"الخان الأحمر" وجدوى الاحتجاجات الدولية

الساعة 09:55 ص|09 يوليو 2018

فلسطين اليوم

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

على خلفية احتجاج خمس دول أوروبية على توجه إسرائيل لتدمير "الخان الأحمر"، القرية البدوية في منطقة "معاليه أدوميم"، ونقل الـ 32 عائلة التي تقطنه إلى منطقة أبو ديس؛ أصدرت قاضية العليا عنات برون (5 يوليو) أمرًا بتجميد الإخلاء والهدم، على الدولة ان ترد على شكوى المواطنين حتى الأسبوع القادم. يُحتمل أن الاهتمام الدولي بالقرية الصغيرة والاهتمام الإعلامي في أعقاب احتجاجات الدول الخمس (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا وإسبانيا) هي التي وفرت لسكان القرية ريحًا داعمة وتشجيعًا على استئناف آخر في العليا، بعد رفضها ذلك مرة تلو الأخرى.

منذ العام 2009 اشتكى سكان "الخان الأحمر" مرات كثيرة إلى العليا، في محاولة لمنع هدم قريتهم وإجبار الدولة على الموافقة على مسودة متوافق عليها لتنظيم بلدتهم، وقبل حوالي شهر ونصف لا أكثر (24 مايو) رفضت العليا (ذات المحكمة التي جمّدت الإخلاء والهدم الآن) استئنافًا آخر تقدم به المواطنون ومنحت الدولة الضوء الأخضر لطرد المواطنين من منازلهم وتطبيق أوامر الهدم. قضاة العليا قرروا حينها أن ليس هناك سبب قانوني للتدخل في قرار وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن في صيف 2017 أن وزارته تستعد لهدم القريتيْن "سوسيا" و"الخان الأحمر" الموجودتين في المناطق (C).

"الخان الأحمر" تقطنه 32 عائلة من القبيلة البدوية "الجهالين"، حوالي 170 مواطن. في العام 1952 أخلي هؤلاء عن أرضهم بالقرب من "تل عراد" في النقب بعد أن أعلنت الدولة أنها منطقة إطلاق نار، تجولوا وصولًا إلى جبال القدس، لكن وبعد حرب الأيام الستة وإقامة "كفار ادوميم" والمنطقة الصناعية "ميشور ادوميم" على أرضهم؛ وجدوا أنفسهم مسجونين ومغلقين على أنفسهم، تقع قريتهم الآن بين خطي طريق القدس - أريحا الصاخب، الذي يشقها نصفين.

على مدار سنوات، لم ترخص الإدارة المدنية لسكان القرية لإقامة الأبنية، ولا حتى مدرسة، فلم يكن هناك بد من إقامتها دون الحصول على تراخيص؛ وهذا أيضًا هو سبب أوامر الهدم التي استصدرتها الإدارة. حسب الاستطلاع الذي نشرته منظمة "بتسيلم" عام 2006 وحتى نهاية مايو 2018، فقد هُدم في أنحاء القرية 26 مبنى سكنيًا، 132 شخص ظلوا بلا مأوى، من بينهم 77 طفل ومراهق. مدرسة لأطفال القرية بنتها جمعية إيطالية (di Terra Vento) بتقنية البناء بالطين والإطارات بتمويل من إيطاليا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي.

بعد حكم العليا في مايو الماضي، بدأت الإدارة المدنية القيام باستعدادات عاجلة للهدم. كل ما تبقى لمنظمات حقوق الإنسان هو أن تحاول إثارة الرأي العام في إسرائيل للاحتجاج على الظلم الذي وقع على السكان، حتى ان منظمة "بتسيلم" أقامت مقرًا بحجة ان هدم منازل القرية يعارض القانون الدولي ويعتبر جريمة حرب.

لكن الاحتجاجات والشكاوى القضائية الكثيرة لم تُجدِ، ففي الرابع من يوليو حضر إلى طريق القدس - أريحا رجال الإدارة المدنية، وبرفقتهم رجال الشرطة وآليات ثقيلة، وشرعوا بتفكيك قسم من السور الفاصل بين المنازل والطريق، وشرعوا بشق طريق للوصول إلى القرية لكي يكون بإمكانهم دفع القوات لتنفيذ الإخلاء والهدم بسهولة. بعد أن بدى أن جميع نشاطات الاحتجاج باءت بالفشل، وأنه لن يكون من الممكن وقف الهدم؛ اتخذت الخطوة الأخيرة، والتي تعتبر الخاصرة الرخوة لجميع منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل: خلق ضغط دولي على إسرائيل، بهدف إنقاذ البلدة من الهدم والسكان من الإجلاء.

الحجة المركزية في إسرائيل ضد نشاطات منظمات حقوق الإنسان هي أنها تجنّد الدول الأجنبية، وسيما الأوروبية التي تعتبر موالية للفلسطينيين، لكي تمارس الضغط والعقوبات على إسرائيل. نشاطات من هذا القبيل تثير غضبًا كبيرًا، ليس فقط في أوساط اليمين، الذي يرى في منظمات حقوق الإنسان "مبغضي إسرائيل"، والتي تخرج إسرائيل افتراءً إلى العالم على أنها سيئة.

في الماضي، اكتشف أن مدير عام وزارة الخارجية ألون ليال قال لممثلي منظمة "كسر الصمت" أن "العقوبات التي فرضت على جنوب افريقيا جاءت في اللحظة التي فهم فيها الرأي العام أنه في جنوب افريقيا الأسود هو الأبيض، وأن الأبيض هو الأسود. أنتم رأس الحربة الذي يقول للعالم ان الاحتلال لا يُطاق لا من قبلنا ولا من قبلهم"، هذه الأقوال أثارت حينها عاصفة وأثبتت معضلة هذه المنظمات في إسرائيل، التي تعتقد بأن الرأي العام في إسرائيل أصبح مُهملًا في السنوات الأخيرة لخرق حقوق الإنسان في المناطق المحتلة، وان الوضع الحالي مع حكومة يمين قوية لن يكون من الممكن القيام بالتغيير.

في السنوات الأخيرة، تقدم أعضاء كنيست من اليمين بسلسلة من القوانين التي أعدت لتقييد نشاطات منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل والمساس بالمنح المتدفقة إليها من حكومات أجنبية أو منظمات أجنبية، على سبيل المثال: قانون تمويل الجمعيات، وقانون الشفافية الذي بادرت إليه وزيرة العدل ايليت شاكيد.

حدث "الخان الأحمر" يثبت ان منظمات حقوق الإنسان صادقة، "المساعدات الخارجية" هي على ما يبدو الطريقة الوحيدة التي بقيت لديهم من أجل القيام بالتغيير. منذ العام 2009 يخوض سكان القرية معارك شعبية وقانونية، لكن التهديد بالهدم والطرد لم ينتهِ، في اليوم الذي هددت فيه خمس دول أوروبية إسرائيل بالاستنكار وبفرض العقوبات توقف كل شيء؛ حتى العليا غيّرت قرارها.