عندما يُقتل الأملُ ويُغتال الحُلمُ.. يُهاجر الشباب.. د. وليد القططي

الساعة 12:10 م|01 يوليو 2018

فلسطين اليوم

لطالما تمنينا أن يُفتح معبر رفح بطريقة متواصلة يومية دون إغلاق، وكثيراً ما رجونا أن يُسافر الناس من وإلى قطاع غزة بطريقة حُرة كريمة دون قيود أسوةً بكل البشر وكحق طبيعي للإنسان... وها هو المعبر منذ بداية شهر رمضان المبارك مفتوح بطريقة متواصلة حتى عيد الأضحى وفق إعلان الحكومة المصرية مشكورة رغم استمرار القيود على معايير السفر ومواصفات المسافرين والتكلفة الباهظة للسفر التي تجعل هذا الحق منقوصاً لعدم قدرة الفقراء على السفر... ولكن فتح معبر رفح خفّف بلا شك من قسوة الحصار وخفّض من ضغط الحياة ونفس من احتقان الغضب؛ ولكنه إلى جانب ذلك سمح بالهجرة من غزة ولاسيما هجرة الشباب وخاصة من ذوي الكفاءات والشهادات، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة توّثق ظاهرة الهجرة من غزة إلا أنها موجودة بقوة ومُلاحظة بوضوح فيكفي أن يُحصي كل واحد منا من هاجر من جيرانه وأقاربه ومعارفه ليكتشف حجم هذه الظاهرة الخطيرة التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تفريغ الوطن من قواه الحية والمنتجة والمبدعة التي تتجسّد في الشباب والشابات.

عندما اقتتل إخوة الوطن ورفاق النضال وشركاء السلطة قبل أكثر من عقدٍ من الزمان كان شباب وشابات اليوم أطفالاً لم يدركوا بعد حقيقة ما رأت أعيُنهم من سفكٍ للدماء وإزهاقٍ للأرواح وتقطيعٍ للأطراف، ولم يعِ عقلهم  الواعي أبعاد ما حدث فاستقر في عقلهم الباطن كغيره من المشاهد المؤلمة المستبعدة؛ لتبقى أحد المؤثرات السلبية في ذواتهم وسلوكهم. ولم يحتمل إحساسهم المرهف قسوة الصور فدفنها في عمق اللاشعور كغيرها من المشاعر الموجعة المكبوتة لتظل عاملاً كامناً سلبياً في شخصياتهم... ولكنهم الآن بعد عقدٍ ونيّف من الزمان بلغوا مبلغ الشباب وطحنتهم الحياة في رحاها وعركتهم الأحداث في معمعتها وعاشوا تبعات ونتائج ما حدث واقعاً ملموساً بكل شؤمه ونحسه وبعد ما أُحرقوا بنار الحصار والحروب، واصطُلوا بلهيب الانقسام والعقوبات، بحثوا عن الخلاص وهرعوا نحو الأمل ولجأوا إلى الحُلم... فلم يجدوه ووجدوا اليأس مكانه فزاد حياتهم كمداً وغماً وأرهق معيشتهم ضنكاً ونصباً وملأ دنياهم بؤساً وتعساً.

لم يكن هذا الشعور الطاغي بفقدان الأمل وضياع الحُلم، وربما الإحساس بقتل الأمل واغتيال الحُلم وليد عامٍ واحد من المعاناة والمقاساة، بل هو تراكم سنوات طويلة ممتدة التهم فيها غول اليأس حمامة الأمل فاغراً فاه ليلتهم معها كل آمال وأحلام الشباب من الذكور والإناث التي تحطمت على صخرة الاحتلال والحصار والانقسام والعقوبات، وليبتلع معها كل طموحاتهم المدفونة تحت حُطام الحروب العدوانية والمناكفات السياسية والعنصرية الحزبية والمحسوبية العائلية، وليدمر معها كل أُمنياتهم التي غطاها رُكام الإدارة البائسة والسياسة الفاسدة والسلطة المستبدة... تلك السنوات الطويلة الممتدة تعود إلى عامي النكبتين عندما ضاعت فلسطين على مرحلتين واستبدلت بها دولة (إسرائيل) بداية المآساة الفلسطينية التي أصبح فيها معظم الشعب الفلسطيني لاجئين بعد أن حُرموا من مصدر رزقهم الوحيد وهو الأرض ليتحوّلوا إلى مُشردين على رصيف الانتظار لإحسان الأمم المتحدة.

المآساة الفلسطينية ولدت مع ولادة المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري الغربي الذين انتجا الكيان الصهيوني مجسداً في دولة (إسرائيل) وهي المصدر الأول لكل معاناة الشعب الفلسطيني ومفرداتها المتعددة وفي مقدمتها الهجرة من فلسطين، لم تُكن هي الفصل الأول والأخير من المآساة التي اكتملت مع بداية فيلم (مشروع السلام الفلسطيني) المكتوب بسيناريو ركيك عنوانه (اتفاقية أوسلو)، وأخرج بطريقة رديئة ليُعرض باسم (السلطة الوطنية الفلسطينية) كان الشعب الفلسطيني متفرّجاً على الفيلم يحسبه وطناً ودولة أو بداية الوطن المفقود والدولة المنشودة؛ حتى إذا ما انتهى الفيلم وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود الفاصل بين الحقيقة والوهم لم يجده وطناً أو دولة، ووجد الاحتلال والاستيطان والتهويد مكانه بصوره الأكثر بشاعة في تاريخ الاستعمار.

إذا كان الاحتلال هو مآساتنا التي لن تنتهي إلاّ بزوال الاحتلال، وهو أمر حتمي بمنطق القرآن والتاريخ والواقع، فإلى ذلك الحين لا مفر من إنهاء فصول المأساة التي كتبناها بأيدينا وأوقعنا أنفسنا في مأزقي أوسلو والانقسام وما نتج عنهما عن عجز وفشل في إدارة السلطة في غزة وما فرضته السلطة في رام الله من تمييز وعقوبات ضد غزة... وكانت نتيجة كل ذلك ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة بطريقة غير مسبوقة وتدهور وانهيار الوضع الاقتصادي في القطاع... حوّلت غالبية الشعب الفلسطيني في غزة مضطرين إلى متسوّلين على أبواب الشئون الاجتماعية ووكالة الأونروا والمؤسسات الدولية والجمعيات الخيرية، والأخطر من كل ذلك هو إغلاق باب الأمل ثم الإجهاز عليه وقتله أمام الجيل الجديد وضياع ما تبقى من أحلام الشباب بل واغتيال أحلامهم... بدون بصيص ضوء في نهاية نفق الحصار والانقسام والعقوبات إلاّ بصيص ضوء نار الحرب التي تلوح في الأفق.

في الختام لا مناص من تجاوز مرحلتي التشخيص وتحديد المسؤولية عن ظاهرة الهجرة من فلسطين عامة ومن غزة خاصة، كما أنه ليس من الحكمة استخدام أسلوب الوعظ والإرشاد لإقناع الشباب بعدم الهجرة استجابة للواجب الوطني للبقاء والصمود في الوطن، والثواب الديني للرباط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فهذا كله مُهم ولكن الأهم منه أن نوّفر فرص الحياة الكريمة للشباب والشابات من الجيل الجديد ليبقى صامداً في أرض الآباء والأجداد وليظل مرابطاً في أرض الإسراء والمعراج، وبداية الصمود هو أن نعمل ما يُمكن القيام به بإرادتنا وبأيدينا وفي مقدمته إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أساس الثوابت الوطنية ونهج المقاومة وليكن أحد مفردات المشروع الوطني الجوهرية وركائزه الأساسية مشروع تشغيل الشباب وتوفير فرص العمل لهم لتوفير مقومات الحياة التي تمكنهم من الصمود فوق ثرى بلدهم فالصمود هو نصف المقاومة وأحياناً كل المقاومة.

 

 

 

كلمات دلالية