استهداف الإنسان!... عامر خليل

الساعة 12:10 م|05 سبتمبر 2018

فلسطين اليوم

لا يمكن فصل تشريع قانون الدولة اليهودية المسمى بقانون القومية اليهودية عن المواقف الأمريكية الأخيرة المتعلقة بالقدس واللاجئين فإسرائيل استمدت التشجيع قبل هذه المواقف أو بعدها وهو ما ينم عن التماهي الأمريكي الإسرائيلي غير المسبوق لإلغاء القضية الفلسطينية وتصفيتها وما يوحي به قول ترامب إنه أزال القدس عن الطاولة  ثم الإعلان عن إلغاء مكانة اللاجئ الفلسطيني وخفض عددهم من ستة ملايين إلى نصف مليون وقد كشف نتنياهو أنه تحدث قبل هذا الموقف إلى الرئيس الأمريكي ترامب ما يدلل على التنسيق الكامل بين تل أبيب واشنطن.

قانون القومية اليهودي في مفهومه الأساسي يعني إلغاء وشطب كل القوميات الأخرى في فلسطين المحتلة وترسيخ التمييز بينها وسلب حقوقها الإنسانية والسياسية وبذلك فإن الفلسطينيين لا مكان لهم في وطنهم ما يشرع الطريق أمام خطط التهجير أو التوطين، والقانون بهذا المفهوم كان حبيس الأدراج منذ عدة سنوات ولم يخرج للتشريع إلا بعد إعلان إدارة ترامب مواقفها العدائية من الحقوق الفلسطينية ولذلك فإن الموقف الإسرائيلي المتمثل في قانون القومية يتماثل مع الموقف الأمريكي بإلغاء حق العودة عبر إلغاء «الاونروا» وتغيير مكانة اللاجئ تمهيدا لتوطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يدفع إسرائيل لمزيد من استصدار القوانين في هذا الاتجاه ومنها تشريع قانون يبيح تسوية الاستيلاء على الأراضي الخاصة الفلسطينية لشرعنة البؤر المقامة عليها وهو شكل من التهجير المتصاعد الذي تنتهجه حكومة نتنياهو لطرد الناس من أراضيهم والتضييق عليهم فيما يسمى التهجير القسري، وقد تضمن قانون القومية بندا واضحا بتشجيع الاستيطان اليهودي وبناء بلدات يهودية وآخر جعل القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وينعكس كل ذلك في العطاءات الاستيطانية الواسعة للبناء في القدس والضفة المحتلين والتغول القائم في القدس المحتلة ضد كل ما هو فلسطيني وتشريع اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والصلاة فيه برفع دعوى في العليا الإسرائيلية بهذا المعنى.

مرتكزات القضية الفلسطينية هي الأرض والإنسان وإسرائيل احتلت الأرض بقوتها العسكرية ولكنها لم تستطع ان تحتل الإنسان الذي يقاوم منذ أكثر من مئة عام ويرفض التسليم بالاحتلال والتنازل عن الحقوق وهو بذلك شكل وما زال عقبة كداء أمام التسليم بالمشروع الصهيوني وإضفاء الشرعية على تمدده، والفلسطيني بهذا الشكل تحول إلى عامل تحد في مواجهة هذا المشروع بل بات معلما أساسيا في استمرار جذوة الصراع والذي يتصدى لمحاولات محو الهوية والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية عبر تمسكه بأسماء القرى والبلدات التي هجر منها أجداده وآباؤه وتصديه لمحاولات السيطرة على أرضه والاشتباك الحاصل معه في كل ركن من الضفة المحتلة وقطاع غزة والاقتحامات والتوغلات والاعتقالات الليلية وتصدي المقاومة في غزة للاعتداءات يدلل على ذلك بوضوح.

في ضوء ذلك بات استهداف الإنسان الفلسطيني وهو رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين مشرعا لقتل روحه وفرض التنازل عن حقوقه وهو ما تنبىء به الضغوط المتصاعدة على هذا الإنسان في الشهور الأخيرة فهو يحارب في لقمة طعامه وشرابه، وقد انتهى الأمر إلى موظفي وكالة الغوث بعد موظفي السلطة في غزة وتقليص رواتبهم أو صرف نسب لا تتجاوز النصف لهم وحصار خانق أقعد الكثير من العاملين في الشركات والمصانع التي أغلقت أبوابها ثم جاء وقف المساعدات الأمريكية الذي أثر بشكل واضح على الجمعيات الأهلية وشل ما تبقى من فعالية اقتصادية لبعض المشاريع التي تدعمها وبذلك فإن الإنسان يحاصر بشكل غير مسبوق بحيث أضحى يبحث عن لقمة العيش لتأتي المشاريع السياسية كحبل إنقاذ له وهي تحمل في طياتها إلغاء وتقزيما للحقوق التي يتمسك بها الفلسطيني ويرفص التنازل عنها فما يحدث له ليس بريئا ويأتي ضمن مخطط يستهدف جوهر القضية الفلسطينية.

تتكامل المواقف الأمريكية الإسرائيلية في محاولة شطب القضية الفلسطينية بالتغول المتصاعد سياسيا وعلى الأرض عبر القوانين العنصرية ومشاريع الاستيطان والاعتقالات الغير متوقفة ومن هنا فإن قانون القومية وإلغاء «الأونروا» ومن قبله الاعتراف بالقدس ونقل السفارة الأمريكية إليها تسير في سياق محاولة واضحة لإنهاء الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بشكل متدرج وتستمد تل أبيب وواشنطن القوة لمواصلة هذا النهج التصفوي من موقف عربي صامت أو قابل بصمت بما يطرح أمريكيا وإسرائيليا بجانب حالة الانقسام الفلسطينية والاستفراد الإسرائيلي بالضفة المحتلة وحصار غزة وهو ما ترى فيه إسرائيل وأمريكا كنزا استراتيجيا لفرض مخطط التصفية ودون موقف فلسطيني مغاير فإن الخطر المحدق سيكون قابلا للخروج إلى حيز الفعل خلال المرحلة المقبلة.

كلمات دلالية