المقاومة الفلسطينية..صمتنا قوة ويدنا هي العليا/بقلم: حسن لافي

الساعة 08:22 ص|06 يونيو 2018

فلسطين اليوم

قرّرت غزّة في الثلاثين من مارس "يوم الأرض" في ظل انغلاق الأفق السياسي، وتعقيد المشهد الفلسطيني والعربي، والهجمة الصهيو_أميركية غير المسبوقة على الثوابت الفلسطينية، أن تفاجئ الاحتلال الصهيوني بانطلاق مسيرات العودة وكسْر الحصار، كوسيلة نضال شعبية سلمية، تُعيد البوصلة من جديد نحو "حق العودة"  الثابِت الأساسي في القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى تحصين حاضِنة المقاومة الجماهيرية، من خلال السعي إلى كسْر الحصار عن خزّان الثورة الفلسطيني الأهم" غزّة".

 التزم الجميع بما فيها فصائل المقاومة، صاحبة القدرة على قصف "تل أبيب" مجدداً بصواريخها، واختراق منظومات الحماية الصهيونية بأنفاقها، بخيار مسيرات العودة الشعبية، وأكّدت على سلمّيتها حرصاً منها على ديمومة استمراريتها، ورغم تحذيرات المقاومة المُتكرّرة لدولة الاحتلال، أن المقاومة لن تصمت على عنجهيّة آلة البطش الصهيونية ضد المتظاهرين السلميين، لكن (إسرائيل) ظنّت أن صبر المقاومة ضعف وليس حكمةً، فسعت لتغيير قواعد الاشتباك مع غزّة، التي عُمّدَتْ بدماء شهداء حرب 2014، فحاولت تثبيت معادلة جديدة عنوانها الحرية المُطلقة واليد الطولى للجيش الصهيوني في استهداف المدنيين العُزّل في غزّة، ومقدرات المقاومة، واغتيال رجالاتها، من دون الخوف من عِقاب رادِع من المقاومة.

عضّدت المقاومة على جِراح صمتها حرصاً على المصلحة الفلسطينية العليا، رغم وقاحة الحملات الإعلامية المموّلة من "أفيخاي أدرعي" ووكلائه، ولكن في الظرف الزمني، الذي باتت فيه دولة الاحتلال غير مُهيّأة للذهاب إلى مواجهة مفتوحة مع غزّة باغتتها المقاومة، حيث:_ اقتراب إعلان الإدارة الأميركية لصفقة القرن، حيث  كل المؤشّرات تدلّ على أنها كُتِبت حسب الرغبة الإسرائيلية, ولخدمة المصلحة العليا ليس "لإسرائيل" فقط، بل لليمين الصهيوني الحاكِم أيضاً.

 تولّدت قناعة لدى المستوى العسكري والسياسي في (إسرائيل)، أنه يجب التخفيف من الاحتقان في غزّة، بسبب رئيسي أنها أدركت بعد مسيرات العودة  أن شظايا انسداد الأفق في غزّة سينفجر بوجهها وحدها ، لذا قامت في الآونة الأخيرة  بمساعٍ دبلوماسية كبيرة من أجل إيجاد حلول للتخفيف عن غزّة،  بل أكثر من ذلك حذّرت السلطة الفلسطينية من الاستمرار في سياسات التضييق على غزّة في الآونة الأخيرة، لذا لن تذهب "إسرائيل" إلى حربٍ تُفجّر كل تلك المجهودات.

الجبهة الشمالية المتوتّرة جداً، التي تمر بتطوّرات حَرِجة، ما جعل المستوى العسكري والسياسي في (إسرائيل) يسعى إلى التركيز عليها، وخاصة بعد إعلان الإدارة الأميركية استراتيجيتها تجاه إيران، لذا تحرص (إسرائيل) على عدم انزلاق الأمور في غزّة إلى حربٍ مفتوحة، من الممكن أن تخلط أوراق المنطقة من جديد، وخاصة في حال تم تنفيذ استراتيجية توحيد جبهات المقاومة.

في هذا التوقيت ظهرت عبقرية مكان الاستهداف، حيث طالت المقاومة بقصفها  كل مستوطنات غلاف غزّة، ولم يمتد قصفها للمدن الكبرى في دولة الاحتلال، كتكريسٍ لقاعدةِ الاشتباك الأساسية مع الاحتلال " الدم بالدم، والقصف بالقصف "، وكرسالة سياسية يفهم من طيّاتها، ألا رغبة للمقاومة للذهاب إلى حربٍ مفتوحة، ولكنها مستعدّة لكل السيناريوهات الصهيونية.

لم تقتصر عبقرية المقاومة فقط على اختيار المكان والزمان المناسبين للمعركة، الأمر الذي مكّنها من أن تكون يدها العليا في توليّ قيادة زمام المواجهة منذ بدايتها، واستمرار القصف حتى نهايتها ، بل تجلّت العبقرية أيضاً في التكتيكات العسكرية للمقاومة، حيث:

 استخدام سلاح قذائف "الهاون" وصواريخ"107" قصيرة المدى، هذه القذائف التي يستغرق وصولها إلى هدفها أقل من "15" ثانية مقدار الفترة الزمنية التي تحتاجها منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية للعمل بكفاءة، وبذلك تراجعت نسبة اعتراضات القبة الحديدية لتلك القذائف، وبذلك أدرك مستوطنو غلاف غزّة حجم تهويل جيشهم، وماكينته الإعلامية المُجنّدة من قدرة القبة الحديدية على توفير الحماية لهم ، وأن ذلك ما هو إلا وَهْم كاذب، بدّده السقوط غير المنقطع للقذائف المُتتالية على مستوطناتهم.

استمرارية القصف حتى اللحظات الأخيرة، وعدم توقّفه طوال فترة المواجهة، بمعدل رشقات صاروخية منتظم، يُثبت قدرة المقاومة على إفشال الإنذار المبكر الإسرائيلي، الذي يفتخر به الجيش الإسرائيلي، فلم تُجدِهمْ نفعاً الطائرات من دون طيار، التي كانت تملأ سماء غزّة، وسطّرت المقاومة من خلال استمرار قصفها، وتواجد مجاهديها الدائم في الميدان، حتى في أثناء قصف الطيران الحربي الصهيوني، شهادة فشل حقيقية لكل منظومة الاستخبارات الإسرائيلية، وأجهزتها التكنولوجية، حيث لم تسجّل ولو حالة واحدة لاستهداف مجموعات إطلاق القذائف، رغم الامتداد الجغرافي لساحة المواجهة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزّة.

لكن تبقى عبقرية حاضِنة المقاومة، هي سرّ النجاح الحقيقي لهذه المواجهة، التي تجلّت في التفاف الجماهير حول خيار المقاومة سواء أكانت بالأسلوب السلمي أو العسكري، والروح الإيجابية العالية، التي قابلت بها الجماهير هذه المواجهة، رغم كل مُعاناة الحصار، والمصاعب الحياتية، وأبرزت استعداد الشعب منقطع النظير لتحمّل كل تبعات خيار المقاومة، ما رفع من الهمّة القتالية لجنود المقاومة، ودفعتهم إلى تقديم الغالي والنفيس من دماء وأشلاء في سبيل كرامة، وعزّة، وحرية، شعبهم، وأن تبقى المقاومة الوفيّة دوماً لهذه الثقة، التي منحها إياها هذا الشعب الفلسطيني العظيم