خبر الاحتمالات بازاء المخاطرات / هارتس

الساعة 09:02 ص|07 يناير 2009

بقلم: عاموس هرئيل وافي يسسخروف

        (المضمون: العنف الذي يظهره الجيش الاسرائيلي والتدمير الكبير نتاج رأي المجلس الامني المصغر الذي اتخذ اتخاذا محسوبا - المصدر).

        ان الحادثة التي قتل فيها امس نحو من اربعين مدنيا فلسطينيا بنار الجيش الاسرائيلي في مدرسة وكالة الغوث في مخيم جباليا، لم تستقبل حتى بشيء قليل من المفاجئة عند من يتتبع ما يحدث في القطاع في الايام الاخيرة. فالجيش الاسرائيلي، كما يشهد ضباط كبار دخل القطاع مع استعمال قوة نار ضخمة. "نحن نرى الحذر عنفا"، قال امس قائد احدى القوات العاملة في الميدان. "فرض علينا الطرف الثاني الحرب ومنذ اللحظة التي دخلنا فيها نعمل كما في حرب. يحدث هذا ضررا كبيرا جدا بالمنطقة. سيحتاج الى سنين كثيرة لاصلاح ما خلفناه ها هنا من الدمار. اؤمل فقط ان يتحدث من هربوا من المنطقة التي عملنا فيها الى داخل مدينة غزة عن الصدمة. فربما يتنبه احد ما هنالك قبل ان يستمر هذا".

        ان ما لا يقوله ضابط الميدان بصراحة هو ان الحديث عن سياسة محسوبة اتخذت بقرار موزون. فالجيش بعد صدمة لبنان 2006 يدرك انه يصعب على الجمهور (ربما اكثر منه على القيادة السياسية) ان يستوعب سقوط جنود وان تضيق خسائر كثيرة مجال مناورته لاحراز اهدافه. يستعمل التوجه العنيف لتوفير حياة الجنود. في الظروف التي يعمل فيها القادة في الميدان، لا يوجد اي سبب لاتهامهم لا بالسياسة ولا بنتائجها. فالمجلس الامني المصغر الذي قرر في يوم الجمعة الاخير الدخول البري في القطاع اخذ هذا بعين الاعتبار ايضا. اذا كان الوزراء مرتاحين لقرارهم فلا سبب ليغيروا الان رأيهم. لا من اجل الجنود الستة الذين قتلوا في العملية منذ يوم الاحد ولا من اجل القتلى الفلسطينيين ايضا. فقد كانت هذه نتائج معلومة مقدما لاستقرار الرأي على تأييد القتال داخل غزة.

        السؤال الثاني الذي ثار امس هو هل يفضي قتل المواطنين الجماعي في ظروف تذكر بكارثة قانا الاولى (عملية "عناقيد الغضب" في 1996) والثانية (في الحرب الاخيرة) الى وقف اطلاق النار. والجواب انه ليس ذلك بالضرورة ولا من الفور. فقتل المواطنين يقصر الحرب لانه يثير الرأي العام العالمي، لكن من هنا حتى وقف اطلاق النار قد تكون الطريق طويلة. يميلون الى نسيان ان القتال تجدد اسبوعين اخرين بعد كارثة قانا الثانية ووقف اطلاق النار الذي فرضته الولايات المتحدة لثمان واربعين ساعة.

 

 

        العالم يرد بعدم اكتراث

        حتى الحادثة في جباليا استقبل المواطنون القتلى في غزة بسكون نفس في الساحة الدولية تقريبا. فأول من امس فقط قتل 31 من ابناء عائلة السموني من حي الزيتون باصابة قذيفة اسرائيلية. ما يزال اربعة من ابناء العائلة مفقودين ويبدو انهم مدفونين تحت انقاض بيتهم. وفي ذلك اليوم قتل ثلاثة عشر من ابناء عائلة الداية بقصف اسرائيلي ويعتبر ثمانية اخرون مفقودين. عرض هذه الاحداث في الاعلام الاجنبي محدود نسبيا.

        توجد اسباب اخرى للجمود السياسي تضاف الى عدم الاكتراث الدولي. فالمبادرة الفرنسية والاقتراح المصري لوقف اطلاق النار اكثر ملائمة لموقف اسرائيل من مطالب حماس. تبدو مسألة تهريب السلاح الان على انها النقطة الحاسمة التي تعوق الان صوغ الاتفاق. ففرنسا تطلب ان تشتمل التسوية على اقامة قوة دولية تحبط تهريب السلاح. ومن وراء الستار تجري اسرائيل اتصالات كثيفة بالولايات المتحدة قصدا الى التوصل الى تسوية يقبلها المصريون وتفرض على حماس اخر الامر ايضا. قال متحدث وزارة الخارجية الامريكية، شون ماكورمك امس "من المحقق اننا نريد وقف اطلاق النار من الفور لكن ان يكون ثابتا ذا بقاء طويلا". في الاتصالات تثار مرة اخرى اقتراحات تقنية بعيدة المدى، وفيها تجنيد سلاح هندسة جيش الولايات المتحدة لتفجير محور "صلاح الدين" كله في رفح.

        يستطيع نائب رئيس هيئة الاركان، اللواء دان هارئيل ان يبتسم فقط. فعندما اقترح هارئيل الذي كان انذاك قائد المنطقة الجنوبية، عشية الانفصال حفر قناة كبيرة على امتداد المحور وصفت الفكرة انها داحضة غير قابلة للتطبيق. والنهاية معلومة فقد انسحبت اسرائيل من محور صلاح الدين بلا اي تسوية امنية وتحت المحور تم توسيع صناعة الانفاق لتصبح طريقا كبيرا مرت منه صواريخ الكاتيوشا التي تطلق الان على بئر السبع واسدود وجديرة.

 

        معضلة اخرى للمجلس الامني المصغر

        قد تفضي صعوبات التفاوض السياسي الى تصعيد القتال مرة اخرى. في مفرقي الحرب الرئيسين، الى الان، استقر رأي المجلس الامني المصغر على تأييد الامكان الهجومي. في 24 كانون الاول اجيز الهجوم الجوي الكثيف على حماس وفي 2 كانون الثاني العملية البرية. في الايام القريبة سيحتاج الى قرار على المرحلة الثالثة: هل توسع العملية، ويدخل في القطاع افراد قوات الاحتياط ايضا الذين يتدربون الان في تسليم ويقامر على هجوم بجميع الوسائل على حماس، او يكتفى بحل سياسي من الفور لكنه جزئي يأتي على اثره انسحاب سريع؟ كالعادة هذا سؤال احتمالات بازاء مخاطرات: وهو احتمال ان تحسن جباية ثمن اخر من حماس شروط التهدئة الجديدة تحسينا كبيرا، واي مخاطرة تصحب عملية هجومية اكبر، بحياة الجنود؟.

        ان الجيش الاسرائيلي، العارف جدا بالأرجوحة التي تميز نظر الرأي العام الى القتال والخسائر، يدير الان ايضا معركة دعائية. فالموجة المفتوحة اول من امس، التي سمح فيها لمراسلي التلفاز ان يلمحوا فقط الى الخسائر لاطلاق الدبابة النار في الشجاعية ذكر بالايام الصعبة من الحرب في لبنان. ان حقيقة ان الخسائر الاسرائيلية ضئيلة الى الان لا تقلل من الضجة الاعلامية. فأمس ارسل الجيش الى المعركة العقيد أفي بيلد قائد لواء جولاني الذي جرح جرحا طفيفا في الحادثة. وقف بيلد وهو ما يزال مع طنين في اذنيه للقصف اول من امس، بازاء بطارية عدسات التصوير، واعلن انه هو وجنوده مصممون على اكمال المهمة وعاد الى القطاع من الفور.