هل غزّة على أعتاب مواجهة شاملة؟

الساعة 08:38 م|17 يوليو 2018

فلسطين اليوم

مع كلِ موجةِ تصدٍّ للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة من قِبَل المقاومة الفلسطينية، يطفو على السطحِ تساؤل: هل غزّة على أعتابِ مواجهةٍ شاملةٍ؟ يأتي السؤال مُتزامِناً مع ذكرى عدوانيّ تموز/ يوليو على لبنان صيف 2006، وغزّة صيف 2014.

لم يعدْ اعتبار خوض أيّ عدوان على المقاومةِ سواءً كان محدوداً أو شاملاً يخضع للعدو الإسرائيلي، فمع تطوّر قُدرات المقاومة في لبنان وفي قطاع غزّة أصبح قرار العدوان أكثر تعقيداً، ولم يعدْ الاحتلال قادِراً على القضاءِ على المقاومةِ أو حتى ردعها، بل سجّلت جلّ المواجهات السابقة قُدرة المقاومة على إيلامِ العدو، بعد أن نجحت في نقلِ المعركةِ إلى عمقِ الأراضي المحتلة عام 48. 

المُعطيات الميدانية والحال السياسية لا تشير إلى أيةِ مواجهةٍ واسعةٍ خلال المرحلة الراهِنة، بالرغم من تصاعُد نبرة تهديدات العدو وتزايد فعل المقاومة الشعبية بالطائرات الورقية، وارتفاع وتيرة المُزايدة داخل الحلَبة السياسية الإسرائيلية بين الحكومة والمعارضة، واتّخاذ قرار التضييق على المعابر، إلا أن هذه البيئة لا تضع خيار العدوان الشامل على الطاولة. 

بات الخلافُ واضحاً بين مؤسّسةِ الجيشِ وحكومةِ العدو في تبنّي سياسة مُشتركة تجاه غزّة، فبعض المستويات السياسية ترفع نبرة التهديد والوعيد ضد القطاع، وتُطالب بالردِّ على إطلاقِ البالوناتِ الحارقةِ عبر اغتيال القائمين عليها من الشبّان الفلسطينيين، أو الدخول في مواجهةٍ واسعةٍ ضد قطاع غزّة. 

بيْدَ أن المستويات الأمنية والعسكرية تُدرك بأن غياب الرؤية المنظمّة والسياسة الواضحة تجاه غزّة، وأن أية حلول عسكرية في المرحلة الراهِنة لن تُجدي نفعاً، ولن تُحقّق الأهداف المطلوبة بردعِ المقاومةِ ووقفِ مسيراتِ العودة، وقد قدّمت المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية العديد من الرؤى والحلول لتجنّبِ التصعيد والمواجهة في قطاعِ غزّة والتفرّغ للجبهة الشمالية، عبر طرحِ حلولٍ مُتعلّقة بالوضعِ الإنساني. 

لكن يبدو أن المستوى السياسي الإسرائيلي يُقدّم مصالحه الانتخابية الحزبية على تبنّي حلولٍ تجاه قطاع غزّة، وتستغلّ الأطراف الإسرائيلية المُعارِضة التصريحات السابقة لأركانِ الحكومةِ كوزيرِ الحربِ ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا الذي هدَّد فوْرَ وصوله إلى الحكومة القضاء على حكومة حماس واغتيال رئيس مكتبها السياسي بعد 48 ساعة. 

قد يكون غياب الأهداف السياسية لأيّ عدوانٍ شامِلٍ على القطاع هو أحد كوابِح الاحتلال، إلا أن تزايُد التهديدات على الجبهةِ الشماليةِ، وسَعي العدو لفرضِ واقعٍ مُغايرٍ في جبهةِ الجولان عبر إبعاد مفاعيل المقاومة إلى 80 كيلومتراً، عامل لا يقلّ أهميةً عن غيابِ الهدفِ السياسي والرؤيةِ الواضحةِ. 

ثمّة مُعادلة مُعقّدة في الصراعِ على الجبهةِ الشماليةِ، فإسرائيل لن تقبل بوجودٍ عسكري للمقاومةِ في الجولان، والمقاومة وحلفاؤها مستعدون لتحمّل الضربات الإسرائيلية التكتيكية من أجلِ مشروعها الاستراتيجي بالتواجد العسكري في سوريا، كما أن إيران لم تتلق أية ضربة موجِعة تُجبرها على التراجُع، بل إنها تحقّق مكاسبَ ميدانية في المنطقة، وإسرائيل مُستعدّة لدفعِ الثمنِ بمواجهةٍ واسعةٍ مع المقاومة وحلفائها على جبهةِ الشمال. 

مع استبعادِ سيناريو المواجهة الشاملة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي خلال المرحلة الراهِنة، إلا أن جولات التصعيد ستظلّ حاضرة بين الفينة والأخرى، فالعدو يرى بأنه يُحقّق مكاسب نوعيّة عبر استهداف مقدّرات المقاومة ما يُضعِف قُدراتها في أيةِ مواجهةٍ مقبلةٍ من دون تكلفة بشرية، والمقاومة تُرسل رسائل للعدو بأنها جاهزة للتصدّي لأيّ عدوانٍ جديدٍ، ولن تستسلم لمُعادلة الاحتلال، وسيبقى التصعيد المحدود هو السيناريو الأكثر واقعية طالما لم يطرأ أيّ تطوّر أو حدَث ميداني دراماتيكيي يخلّ بالمُعادلة القائمة.

كلمات دلالية