدارجة، بين الواحدة والرابعة بعد الظهر. الصور من غزة في تلك الساعات كانت منعشة للقلب: في الوقت الذي وقف مئات من النساء والرجال اليائسين في الطابور على مدى كل ساعات التهدئة القصيرة هذه في بوابة حفنة من المخابز التي فتحت للحظة كي يحصلوا على الخبز لاطفالهم، وصل الى المستشفيات جرحى حي الزيتون وجثثهم.

        لا، لم يصابوا امس، ولا حتى أول أمس، اصيبوا قبل اربعة ايام ومنذئذ بقوا ينزفون في بيوتهم وساحاتهم، يتعذبون لالامهم دون أن يكون ممكنا اخلاؤهم او تقديم المساعدة الطبية لهم. وعلى أي حال قتل حتى الان 21 من رجال الطواقم الطبية في هذه الحرب، خلافا لكل ميثاق دولي ولكن للزيتون حتى الشجعان بينهم لم يكن بوسعهم ان يقتربوا .

        في الوقت الذي كان فيه رجال الدعاية الوطنية الجديد عندنا، داني غيلرمان، بربطة عنقه الملونة على عادته وسخيف على نحو خاص في حججه، شرح من على كل شاشة ممكنة بان حماس مذنبة في قتل الاطفال – من بين 686 قتلى فلسطينيين حتى المساء، كانت 217 منهم اطفال، حسب قناة "الجزيرة" بالانجليزية – وقف أب ثاكل في مدخل مستشفى الشفاء وصرخ بعبرية عامل سابق: "كل هذا من اجل الانتخابات؟"، وهو يشير الى جثتين صغيرتين يخترقهما الرصاص.

        وهي تقفز على البندين، ترددت امس قيادتنا اذا كانت ستدير عجلة اليانصيب في جولة مظفرة واحدة اخرى فتعمق وتضرب وتتقدم نحو المعروف – المزيد فالمزيد من الضحايا العابثة – أم توقف النار وتنهي الحرب التي كانت ربما الاكثر وحشية وزائدة في تاريخ اسرائيل.