خبر يا حلو، الكيلومترات تقلصت /هآرتس

الساعة 09:57 ص|02 يناير 2009

بقلم: يوئيل ماركوس

كاتب دائم في الصحيفة

        (المضمون: كل الموضوع الاقليمي فقد أهميته، وموضوع الاحتفاظ بالمناطق (وتأثيره على التسوية السياسية – بات ينتمي أكثر فأكثر الى الماضي. كيلو متر هنا كيلو متر هنا – هذا ينتمي فجأة الى القرن الماضي في عصر الصواريخ - المصدر).

        اسحق رابين قال في حينه انه لا يوجد احتمال في أن نستيقظ ذات صباح لنكتشف ان قطاع غزة غرق في البحر. كما أنه عندما قررت الحكومة حملة "رصاص مصهور" في غزة لم تحدد بصراحة ما هي اهدافها النهائية. انهيار حكم حماس في غزة؟ ليس هدفا واقعيا. العودة لاحتلال مناطق في القطاع؟ هذا ايضا ليس هدفا واقعيا. الهدف هو، مثلما افهمه، خلق ظروف لا يكون فيها مجديا لحماس اطلاق النار على الاراضي الاسرائيلية.

        صواريخ القسام الاولى التي اطلقت على اسرائيل قبل ثماني سنوات استقبلت بالهزء. فقد كانت بدائية وانفجرت في الاغلب في مناطق مفتوحة. خطأنا في حينه كان اننا لم نفكر بان هذا هو الصغير الذي سيكبر. وهذه الايام فقط اكتشفنا بانه تحت غطاء ضبط النفس والاستخفاف من جانبنا اقاموا امبراطورية تحت ارضية لنحو 10 الاف صاروخ من كل الانواع. ولو لم يخرج جهاز الامن الان الى حملة شاملة، لاستيقظنا في يوم صاف على الصافرات في تل أبيب.

        بدء الحملة من انتاج عقل باراك كان بدءا لامعا، امسك بقادة حماس متلبسين بعدم استعدادهم. وخلافا لقلة من بيننا من طيبي النفوس ممن يرون في القصف قتلا مزعوما لشعب – فان نحو خمسمائة طلعة نفذتها الطائرات القتالية حتى لحظة كتابة هذه السطور ركزت على اهداف عسكرية فقط. من ضرب الانفاق ومخازن الصواريخ وانتهاء بالقيادات ورموز السلطة. لم ينفذ هنا "قصف" ضد السكان – خلافا لنار حماس على مدى السنين والتي كانت موجهة فقط للسكان المدنيين، من اطفال ونساء. لا يوجد ما هو شر اكبر من هذا، حين يكون في داخلنا اناس يصنفون الجيش الاسرائيلي كقتلة. ماذا سيفكر الطيار الشاب الذي ينطلق الى مهمة امنية حين يقرأ بانهم يكتبون عنه بانه مجرم حرب؟

        حشد الدبابات والقوة العسكرية في اطراف غزة قد يكون مناورة ترمي الى اخافة حماس، كي تفكر بان اسرائيل تنوي الدخول الى غزة وبترها الى اجزاء او كبديل يرمي الى احلال تدخل دولي لتحديد شروط انهاء الهجوم. باراك، مع كل تلويات عقله اللامع، محق ببثه نية بدخول عسكري الى غزة، ليس فقط كمناورة لانهاء الهجوم، بل وايضا كي يعرف الجنود انفسهم باننا سنبذل كل جهد ممكن كي يكون الدخول الى غزة اذا ما كانت هناك بالفعل حاجة اليه، محتما. مبدئيا لا يوجد لاسرائيل مصلحة في السيطرة على أي ارض في القطاع ناهيك عن أن حماس مستعدة لمثل هذا الاحتمال اكثر مما كانت للهجوم الجوي.

        مع كل تلوياته محق وزير الدفاع في استعداده لفحص امكانية التسوية برعاية دولية، قبل ان يوجه الضربة البرية. الضرر الذي من شأنه أن يلحق باسرائيل من هذا التريث في زخم الهجوم هو ضرر هامشي. من الافضل انتزاع الاوراق من جديد مع تحقيق وقف للنار باسناد دولي من الدخول بالقوات البرية.

        انظروا ماذا حصل في الشمال في الوقت الذي قصفنا فيه غزة. حسن نصرالله القى خطابا حماسيا ولكنه لم يهرع الى نجدة اخوانه في غزة من خلال اطلاق الصواريخ نحو الجبهة الاسرائيلية الداخلية. درس تدمير جنوب بيروت من سلاح الجو الاسرائيلي استوعب جيدا. وليس بخفة رأي سيطلق حزب الله مرة اخرى الصواريخ على جبهتنا الداخلية.

        مثل وضع الردع هذا يجب أن يقام ايضا في غزة، واذا كان هذا الميل مقبولا من الرباعية او من الادارة الامريكية، فليس نحن من يجب أن يرده. والى أن نعرف ما هو موقف حماس سيواصل سلاح الجو العمل بكامل قوته.

        مهما كان الشكل الذي تنتهي عليه حملة "رصاص مصهور"، فان الدرس الجانبي الهام من الحملة هو ان الموضوع الاقليمي بات اقل فأقل اهمية كشرط أساس للتسوية. اليوم، عندما يكون بوسع الصواريخ أن تصل الى ذات الهدف من الشمال ومن الجنوب، من مسافة عشرات الكيلومترات، فان الخطر الذي في التنازل عن هذه التلة او تلك بسبب اقترابها من المطار مثلا، لم يعد كبيرا.

        كل الموضوع الاقليمي فقد أهميته، وموضوع الاحتفاظ بالمناطق (وتأثيره على التسوية السياسية – بات ينتمي أكثر فأكثر الى الماضي. كيلو متر هنا كيلو متر هنا – هذا ينتمي فجأة الى القرن الماضي في عصر الصواريخ. وعلى وزن الفيلم الامريكي الشهير "يا حلو، الاطفال تقلصوا" يمكن ان نقول: "يا حلو، الكيلومترات تقلصت".