خبر صمت القادرين وسخط المستضعفين ..عبد العزيز المقالح

الساعة 10:24 ص|02 يناير 2009

بعد مجازر غزة المريعة والشنيعة لا جديد تحت الشمس العربية يرتفع إلى مستوى الحدث المذهل، مظاهرات هنا وهناك سبق للعالم أن رأى مثيلاتها كثيراً، وشجب وتنديد ودعوات آجلة لاجتماعات وزراء الخارجية ثم لقاء قمة تجمع الرؤساء العرب لن يسفر عنها أي جديد، وبين ذلك يكون المثل العربي القديم قد تحقق بكل معانيه “أوسعتهم سباً وراحوا بالإبل”، وتبقى غزة المثخنة بالجراح حتى العظم مخضبة بالدماء والعدو الصهيوني يصول ويجول ويستكلب على بلدة محاصرة ومعزولة لا يجد أبناؤها الغذاء ولا الدواء، بعد أن وقف العرب جميعهم من دون استثناء ووقف العالم من دون استثناء أيضاً موقف المتفرج الذي ينظر ولا يرى ويسمع ولا يصغي. ونحن لا نلوم شعوب العالم حتى لو شاركت في العدوان وباركت المجازر، لكننا نلوم أنفسنا ونستنكر بكل ما في الكلمات من قوة وقسوة مواقفنا المتخاذلة التي لم تتغير ولم تأخذ مرة واحدة الشكل الإيجابي المتوقع والمنتظر.

لقد سالت الدماء في غزة بغزارة وامتلأت شوارعها بالجثث، وغطت أدخنة التفجيرات سماء المنطقة العربية، ومع ذلك فما زال هناك من العرب من يكتفي بأن ينادي العدو بضبط النفس، ولا يزال آخرون يستخدمون سلاح الشجب والإدانة، أو من يتحدث عن خطر الانقسامات الفلسطينية  الفلسطينية ودورها في الكارثة. وأكثر من ذلك هناك من يحاول تبرئة ذمته مما حدث ومن يتواطأ مع العدوان حتى بالصمت، بعد كل هذه الخسائر وهذه الدماء.

وكان ولا يزال في مقدور بعض الأقطار العربية لو صدقت النوايا وأخلصت الضمائر أن تتصدى للعدوان بكل الطرق المتاحة وهي كثيرة، وأقلها وأضعفها إيماناً إلغاء المبادرات السخيفة التي تجاهلها العدو وظل ينظر إليها بسخرية تامة، يضاف إلى ذلك قطع العلاقات التي ساعدت على استمراره في التوحش وعلى مضاعفة شهيته في التوسع لاحتلال الأرض وتقتيل الأبرياء.

وإذا ما استرجعنا تاريخ القضية والمواقف المتلاحقة منها  في ضوء ما حدث ويحدث في غزة  فإننا سوف ندرك أن المواقف العربية تكرر نفسها، وأن كل طرف عربي يحاول أن يخلي عن نفسه المسؤولية بإلقائها على غيره، وبيانات الشجب والتنديد جاهزة في أرشيفات الأنظمة، وما على الشارع العربي إلا أن يتفرغ ليتابع تلك البيانات المحفوظة عن ظهر قلب، وكفى الله المؤمنين القتال من أجل الشرف والعزة والكرامة بعد ما صارت هذه القيم جزءاً من مخلفات الماضي البعيد جداً، وما حفل به ذلك الماضي من مروءة ونجدة وتضامن ووقوف في مواجهة الغزاة ابتداء من الوقوف في وجه الحملات الصليبية واستنفار كل الطاقات والقدرات، ومروراً بهجمات التتار وانتهاء بمواقف المواجهة مع الاستعمار الحديث.

 

إن الشارع العربي، وأعني به هنا ملايين البشر الذين تتألف من مجموعهم الأمة العربية، يطالب بالرد الفوري على العدوان، وهذا الرد في نظر العقلاء وهم قوة فكرية وثقافية لا يستهان بها في هذا الوطن العربي لا يطالبون بالدخول في حرب مع العدو الصهيوني وتكرار التجارب الفاشلة وإنما يدعون الأنظمة العربية فقط الى الالتزام بميثاق الجامعة العربية قبل أن يُخرق  بالصلح المنفرد، ولتستمر المقاطعة نصف قرن آخر، كما يدعون الأشقاء الفلسطينيين بكل منظماتهم وأحزابهم، إلى إلغاء السلطة التي أعطت الذريعة للاحتلال بأن يمارس أقصى أنواع البطش والظهور دولياً بأنه يواجه دولة لا شعباً محتلاً أعزل تحت الاحتلال يريد استرجاع أرضه المغتصبة وحقوقه المشروعة.