اسرائيل اثبتت نفسها ثانية في غزة، لكن ماذا بعد- هآرتس

الساعة 01:57 م|01 يونيو 2018

فلسطين اليوم

اسرائيل اثبتت نفسها ثانية في غزة، لكن ماذا بعد- هآرتس

بقلم:عاموس هرئيل

(المضمون: مثلما كان الامر قبل عملية الجرف الصامد، فانهم في اسرائيل لم يصغوا للتحذيرات ولم يقدموا تسهيلات لسكان القطاع. وبدون تغيير الوضع في غزة سيواصل مطاردة اسرائيل. خلف وقف اطلاق النار تقف ايضا، وربما بصورة اساسية، التغييرات في القاهرة وفي حماس. وماذا يمكن لاسرائيل أن تكسب من عودة قوات الاسد الى الحدود في هضبة الجولان - المصدر).

في صباح يوم الاربعاء بعد يوم من تبادل اطلاق النار الشديد بين اسرائيل وقطاع غزة والذي انتهى بوقف لاطلاق نار بوساطة مصرية، سيطرت نغمة حامضة شيئا ما على الخطاب العام في اسرائيل. وزراء لم يتم ابلاغهم بالخطوات المصرية، وفقط قبل لحظات تسابقوا فيما بينهم في اطلاق التهديدات ضد حماس، وجدوا انفسهم فجأة أنهم غير ذي صلة عندما اكتشفوا أن رئيس الحكومة يركز اهتمامه على مناطق اخرى، في حين أن سياسيين آخرين ومراسلين وكيانات الشبكة الآخرين هاجموا نتنياهو من اليمين ومن اليسار على فشله امام الفلسطينيين.

حوالي 150 قذيفة هاون وصاروخ اطلقت من القطاع، قال المنتقدون. ولم يخدش فلسطيني في الردود المضادة لسلاح الجو. من في باقي الايام يتهمون نتنياهو بحياكة مؤامرات حرب من اجل انقاذ نفسه من تحقيقات الشرطة، اعلنوا الآن بأن هذا الرجل مستخذي جدا امام حماس.

نتنياهو عليه كما يبدو الاعتذار لتسيبي لفني، التي اتهمها اثناء المنافسة بينهما في الحملة الانتخابية في 2009 بأنها انقذت حماس من هزيمة بعملية الرصاص المصبوب. ايضا في العمليتين التاليتين عمود السحاب والجرف الصامد وعدة هجمات تصعيدية قصيرة على مدى السنين، تصرف رئيس الحكومة بالضبط مثل حكومة اولمرت – باراك (مع وجود لفني كوزيرة للخارجية) قبله. ايضا هو يعرف منذ فترة أنه لا توجد حلول تلقائية في قطاع غزة وبالتأكيد لا توجد سبيل خالية من الآلام لهزيمة حماس وفرض نظام في غزة اكثر راحة لاسرائيل. منذ اللحظة التي وافقت فيها حماس في ليل يوم الثلاثاء على الاقتراح المصري فان نتنياهو ووزير دفاعه افيغدور ليبرمان سارعا للموافقة على الاقتراح. هما فقط حرصا على ادعاء أن الحديث لا يدور عن وقف اطلاق نار رسمي بل عن تعهد بالهدوء مقابل الهدوء. عندما بدأت حماس بفرض توجيهاتها على الفصائل الاخرى في صباح اليوم التالي، ايضا اسرائيل توقفت عن اطلاق النار.

ولكن تركز النقاش حول الردع الاسرائيلي حول مسألة كم عدد الفلسطينيين الذين قتلوهم ردا على بضع قذائف اطلقت، يخطيء تماما الامر الاساسي. أولا، لا يبدو أن حماس أو احد جيران اسرائيل الآخرين يجد صعوبة في فهم المقروء. في الاشهر الاخيرة قتل الجيش الاسرائيلي اكثر من 100 فلسطيني معظمهم من نشطاء حماس ومن الاذرع العسكرية للتنظيمات الاخرى في المظاهرات والاحداث على طول الجدار في القطاع. خلال تلك الفترة تم القيام بعدد من الهجمات الاسرائيلية في سوريا التي في ذروتها تم احباط محولة ايرانية لعملية رد واسعة ضد مواقع الجيش الاسرائيلي في هضبة الجولان. في الوقت الراهن التصميم الاسرائيلي واضح. ليس هناك ضرورة لاحصاء عدد الجثث في غزة من اجل القول للفلسطينيين بأن اسرائيل هي الاقوى. سيكون من الخطأ رؤية الردع فقط كعصا طويلة التي يثبت استخدامها المتواصل قوتها.

ثانيا، الفشل الاساسي لحكومات نتنياهو في غزة يوجد في مكان آخر. في تقرير مراقب الدولة حول عملية الجرف الصامد وجه انتقاد شديد لامتناع الحكومة والكابنت عن فحص استراتيجيات اخرى للوضع في السنوات التي سبقت العملية. في نظرة الى الوراء فان الاذرع الامنية الاسرائيلية موحدة في رأيها بأن مقاربة اكثر كرما من التسهيلات الاقتصادية في القطاع عشية المواجهة (التي تم تطبيق معظمها فور انتهاء العملية) يمكنها ابعاد اندلاع الاحداث. عدد من كبار الاجهزة ايضا يعترفون اليوم بأن التشدد في مواجهة حماس في الضفة الغربية عن طريق اعتقال عشرات محرري صفقة شليط ردا على اختطاف ثلاثة فتيان في غوش عصيون في حزيران 2014 ساهم في تدهور الوضع في القطاع بعد اسابيع معدودة.

ولكن اسرائيل الآن تعود بالضبط الى نفس عدم فعل شيء، فقط في ظروف اقسى. وضع البنى التحتية في القطاع اسوأ مما كان عشية الجرف الصامد. كما أن الموقف الصعب الموجودة فيه حماس بسبب علاقتها مع السلطة الفلسطينية من جهة ومع مصر من جهة اخرى اخطر مما كان عليه قبل اربع سنوات. في الاشهر الاخيرة كل رؤساء الاذرع الامنية يوصون بفحص القيام بتسهيلات اقتصادية جوهرية في القطاع. تنفيذ هذه الخطوة ما زال يراوح مكانه، ايضا بسبب تأخيرات مصرية وصعوبات فلسطينية داخلية. ولكن يوجد لذلك سبب اساسي آخر وهو خوف حكومة نتنياهو من أن يتم النظر اليها كضعيفة امام حماس، لا سيما على خلفية تجميد المفاوضات لاعادة جثامين الجنديين والمدنيين الاسرائيليين الموجودين في غزة. في ظل غياب حل كهذا وتقريبا بدون صلة بمقياس الردع (الذي طريقة حسابه موثوقة تقريبا بالقدر الذي يتم فيه فحص اتجاه الرياح عن طريق مد اصبع مبللة)، التصعيد القادم في القطاع هو فقط مسألة وقت. بدون تخفيف المشاكل الاساسية، سيواصل الوضع في القطاع مطاردة اسرائيل. يجب عدم الاستخفاف بما احدثت الـ 24 ساعة في منتصف الاسبوع للشعور بالأمن في بلدات غلاف غزة، حيث هناك لم يشهدوا صليات كهذه منذ انتهاء عملية الجرف الصامد.

يبدو أنه رغم الانتقادات فان سلوك اسرائيل في غزة في الايام الاخيرة كان معقول تماما، ايضا في المستوى السياسي وفي هيئة الاركان العامة. نظام القبة الحديدية وسع اكثر حدود قدرته، اكثر بكثير مما تم تخيله في السابق، واعترض عدد اكبر من قذائف الراجمات. في سلاح الجو وفي الاستخبارات العسكرية حسبوا بدقة اهداف القصف التي تم اختيارها في يوم الثلاثاء. المنشآت التي هوجمت تسببت بخسارة حماس والجهاد الاسلامي لعدة منشآت عسكرية هامة دون المس بالمدنيين الفلسطينيين ودون المخاطرة بتصعيد غير مرغوب فيه للوضع.

في المقابل تم الكشف عن فجوة عملياتية مقلقة في مواجهة الجيش الاسرائيلي مع خلايا اطلاق القذائف. خلافا للسابق لم ينجح الجيش في اصابة أي خلية اطلاق، وتلك قدرات سيتوجب على الجيش الاسرائيلي كما يبدو العودة وتحسينها قبيل احتمالية تصعيد مستقبلية.

في الساحة السياسية جندت اسرائيل بسرعة المجتمع الدولي من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار. في الظروف غير المريحة في القطاع ربما أن هذا هو اقصى ما كان يمكن تحقيقه. لذلك، فان الشكوى من هزيمة مضحكة بالضبط مثل ادعاء أحد اعضاء الكابنت (في جلسة مساء أول أمس التي تم فيها التوضيح للكابنت بشكل متأخر حول اطلاق النار) الذي يقول "لقد حطمنا صورة حماس".

العريف الاستراتيجي

إن فحص احداث الاسبوع يكشف مع ذلك نقطة ضعف اخرى، بالتحديد في مستوى العريف الاستراتيجي مثلما اعتادوا وصف ذلك في الجيش الاسرائيلي في ايام عملية اوسلو، ذلك هو التأثير غير المخطط له لتصرف شاذ على المستوى التكتيكي على ساحة عملية اكبر. التصعيد في هذا الاسبوع بدأ بحادثة في الجبهة الجنوبية في قطاع غزة في صباح يوم الاحد. قوة من الجيش الاسرائيلي قامت بعملية تمشيط على طول الحدود اكتشفت مقصات اسلام مفخخة. وردا على ذلك تم اطلاق نيران مدفعية باتجاه موقع مجاور للجهاد الاسلامي، الذي كان يشرف على مكان الحادثة. باطلاق النار قتل ثلاثة نشطاء من الجهاد الاسلامي، وكعادة الجهاد في السابق قرر التمسك بالانتقام. هكذا جاءت صليات القذائف في صباح يوم الثلاثاء التي انزلقت الى يوم قتال كامل على الحدود. ليس مستبعدا أن ايران ايضا التي تمول معظم نشاطات الجهاد في القطاع كانت شريكة في قرار المنظمة بالرد.

بالنسبة لايران غزة تشكل الآن ساحة تحسس اكثر راحة مع اسرائيل، لأنه لا يوجد لديها هناك حضور مباشر، وهي لا تعرض للخطر املاكها. هذه طريقة جيدة كي تجبي من اسرائيل ثمن دون التضحية بشيء مقابل ذلك.

يتبين أن قرار الجيش الاسرائيلي بشأن اطلاق نيران المدفعية ردا على اكتشاف عبوة صغيرة، انحرف عن توجيهات العمل العادية. لقد تم اتخاذه على المستوى العملياتي المحلي، التكتيكي، وكما يبدو دون مصادقة واضحة من كل المستويات المسؤولة. هذا قرار موجود في حدود تقديرات قيادة المنطقة. لا يوجد سبب لتقديم شكاوى للمقاتلين أو القادة على ما حدث من خلال علاجهم لميدان القتال. في هذه الاثناء، في صلية الرد التي اطلقها الجهاد بعد يومين، اصابت قذيفة هاون ساحة روضة اطفال في احدى مستوطنات غلاف غزة. بكلمات اخرى، لولا أن الروضة كانت خالية في ساعات الصباح الباكر، فان القرار المحلي باطلاق نيران الدبابات، كان من شأنه أن يدهور اسرائيل والفلسطينيين نحو حرب حقيقية. في الوقت الذي في الساحة السياسية الجمود كامل فان اخطار كهذه ستواصل التحليق.

إن نجاح مصر في انهاء القتال خلال 24 ساعة مرتبط بالطبع برغبة اسرائيل وحماس في الامتناع عن المواجهة في الوقت الحالي. ولكن هذه النتائج تم التوصل اليها ايضا بفضل تصميم مصر. في عمود السحاب في 2012 فان حكومة مرسي أيدت حماس ولم تشجع المصلحة الاسرائيلية في بلورة تفاهمات، والتي عملت في غير صالح اسرائيل. بعد سنتين تقريبا وتحت حكم السيسي كان يبدو أن مصر لا يهمها رؤية الجيش الاسرائيلي يسفك دماء حماس (بدون حسم) على مدى 51 يوم.

هذه المرة التدخل كان سريعا واكثر نجاعة، ويبدو أنه تم بالتنسيق مع اسرائيل. ايضا لحماس من السهل اغلاق صفقة. اليوم معظم مراكز القوة في المنظمة مركزة في القطاع، لدى يحيى السنوار واسماعيل هنية، خلافا للوضع في الجرف الصامد عندما ضغط خالد مشعل من قطر على القادة المحليين للذراع العسكري في القطاع لمواصلة القتال ضد اسرائيل بغض النظر عن الثمن.

تحفظ الحكومة وهيئة الاركان من حرب الآن مرتبط بفهم القيود التي رافقت عملية كبيرة في القطاع. مشكوك فيه اذا كان نتنياهو يستطيع السماح لنفسه بعملية اسرائيلية رابعة خلال عشر سنوات دون هزيمة حماس. ولكن ايضا بعد اسقاط حكم حماس فليس في أيدي اسرائيل بديل فوري قابل للتحقق لنظام بديل في غزة. رئيس الحكومة ايضا يدرك جيدا التقديرات بشأن عدد المصابين المتوقع في الجيش الاسرائيلي في عملية كهذه. بعد كل ذلك، كما يبدو فان محيطه الذي خلال عملية الجرف الصامد سرب لاخبار القناة الثانية العرض المتشائم الذي تمت بلورته في الجيش الاسرائيلي بهذا الشأن. حسب هذا العرض كانت خطوة كهذه ستكلف مئات المصابين الاسرائيليين.

الساحة الاكثر الحاحا

السبب الآخر كما سبق وكتب هنا في هذا الاسبوع يتعلق بما يجري في الشمال. الاحداث في سوريا وكبح توجه التمركز العسكري الايراني هناك ما زال يقف على رأس سلم اولويات اسرائيل. غزة تعتبر بالمقارنة ساحة ثانوية التي يجب فيها الحفاظ على التخفيف وضبط النفس اثناء علاج المشكلة الاكثر الحاحا. أول أمس بعد الظهر وبعد التوصل الى وقف اطلاق النار في غزة، سافر وزير الدفاع لزيارة قصيرة في موسكو. في اللقاء الذي جرى أمس مع نظيره وزير الدفاع سرجيه شفيغو تم بحث خطط لتقليص القوات الايرانية في سوريا.

ليبرمان بث هذا الاسبوع تفاؤل بشأن احتمال ابعاد ايران والمليشيات الشيعية التي تمولها الى مسافة ابعد من الحدود مع اسرائيل في هضبة الجولان. التوقع الواقعي يتعلق كما يبدو بالتغير في جنوب سوريا، استمرارا لاتفاق تقليص الاحتكاك الذي وقعته الولايات المتحدة وروسيا مع الاردن في تشرين الثاني الماضي.

إن من يحرص على رفع مستوى المطالب الى ابعد من ذلك هو نتنياهو. أول أمس في خطاب في المؤتمر السنوي لذكرى قتلى سفينة "ألتلينا" قال رئيس الحكومة إن اسرائيل ستستمر بالعمل ضد التمركز الايراني، "ليس فقط مقابل هضبة الجولان بل في كل مكان في سوريا". إن ذريعة نتنياهو، في محادثات مغلقة مع زعماء اجانب، تتعلق بالخطر الكامن حسب رأيه من نشر صواريخ ايرانية بعيدة المدى في عمق الاراضي السورية. هذه الصواريخ، يعتقد، تمكن ايران من فتح جبهة اخرى ضد اسرائيل اثناء الحرب، خلافا للتهديد الذي تشكله ترسانة الصواريخ الكبيرة لحزب الله.

هل الموافقة على ابعاد ايران عن الحدود في هضبة الجولان تشمل ايضا عودة نظام الاسد الى الحدود نفسها؟ قبل نحو اربع سنوات ابعد المتمردون جنود النظام عن كل المناطق الحدودية باستثناء منطقة صغيرة في سفوح جبل الشيخ السوري. في جيب في جنوب الجولان قرب المثلث الحدودي مع الاردن ما زالت تسيطر مجموعة محلية متماهية مع داعش. خلال السنة الاخيرة طرح في الاستخبارات الاسرائيلية تقديرات بشأن هجوم جديد للنظام ومؤيديه من اجل السيطرة على كل منطقة الجولان السورية. وهذا لم يتحقق في الوقت الحالي، ايضا بسبب معارضة اسرائيل وكذلك لأنه كان للاسد مهمات ملحة اكثر مثل محاربة المتمردين في ادلب في شمال الدولة. مع مرور الوقت وثقت اسرائيل العلاقة مع السكان السوريين قرب الحدود ومنحتهم مساعدة انسانية كبيرة (ارساليات غذاء ودواء الى جانب علاج طبي في البلاد) وحسب تقارير اجنبية زودتهم بسلاح وذخيرة. لكن الاطراف فهمت كما يبدو أن هذا حلف مؤقت سيتأثر استقراره باعتبارات اوسع. لا احد سيرسل الجنود الاسرائيليين لانقاذ تلك القرى من عودة النظام. والاكثر معقولية أن يتم التوقيع هناك على اتفاقات مصالحة واستسلام اذا عاد الجيش السوري الى منطقة الحدود.

من التفاصيل الاولى للقاء ليبرمان – شفيغو ومن المحادثة الهاتفية التي اجراها امس نتنياهو مع بوتين يتبين أن هناك احتمالية لأن تعطي اسرائيل موافقة هادئة على عودة نظام الاسد الى الحدود. في المحادثات تم بحث احتمال أن تبتعد ايران والمليشيات حتى شرق طريق دمشق – السويداء، أي تقريبا 70 كم عن الحدود مع اسرائيل.

اسرائيل تشخص الآن فرص في الشمال لابعاد ايران بدون التدهور الى حرب معها ومع حزب الله. يبدو أنه ليس كل جيرانها متفائلون بنفس الدرجة. مؤخرا دشنت قبرص بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي مركز جديد لعلاج الازمات. في الشهر الماضي جرت هناك المناورة الاولى الكبرى بمشاركة ممثلين من 18 دولة. اسرائيل اعتبرت مراقبة. السيناريو الذي دشن المركز: اخلاء عام لمدنيين غربيين من لبنان عن طريق قبرص خلال حرب. من خططوا المناورة كان لديهم ما يستندون اليه. هذا ما تم ايضا في 2006 في الحرب الاخيرة بين اسرائيل وحزب الله.

كلمات دلالية