يوم الخامس عشر من مايو الماضي داخل غرفة الطوارئ في قسم الحالات الحرجة في مستشفى شهداء الأقصى، في دير البلح وسط قطاع غزة، كان الطبيب محمد العديني يحاول قدر المستطاع إنقاذ حياة شاب وصل إلى المستشفى يلفظ أنفاسه الأخيرة، قبل أن يرتقي إلى الله شهيداً.
حاول الطبيب التقاط أنفاسه وكبح مشاعره في الوقت الذي يعجُّ فيه المستشفى بالإصابات والضحايا، لكن مع أول التفاتة له للسرير المقابل وجد ما لم يكن يتوقعه، وكانت الصدمة التي لم يكن ينتظرها، حيث وجد أخيه أحمد العديني ممد على السرير مصاباً داخل غرفة الحالات الحرجة.
"كانت الساعة الواحدة تقريباً، وكان المستشفى قد امتلأ بالإصابات، وتعاملنا مع 5 شهداء منذ الصباح عقب يوم واحد من "مليونية العودة"، وعندما رأيت أحمد ممداً على السرير دعوت الله ألّا يكون هو، وتمنيت أن أكون مخطئاً، لكن لحظات قليلة كانت كفيلة بأن تثبت الصدمة" يقول الطبيب محمد العديني لمراسل "فلسطين اليوم الإخبارية".
صراخ وأنفاس مثل الحمم تغلي في صدر الطبيب لكنه تمالك نفسه وانطلق مسرعاً مع أخيه إلى غرفة العمليات في محاولة يائسة لإنقاذ حياته، بعد أن تبيَّن أنه مصاب في بطنه بطلق من جنود الاحتلال الإسرائيلي أصاب وعاء دموي كبير.
داخل غرفة العمليات حاول محمد والأطباء من حوله وقف نزيف أحمد الذي لم تكن علاماته الحيوية ظاهرة من شدة ما نزف، قبل أن يفارق الحياة وسط صدمة أخيه، وحالة التيه التي لم يصدقها إلى الآن.
وصف الطبيب العديني الموقف بأنه الأسوأ على الإطلاق، قائلاً: "كان الموقف صعباً جداً ولا أتمناه لأي أحد في العالم، ولم أتوقع يوماً من الأيام أن أكون فيه حتى في أسوأ كوابيسي، ولا زال أثاره حاضرة في ذهني دائماً".
وعن أحمد الإنسان يروي العديني: "كان إنسان غير روتيني يحب التجديد والتغيير في كل شيء، وكان يترك أثراً في كل مكان يذهب إليه، ناهيك عن حبه الشديد للمساعدة والعمل التطوعي".
ولفت إلى أن أحمد كان مثقفاً ومؤمناً بفكرة التظاهرات السلمية على الحدود حتى قبل انطلاق فعاليات "مسيرات العودة الكبرى".
وتنحدر أصول المن عرب الترابين – بئر السبع، وهو من مواليد عام 1981، وحاصل على شهادة إدارة أعمال من احدى الجامعات اليمنية.
يشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، قتلت حوالي 123 فلسطينياً خلال نحو شهرين، وأصابت أكثر من 13 ألف فلسطيني في اعتدائها على "مسيرات العودة" السلمية قرب حدود غزة، وفق وزارة الصحية الفلسطينية.
وبدأت "مسيرات العودة" السلمية في 30 آذار/مارس الماضي، حيث يتجمهر آلاف الفلسطينيين، في عدة مواقع قرب السياج الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948.