تجنيد "سيغف" إنجاز إيراني بمعايير كبيرة.. اسماعيل مهرة

الساعة 10:09 ص|21 يونيو 2018

بقلم

كشف جهاز المخابرات الإسرائيلية عن أمر تجنيد الاستخبارات الإيرانية للوزير السابق غونين سيغف؛ شكّل صدمة كبيرة لمستوطني دولة الاحتلال، وشعروا بصفعة مدوية على الأقل على المستوى المعنوي والقيمي، وتفاعل الإعلام الاحتلالي مع لائحة الاتهام التي كشف بعض بنودها الموجهة لسيغف بكبير الاهتمام وتصرفوا كمن يحمل رسالة ومسؤولية تجاه المجتمع، وبذكاء كبير ودون التخفيف من خطورة القضية حاولوا التقليل من قيمة المعلومات والإنجاز الإيراني والتقليل من حجم الأضرار، وأظهروا ربطًا مباشرًا بين مكونات الشخصية الجرمية والجشعة والخاوية من القيم الخاصة بسيغف وبين تورطه بوعي تام في قبول التعاون مع الاستخبارات الإيرانية طمعًا في الحصول على المال السريع والسهل.

غونين سيغف، من مواليد 1956، طبيب ووزير سابق، ارتكب عدة مخالفات جنائية، من بينها تهريب مخدرات وتزوير جواز سفر دبلوماسي، والتحايل على شركة "يسرا كارت"، سُجن خمس سنوات في إسرائيل، وخرج من السجن بعد قضاء ثلاث سنوات من محكوميته. سيغف بدأ حياته العسكرية بكورس في الطيران، ثم انتقل للوحدات القتالية وتخرج من الجيش برتبة نقيب، ثم التحق بجامعة بن غوريون في النقب ودرس الطب، وفي بداية سنوات الـ 90 تعرف على رفائيل ايتان، زعيم حزب "تسومت" اليميني ورئيس أركان سابق، فالتحق بالحزب وانتخب للكنيست عن قائمة الحزب، وفي يناير 95 انشق عن الحزب لينضم إلى حكومة رابين، فأصبح وزيرًا للطاقة والبنى التحتية وعضوًا في الكابينت الأمني - السياسي، وهو من أهم المناصب التي يطمح للوصول إليها أيّ سياسي، وبعد مقتل رابين استمر وزيرًا في حكومة بيرس حتى انتخابات الكنيست الـ 14 في يونيو 1996، حيث خرج من الحياة السياسية، وتوجّه للقطاع الخاص مستثمرًا علاقاته التي أقامها أثناء عمله وزيرًا للطاقة.

في عام 2003 أدين بتهمة التحايل على شركة "يسرا كارت"، حيث سحب عشرات آلاف الشواكل وادعى ان بطاقته سُرقت، وفي عام 2004 ضبط في مطار أمستردام وهو يحاول تهريب كمية كبيرة من الاقراص المخدرة (الإكستازي) داخل قطع الشيكولاتة، أدين وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وسُحبت منه رخصة مزاولة الطب عام 2007، وفي نفس العام أفرج عنه بعد تخفيض ثلث مدة محكوميته، وفي عام 2008 اتهم بتوقيع تحويلات مالية بدون رصيد كمدير لشركة استثمارية، وقبل ان يصدر الحكم بالإدانة هاجر إلى نيجيريا وأقام في عاصمتها أبوجا، وعمل فيها كطبيب وكمستثمر، وفي عام 2012 أدانته المحكمة في قضية التحويلات المالية، وحكمت عليه بغرامة مالية قدرها مليون شيكل.

في أبوجا اشتهر كطبيب وكمستثمر، ونجح في إقامة علاقات واسعه مع طبقة واسعة من الدبلوماسيين والمستثمرين الأجانب، ومن بينهم طاقم السفارة الإسرائيلية ورجال أعمال إسرائيليين من العاملين سابقًا في الأجهزة الأمنية، حتى إنه تلقى بطاقة شكر وعرفان من قبل المسؤول عن القسم الأمني في السفارة الإسرائيلية عن الخدمات الطبية التي قدمها لأحد ضباط الأمن في السفارة.

في مارس الماضي، أجرت معه القناة العاشرة لقاءً، أظهر فيه رغبته بالعودة والعيش في إسرائيل، لكنه أعرب عن خشيته من الملاحقات القانونية، وفي ابريل من العام الجاري سافر إلى دولة غينيا الاستوائية فاعتقل في المطار، ورفضت سلطات غينيا السماح له بدخول أراضيها وتحفظت عليه بناءً على طلب من الشرطة الإسرائيلية التي تسلمته لاحقًا وأحضرته إلى تل أبيب، حيث اعتقله جهاز المخابرات واستجوبه على مدار أكثر من شهر في تكتم كامل على اعتقاله، وقبل أيام أعلن "الشباك" عن اعتقاله ونشر جزءًا من لائحة الاتهام الموجهة لسيغف وأبقى بعضها سريًا، وممّا جاء في لائحة الاتهام، اتهم بتقديم مساعدة للعدو أثناء الحرب والتجسس ضد إسرائيل.

وبحسب المصادر الإعلامية الإسرائيلية، فإن سيغف ارتبط بالاستخبارات الإيرانية وهو مدرك تمامًا أنه يعمل لصالح المخابرات الإيرانية مقابل المال، وقد زار إيران أكثر من مرة، والتقى مشغليه بأكثر من مكان في أوروبا وافريقيا، وساعد الاستخبارات الإيرانية في الوصول إلى بعض رجال الأمن الإسرائيليين الذين اتجهوا للعمل في مجال الأعمال الخاصة في افريقيا، حيث كان يقدمهم للإسرائيليين على أنهم مجرد رجال أعمال مهتمون بعقد الصفقات.

ووفق وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن الأضرار ذات الطبيعة المعلوماتية الأمنية التي ألحقها سيغف بالدولة هي أضرار محدودة، لأن المعلومات التي لديه هي من فترة بعيدة، وقد جرت عليها تغييرات كثيرة، والتقدير بأن الضرر الأكبر والذي لا يمكن قياسه ومعرفة حدوده يكمن في مساعدته الإيرانيين بالوصول والتواصل مع رجال أمن إسرائيليين، وفي كشف طريقة عمل المؤسسات والنظام في إسرائيل، ولكنهم يتجاهلون ان سيغف كان عضوًا في الكابينت الأمني - السياسي، وكان وزيرًا للطاقة والبنى التحتية، وأنه ظل على تواصل مهم بأصدقائه ومعارفه في إسرائيل، ومن بينهم من هم داخل المنظومة الأمنية، وربما داخل الصناعات العسكرية، كما ان أبواب السفارة كانت مفتوحة أمامه بشكل دائم، وراكم علاقات قوية مع العاملين فيها، ومع طبقة واسعة مع الدبلوماسيين والأمنيين الأجانب.

أحد أهم الكتاب في المجال الأمني رونين بريغمان كتب في صحيفة "يديعوت" ملخصًا قضية سيغف: "بوسع سيغف ان يرسم للإيرانيين ما عرف به في عهده كوزير، وما يعرفه عن الدائرة الداخلية لإسرائيل الصغيرة، حيث الكل يعرف الكل. فمثلًا، عن سياقات اتخاذ القرارات ومن صديق من. الهوة التي تدهور إليها الوزير السابق أعمق حتى من كل الحفر التي يمكن الوقوع بها، إن قضية تجنيد وتفعيل سيغف تظهر مرة أخرى بعض الاستنتاجات الهامة؛ الأول: الاستخبارات الإيرانية تعمل على نطاق واسع بهدف العودة إلى إسرائيل وجمع أكبر قدر من المعلومات عنها. الثاني: "يطلق الإيرانيون النار في كل الاتجاهات" على حد قول المخابرات الإسرائيلية، وهم يقصدون أن الإيرانيين يجندون من يقع في اليد (من أهداف نوعية مثل سيغف، وحتى جهات فلسطينية صغيرة أكثر) على أمل ان يحصلوا على كل ذرة معلومات. الثالث: الإيرانيون، مثلنا، يرون أنفس.

كلمات دلالية