اسقاط وهم الردع والاستفراد بالجهاد.. عامر خليل

الساعة 02:37 م|02 يونيو 2018

فلسطين اليوم

حملت المواجهة المحدودة على مدار يوم وليلة هذا الاسبوع مع جيش الاحتلال العديد من الدلالات المهمة في اكثر من جانب بعد ان حاول الاحتلال فرض قواعده الخاصة في ممارسة العدوان وفرض ما يسميه الردع تجاه غزة معتقدا ان المقاومة الفلسطينية مكبلة اليدين ولا تستطيع بفعل حساباتها الخاصة تفعيل أدواتها المقاومة بما في ذلك إطلاق الصواريخ في ظل اعتقاد بانها تتخوف من نتائج ذلك وامكانية تطور المشهد الى حالة مواجهة واسعة على غرار الاعتداء الأخير عام 2014 لكن جاءت القذائف التي اطلقتها المقاومة صباح الثلاثاء وليلة الأربعاء لتؤكد على تبدد اوهامه بهذا الشأن واستعداد المقاومة لممارسة وتفعيل ما تريد من الخيارات وفق رؤيتها وقراءتها السياسية والعسكرية.

منذ الثلاثين من شهر آذار الماضي وبداية مسيرات العودة فرض قطاع معادلة جديدة بتوجه عشرات آلاف الفلسطينيين الى حدود 48 مع غزة مؤكدين على تمسكهم بحق العودة واستعداداهم لتجسيده عبر اختراق الحدود والوصول مشيا إلى القرى والبلدات التي اخرج منها آباؤهم وأجدادهم عام 1948 وشكل ذلك حالة من القلق والارباك بتشكل حالة سياسية عالمية وضعت مسيرات العودة على مائدة العالم ما فرض حراكا سياسيا في محاولة تفكيك الوضع القائم في قطاع غزة من حصار مشدد واغلاق سبل الحياة امام ابنائه، وعملت دولة الاحتلال بالقوة العسكرية واطلاق الرصاص وقتل عشرات المشاركين في مسيرات العودة الكبرى لإنهائها واجبار الفلسطينيين على التراجع عنها الا ان جرائم القتل خلقت مزيدا من الاصرار على مواصلة مسيرات العودة بزخم اكبر.

في سياق جهدها لإفشال مسيرات العودة لجأت دولة الاحتلال الى عمليات قصف واستهداف داخل قطاع غزة ما ادى الى ارتقاء العديد من الشهداء واخرهم ثلاثة من مجاهدي سرايا القدس ورابع من كتائب القسام وتبدى واضحا ان جيش الاحتلال يعمل على ترسيخ قواعد جديدة للاشتباك باستهداف مواقع المقاومة دون اية ردود بهدف نقل المعركة من الحدود الى داخل قطاع غزة معتقدا ان مسيرات العودة ستلجم المقاومة عن كسر هذه القواعد ليأتي صباح الثلاثاء الماضي حاملا معه رسالة قوية عندما اطلقت المقاومة اكثر من ثلاثين صاروخا في ثلاث رشقات فاجأت جيش الاحتلال، ثم تواصل الاشتباك طوال اليوم وليلة الاربعاء حتى الوصول الى تجديد التهدئة تحت عنوان ان الالتزام متبادل ولن تقبل المقاومة أي اعتداءات على قطاع غزة.

واكدت معركة كسر الصمت الثانية لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي العديد من الحقائق المهمة على رأسها الحسابات الدقيقة للمقاومة في غزة وموازنتها بين الخيارات المختلفة واتخاذ القرار المناسب في المنعطفات المؤثرة وشجاعتها في اتخاذ القرار رغم النتائج المحتملة له واثبتت انها لا تتعامل بردود فعل بل عبر استراتيجية شاملة ليست قائمة على الفعل ورد الفعل ومفاجأة الاحتلال بتوقيت ومكان ومدى ما اطلق من قذائف، ويؤكد على ذلك ان الاستنفار كان سائدا طوال ليلة الثلاثاء الا ان السرايا اختارت توقيت السابعة صباحا وقت تحرك المستوطنين في المواصلات العامة ما ادخلهم بحالة من الارباك والخوف واظهر لقيادتهم عواقب جرائمهم والى ان يمكن ان تتدحرج الامر الذي افضى الى استعانتهم بالوسيط المصري لوقف اطلاق الصواريخ.

ادرك المستوى السياسي والامني الاسرائيلي ان استمرار الاعتداءات على قطاع غزة سينتهي الى مواجهة اوسع بعد رد سرايا القدس وفهمه الخاطئ عدم رغبة المقاومة في الدخول الى مواجهة واسعة معه ما يتيح له ان ينفذ ما يشاء من اعتداءات بأريحية تامة، لكن هذه الصورة تغيرت تماما وتبين للمستوى الامني والسياسي ان ما يقوم سيؤدي الى حرب يرى انها لا تخدمه في هذه المرحلة في أكثر من اتجاه فالحرب ستحرف التركيز عما يريده نتنياهو حول ايران وسوريا وادخال ما يسمى الجبهة الداخلية الاسرائيلية في الملاجئ مع عدم الجزم بنهاية حاسمة لها مع ما سيتركه ذلك من تداعيات سياسية على الصعيد الفلسطيني الداخلي واحتمالية انفجار الضفة وردود الفعل العالمية .

أراد الاحتلال الاستفراد بالجهاد الإسلامي عبر تحميله المسئولية عن اطلاق القذائف وخلق شرخ مع حماس، لكن جاء البيان المشترك للسرايا والقسام والموقف الموحد في التصدي للاعتداءات الاسرائيلية ليكسر الوهم الاسرائيلي بهذا الاتجاه وكان البيان واضحا في الاستعداد المشترك للخروج إلى اية مواجهة وتحمل تبعات ذلك ما لم يوقف غاراته وقصفه على قطاع غزة وبات الاحتلال يفهم ان الاستمرار في الاعتداءات سيفتح مواجهة مفتوحة في ظل شكاوى جزء من الجمهور الاسرائيلي وتبرمه من العيش في ظلال القصف وقرب الملاجئ والسؤال الذي يطرح نفسه ما الحال الذي سيؤول اليه الوضع لو دخل عشرات الالاف بل مئات الالاف من الاسرائيليين في مدى صورايخ المقاومة؟!

من الواضح ان المقاومة الفلسطينية فرضت قواعد الاشتباك التي تريدها وأسقطت الوهم الإسرائيلي حول الردع تجاه غزة فمنظومة المقاومة بكل ادواتها حاضرة ولا يمكن اغفال إحدها، وكان صباح الثلاثاء وليلة الاربعاء درسا مهما في ادارة المعركة امام الاحتلال وكيفية كسبها بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني.

كلمات دلالية