خبر فشل باريس في »اختراق إنساني« لغزة يعزز مخاوف من اتساع العدوان ليطال لبنان ..محمد بلوط

الساعة 10:21 ص|02 يناير 2009

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يتوجه إلى محطة إسرائيلية لمدة أربع وعشرين ساعة في تل أبيب ورام الله، في محاولة أخيرة لانتزاع هدنة إنسانية، تسمح بإحياء العملية السياسية.

المحاولة الفرنسية الأولى لإحداث اختراق »إنساني«، لم يكتب لها النجاح. والساعات الأخيرة من الرئاسة الفرنسية لأوروبا، التي استدعت، أمس الأول، وعلى عجل سبعة وعشرين وزير خارجية أوروبياً إلى »الكي دورسيه«، لم يقيض لها أن تسجل اسم الرئيس ساركوزي على مبادرة فرنسية أوروبية جديدة لوقف القتال. واكتفى الفرنسيون باقتراحات اعتبرها الإسرائيليون »فضفاضة«، ولا تضع حداً لصواريخ القسام، وهنا جوهر المشكلة.

ولم يذهب الأوروبيون بعيداً في مطالبهم، ليس بسبب الموقف الإسرائيلي المنتظر، بل بسبب الانقسام الذي يسود صفوفهم، بين معارض للعدوان الإسرائيلي على غزة، لا سيما جنوب الاتحاد، وبين مؤيد في شرقه، لا سيما تشيكيا التي تفتتح رئاستها للاتحاد »بمنح إسرائيل الحق الشرعي بالدفاع عن نفسها في غزة«، كما قال رئيسها فاكلاف كلاوس.

ويسبق المحطة الإسرائيلية وصول الرئيس ساركوزي إلى لبنان لتفقد الجنود الفرنسيين في »اليونيفيل«. إلا أن الاليزيه لا يزال يحاذر تأكيد الزيارة، ويربط تحققها بنتائج المباحثات التي سيجريها غدا مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني.

ولا تملك الدبلوماسية الفرنسية الأوراق الكافية لإطلاق مبادرة ديناميكية، كفيلة بإحداث اختراق كبير، خصوصا، أنه لا يوجد تحرك دولي واحد على الأرض، يعمل بهذا الاتجاه.

كما أن تأخير الزيارة خمسة أيام لا يعمل، عمدا أو عن غير عمد، على إفساح المجال لإسرائيل لتعزيز الوقائع العسكرية على الأرض. فالرئيس ساركوزي لا يملك هامشاً واسعاً للتحدث إلى الطرفين في وقت واحد. هو صديق كبير لإسرائيل وحدها، وليس لحماس، وقد أثبت ذلك في نجاحه خلال رئاسته الأوروبية، برفع مستوى الشراكة مع إسرائيل إلى ما يقارب العضوية، باستثناء حق التصويت.

وفي المقابل، ألزمت فرنسا نفسها، بمقاطعة حكومة حماس المقالة، وعدم استقبال أي من وزرائها، حتى قبل أن تنقلب على السلطة الوطنية وتستأثر بغزة، وذلك في إطار شروط الرباعية، لانتزاع اعتراف مسبق منها بإسرائيل.

ولكن الرئيس ساركوزي يتطلع إلى الحفاظ على الرصيد الدولي الذي أحرزته مبادراته، في التدخل لحل النزاعات في السودان، وجورجيا، والكونغو، ولبنان. وهي مبادرات استغل، خلالها بنجاح، رئاسته للاتحاد الأوروبي، فأعادت له وهجاً شعبياً في الداخل، بعد تدهوره في استطلاعات الرأي، كان يحتاج إليه، أكثر من أي وقت مضى، وسط توقعات بعام اقتصادي وسياسي صعب ينتظر فرنسا.

كما يحتاج الرئيس الفرنسي إلى نجاح لدى أصدقائه الإسرائيليين، وفي غزة بالتحديد، يقدم برهاناً عملياً لحلفائه العرب، ولسوريا بالتحديد على قدرته على التأثير على تل ابيب، وأداء دور لديها، على الأقل في مجال التهدئة، دون انتظار وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض بعد عشرين يوما، وانتزاع مصداقية لمطالبته الرئيس السوري بشار الأسد، بإشراكه في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل عندما تحل ساعتها. إن ذلك يشكل اختباراً لرصيده الدبلوماسي في كل الاتجاهات.

ونافل القول أن ساركوزي ينظر بقلق إلى العدوان الإسرائيلي على غزة. وعندما سيلتقي بضباط »اليونيفيل« في جنوب لبنان، قد يسمع ما يعزز قلقه من تحليلات لهؤلاء، مشابهة لما تردده أوساط الأركان الفرنسية وما يتحدث به بعض العائدين من ضباط »اليونيفيل« إلى فرنسا، أو أولئك الذين طلبوا نقلهم إلى أفغانستان، الأكثر حيوية، والأقل إحباطا عسكرياً وضجراً من جنوب الليطاني.

وتذهب المخاوف الفرنسية أبعد مما قد يترتب من نتائج مباشرة لعملية غزة. ومصدر القلق ما يقوله الإسرائيليون إن غزة ليست سوى بداية لعملية مديدة يستعيد فيها الجيش الإسرائيلي اعتباره، بعد الهزيمة التي لحقت به في عدوانها على لبنان تموز .٢٠٠٦

وقام الجيش الإسرائيلي بإعادة تنظيم قوات جولاني، وتدريع الميركافا بجهاز تدمير للصواريخ المعادية قبل بلوغها الهدف. ويقول ضباط فرنسيون إن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، من غير طيار، رفعت في جنوب لبنان تحليقها، من ٤١٧٦ ساعة عام ،٢٠٠٦ إلى ٢٥٠٠٠ ساعة عام .٢٠٠٨

ويعتقد في الأركان أن الجيش الإسرائيلي بلغ درجة »غير مسبوقة« من الاستعداد للقتال، لكن هذا الاستنتاج ينطبق على الجنود في الخدمة، ويستثني المدعوين إلى خدمة العلم، وهؤلاء يفر منهم ٢٠ في المئة سنوياً.

ويتحدث مصدر عسكري فرنسي أن العدوان على غزة ليس سوى تمرين، قبل محاولة الثأر من حزب الله، الذي لن يستطيع الجيش تفادي معركة معه في المستقبل. ويرتبط توقيت المواجهة مع حزب الله، بقرار تدمير البنى النووية الإيرانية، على أن يسبقه حرمان إيران من أي قدرة على الرد والانتقام، للضربة الإسرائيلية المحتملة.

وتحاذر إسرائيل القيام بتوجيه أي ضربة للنووي الإيراني دون أن تقوم مسبقاً بتدمير مخزون حزب الله من الصواريخ. لكن ذلك السيناريو ينتظر اختباراً أميركياً لخيار الانفتاح على إيران. وإذا لم تثمر سياسة الحوار والعقوبات، التي يدافع عنها ساركوزي، ويتبناها أوباما، بوقف التهديد النووي الإيراني، أو تأخيره على الأقل، سيلجأ الإسرائيليون، خلال عام ،٢٠٠٩ بموافقة أو رفض أميركي، إلى مواصلة ما بدأوه في غزة... ضد لبنان وإيران.