كذبة الإغلاق- معاريف

الساعة 01:20 م|18 يونيو 2018

فلسطين اليوم

بقلم: يوسي احيمئير

40 كيلو متر طوله، حتى 12.5 كيلو متر عرضه 365 كيلو متر مربع مساحته ونحو 2 مليون هم سكانه – هذا هو قطاع غزة باختصار. اذا كانت هذه هي المعطيات، وهي معروفة للجميع، فكيف تتجرأ غزة على ان تستفز المرة تلو الاخرى اسرائيل العظمى؟

أتصور وضعا معاكسا، خيالي حقا: اسرائيل وغزة تتبدلان بينهما المواقع. وحسب هذا السيناريو الخيالي، فان مساحة القطاع هي اسرائيل، المساحة الحالية لاسرائيل هي "فلسطين"، فهل اسرائيل الصغيرة "الغزية"، كانت ستتجرأ على مهاجمة "فلسطين"؟ هل كانت تتصور ان تستفز المرة تلو الاخرى من هي أقوى منها وأكبر منها عشرات الاضعاف، وان تكرس هذا الغرض كل مقدراتها؟

واذا كانت تفعل هذا، أفلن تتعرض لوابل من الشحب من الاسرة الدولية لاستفزازها العدو واطلاق الصواريخ نحوه، نار قذائف الهاون والطائرات الورقية الحارقة، تحفر أنفاق الارهاب، تبعث بالقوة بالاف المتظاهرين الى الجدران كي يقتل ويجرح العديد منهم؟ أفلا يكون القناصة من "ارض فلسطين" سيطلقون النار بلا تمييز على جموع "الاسرائيليين" المهاجمين على الجدار، دون خوف من اجتماعات للامم المتحدة وتنديدات منها.

بالطبع، لو كانت اسرائيل – ويا له من سيناريو هاذ! – تقع في غزة، ما كان لكل هذا أن يحصل، بقدر ما يتعلق الامر بها. المنطقة التي تحت سيطرتها كانت ستزدهر، وتتفتح، وتصبح اقليما سنغافوريا. هكذا كانت ستتصرف كل أمة طبيعية، محبة للحياة. ليس هكذا الفلسطينيون في قطاع غزة، الذين جل اهتمامهم هو القتل، الدمار والحرق.

فضلا عن ذلك، لو كانت مساحة اسرائيل كمساحة غزة، ولو كانت معطياتها مثل معطيات غزة اليوم، لكانت هجمات العرب عليها أشد بكثير من تلك التي يتجرأون على تنفيذها هذه الايام. فقد كان سيكون أسهل عليهم الوصول الى طرفها وشطبها من على وجه الارض. يحتمل أن يكون حلمهم الاعظم يتحقق. والعالم كان سيسكت.

غزة الحقيقية، الواقعية، غزة اليوم، تتمتع بتفوق خاص لا تتمتع به اسرائيل: الاسرة الدولية تقف في معظمها خلفها، تدعمها، تبرر سلوكها الحماس، تندد باسرائيل المرة تلو الاخرى، تعرضها كجذر الشر لكل المشاكل في الشرق الاوسط. فالاكاذيب التي تنشرها حماس تتبناها اجزاء واسعة من الاسرة الدولية، وليس فقط العربية – الاسلامية. الكذبة البارزة في الايام الاخيرة هي كذبة الاغلاق او الحصار.

في 2008 اودعنا، بشكل سائب من جانبنا، في ايدي الفلسطينيين في القطاع كل المنطق، نقية من المستوطنين، ولكن البكاء والعويل في ساحات غزة، رفح والشجاعية لم يتوقفا. فقد اضيف الى الادعاء المتكرر حول "الاحتلال المتواصل" ذريعة جديدة: الاغلاق الخانق. ما كان يمكن أن يكون حدود سلام وتعاون، حدود مفتوحة نسبيا، تسمح لجماهير غزة بان تأتي وترتزق في اسرائيل، تحولت الى منطلق لعدوان لا يطاق. رغم الجدار الفاصل، تنقل اسرائيل الى الغزيين – في الايام العادية – مئات الشاحنات في الشهر، وفيها كل ما يطلبون ويحتاجون. ولكن حماس، تنكل ايضا بانبوب الحياة هذا. من الافضل لها مليونا فم جائع. اذا كان هناك اغلاق اسرائيلي، فان حماس تتحمل كامل المسؤولية عنه.

ولكن ليس اسرائيل فقط هي التي تحاذي القطاع: كما هو معروف في الطرف الجنوبي له حدود مع مصر، ويطرح السؤال: اين مصر في صورة هذا "الاغلاق"؟ لماذا لا يحرك المصريون، الذين يحترمهم الفلسطينيون، ساكنا من جانبهم بالتخفيف من ضائقة الحياة لاخوانهم في القطاع؟ لماذا، لغرض التغيير، لا تجرى مفاوضات في مدن اوروبا ضد "الاغلاق المصري" على القطاع؟

ان كذبة الاغلاق تصرخ الى السماء. في أروقة الامم المتحدة، في اوساط اللطفاء في الغرب، منظمات المقاطعة واللاسامية، تستقبل هذه الكذبة بتفهم لدرجة التشبيه البائس بالاغلاق على اليهود في الغيتوات على الارض الاوروبية. مثلما في موضوع "حق التظاهر"، الصواريخ، الانفاق والطائرات الورقية، هكذا ايضا "الاغلاق". بعض الدول التي ترى نفسها متنورة، تتبنى دعاية الفظاعة الفلسطينية في هذا الموضوع ايضا، ربما كي تنظف ضميرها الملطخ منذ اكثر من 70 سنة.

واسرائيل؟ عليها أن تزيد اعلامها ومكافحتها للاكاذيب وللطائرات الورقية التي تطلق ضدها.