خبر عدنا اليك ثانية / يديعوت

الساعة 09:55 ص|02 يناير 2009

احرنوت - مقال – 2/1/2009

بقلم: ناحوم برنيع وشمعون شيفر

        (المضمون: العملية على غزة كان مخططا لها منذ 2006، ولا شك في وجود تأثير للانتخابات الاسرائيلية المقتربة في سير العملية وتطورها - المصدر).

        اسرائيل تعود الى غزة بتأخر ما، ومخاوف كبيرة، وتلكؤ، ولكنها تعود. ان ما بدأ يوم السبت بقصف من الجو سينتهي (كما يبدو) على الارض. قد يكون هذا الموضوع الوحيد الذي تتشابه فيه تقديرات الجيش الاسرائيلي وتقديرات حماس. قال احد المشاركين في اتخاذ القرار اول من امس انه يوجد مذهبان، يقول احدهما انه بغير عملية برية لن ينجح الامر، ويقول الاخر ان حماس اذا كانت تؤمل كثيرا، بحسب المادة الاستخبارية، ان تخرج اسرائيل في عملية برية فربما يحسن ان تفكر مرتين.

        في الوعي الاسرائيلي اتصل الرقم 40 كيلو مترا مع الذكرى المرة لحرب لبنان الاولى. لقد وعد بيغن الا يبتعد الجيش الاسرائيلي اكثر من 40 كيلومترا داخل ارض لبنان، لكن قواتنا وصلت في الواقع الى بيروت على مبعدة 120 كيلومترا عن حدود اسرائيل. ومنذ ذلك الحين عندما يقولون 40 كيلومترا فانهم يقولون خدعة.

        في نهاية اول اسابيع العملية، كان الذي وصل 40 كيلومترا هي الصواريخ التي اطلقتها حماس. لم توجد ها هنا اي خدعة: فقد بلغت صواريخ الغراد التي هربتها حماس في انفاق رفح الى اسدود، وكريات ملاخي، ويفنه وبئر السبع. كانت تلك عقوبة اسرائيل لانها اجلت العملية لمواجهة ازدياد حماس قوة لوقت طويل.

        في رسالة سرية جدا وضعت في بداية التهدئة على مائدة مسؤولي الجهاز الامني والسياسي الكبار في اسرائيل، حذروا من ان هذا ما سيكون. وقيل في الوثيقة ان التهدئة ستكون لمصلحة حماس. اذا اجتازت حماس الصيف بسلام، فانها ستبدأ التحرش في الشتاء، عندما تجعل حالة الجو من الصعب على الجيش الاسرائيلي ان يرد. كلما مر الوقت بغير عمل عسكري، ازداد عدد الاسرائيليين الذي تهددهم الصواريخ كما قالت الوثيقة. سيبدأ هذا بعشرات الالاف وينتهي بمئات الالاف. كلما مر الوقت، سيحتاج الى عمل عسكري كبير جدا، يحدث عددا كبيرا جدا من المصابين في الجانبين، ويطول وقتا اكبر ويجلب قدرا اكبر من النقد في العالم. مرت الوثيقة بلا رد.

        في يوم الثلاثاء والاربعاء من هذا الاسبوع وصلت صواريخ غراد بئر السبع. كان ذلك في البدء غير مفهوم، وهاذيا كما كان في عسقلان عندما سقطت الصواريخ الاولى، وكما كان في اسدود وكما كان في حيفا في بدء حرب لبنان الثانية. هناك وهنا ايضا يتحدثون في الساعة الاولى عن معجزة. بعد ذلك يبدأون حزم الامتعة.

        في احد الاحياء البعيدة في هذه المدينة الكبيرة تقوم روضة الاطفال "يكنتون". سقط صاروخ الغراد في ساحتها الخلفية. وقد خلف بالاضافة الى حفرة عميقة دمارا كبيرا: فقد انهار سقف الروضة، وسقطت الحيطان، وتحطمت المناضد الصغيرة. كانت الساحة مليئة بالكريات السوداء الصغيرة التي تأتي مع صواريخ غراد. وهي ليست اكبر من حبات حلوى m and m لكن اصابتها فتاكة.

        نظرت يعيل تفيفي الحاضنة الى بقايا مكان عملها بعينين ممزقتين. وتحدثت عن المعجزة التي حصلت للاولاد العشرين من ابناء الخمس الذين ترعاهم. الحقيقة هي ان المعجزة حصلت للعائلات في البيوت المجاورة، وهي بيوت ارضية، ضعيفة الاسقف ودقيقة الحيطان. لو ان هذا الصاروخ سقط على مبعدة امتار من هناك، الى هنا او الى هناك لاستطاع ان يقتل عائلة.

        بذور صيف

        صيغة خطت عملية الجيش الاسرائيلي في القيادة الجنوبية في سنة 2006. فقد عمل قائد المنطقة يوأف جلنت فيها مع قائد سلاح الجو، اللواء اليعازر شكدي، ومع قائد فرقة غزة، العميد تشيكو تامير. بدأ العمل في الخطة في فترة ولاية رئيس الاركان السابق دان حالوتس. كان التخطيط لعملية تكون مبنية على التأليف بين كتلة من الطائرات المقاتلة والمروحيات والقوات البرية. في تموز 2007 كان تدريب تام اول على خطة العمليات. في الشتاء وقف العمل في الخطة. في اذار 2008 اجري تدريب اخر بمشاركة سلاح الجو ولوائي المشاة والمدرعات. عندما حل جابي اشكنازي محل حالوتس، وحل عيدو نحوشتان محل شكدي وايال ازينبيرغ محل تامير استمر العمل كالمعتاد تحت سيطرة جلنت.

        توجد مبالغة غير صغيرة في التوكيد هذا الاسبوع لتحضيرات الاشهر الاخيرة. صحيح انه كانت هنالك عمليات تجميع استخبارية وتحسينات طفيفة للتفصيلات، لكن المخطط بقي كما كان. كان يصعب التحرر من انطباع ان المجد الذي اتصل بالعمليات التي تمت في الفترة الاخيرة، نبع من اعتبارات علاقات عامة وربما احساس بالذنب: كان يجب على احد ما ان يبين لماذا لم تنفذ العملية في الصيف الماضي عندما كان مستودع سلاح حماس اصغر كثيرا.

        تهيئة الارض

        قال ايهود باراك هذا الاسبوع في احدى مقابلاته، انه لا يأسف لحظة واحدة لاشهر التهدئة مع حماس، والجنود الذين لم يقتلوا، والمواطنين في الجنوب الذين تمتعوا بفترة هدوء نسبي. لا يجب على دولة كاسرائيل ان ترد عسكريا على ازدياد قوة الطرف الثاني، الا ان يكون ذلك تطويرا لسلاح غير تقليدي، قال باراك. فضلا عن ذلك كنا في ذروة مسيرة سياسية بعد مؤتمر انابولس. لم يكن العالم ليتفهم هجوما على غزة ولا ليقبله.

        الى ما قبل ثلاثة اشهر كان اولمرت شريكا في توجه باراك. فقد خاف اولمرت انجرارا الى احتلال غزة. وقال اذا احتللناها فماذا سيحدث في الغد. وعندما خلص اولمرت الى استنتاج ان الوضع في بلدات غلاف غزة اصبح لا يطاق، لم يكن يستطيع فعل الكثير. وقد واجه وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان اللذين ارادا الانتظار. ففي اسرائيل لا يستطيع رئيس حكومة ان يفرض عملية عسكرية عندما يعارضها وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان. ان ما غير رأي باراك سلسلة الاحداث بعد ان هاجم الجيش الاسرائيلي نفق حماس على محور هوبراس. ردت حماس باطلاق كثيف للصواريخ لم يكن يمكن تفسيره الا على انه تحلل تام من قواعد اللعبة.

        يعتقد باراك انه قد قضي على اسرائيل ان تحيا من مواجهة الى مواجهة ومن جولة الى جولة. فحماس تتلقى ضربة وتبادر تهدئة، وتزيد قوتها من جديد، وتطلق الصواريخ، وتضرب، وتزيد قوة وهكذا دواليك. ويرى انه لو كنا هاجمنا حماس في الصيف الماضي لضطررنا مرة اخرى الى مهاجمتها الان. لهذا لا داعي الى التسرع. يصاحب هذا مشكلة موضع باراك، رئيسا لحزب يقع الى اليسار من المركز. الصفة التي يكثر الحديث عنها هي الرزانة. فهو رزين اما الاخرون فمتحمسون.

        من جهة القيادة الجنوبية، اتى قرار العملية في الدقيقة التسعين، في الفصل غير الصحيح. ففي الصيف تكون القوة المهاجمة حرة في تحديد ايقاع القتال. اما في الشتاء فان حالة الجو عامل معوق. والمثل المحسوس على ذلك كان هذا الاسبوع عندما طرأ انخفاض كبير لايقاع تقدم العملية بسبب اليومين الماطرين في الجنوب. وقد تضررت في الاساس عمليات المروحيات الحربية. وانخفضت الطائرات الصغيرة بلا طيار تحت الغيوم، ولم تستطع القوات البرية الحركة للمطر والوحل.

        زار اولمرت وباراك مقر قيادة المنطقة الجنوبية في بئر السبع في يوم الثلاثاء. الح الضباط عليهما ان يأمرا بعملية برية. ايمكن تحقيق هدف العملية بغير عملية برية، سأل اولمرت. اجاب جلنت هذا نظري. اما بالفعل فان حماس لن تنحني بغير عملية برية. سيستمر اطلاق الصواريخ. اذا لم ندخل فستصبح عسقلان واسدود مدينتين مهجورتين. ان طول التهدئة التي ستأتي بعد ذلك سيكون على قدر الضربة التي نوجهها. حتى لو وجد مصابون فلا يحل ان نضعف. لا توجد حرب نقية.

        واجه اولمرت وباراك معضلة الثمن. تحدث احد التقديرات عن مئتي جندي قتيل في دخول كثيف الى غزة. سيغير الجمهور الذي يريد عملية كبيرة كثيرا رأيه عندما يرى التوابيت. فضل باراك صياغة المعضلة بمفاهيم الكلفة بازاء الفائدة: فهل تسوغ القيمة المضافة لعملية احتلال في غزة كلفة حياة الجنود، سأل، ومكانة اسرائيل في العالم، واستقرار نظم الحكم العربية المعتدلة وتجديد ممكن للارهاب من القدس والضفة. كانت افتراض عمله ان حرية عمل اسرائيل محدودة.

        عندما عرض اولمرت على المجلس الوزاري الامني، للنقاش والتصديق، عملية "الرصاص المسكوب"، خطب خطبة لا نظير لها، خطبة فينوغرادية. يبدو انه الى اليوم لم يشفع رئيس حكومة في اسرائيل خروجا لعملية عسكرية باقوال كئيبة ومتشائمة الى هذا الحد. "سيكون سقوط الصواريخ في الجبهة الداخلية اكثر كثيرا مما كان في حرب لبنان الثانية"، قال. "سيكون الكثير جدا من المصابين من الجنود، والقتلى والجرحى. لا يمكننا ان نقول ان العملية ستنتهي في ايام. ولا يمكن ان نضمن الا يضربنا النظام الدولي. قد تجرنا العملية الى بقاء طويل في غزة. وسيضطر مواطنون كثير الى ان يمكثوا وقتا طويلا في الملاجىء. سيكون اضرارا لا يستهان به بالسكان في اسرائيل. ستقترب الصواريخ من مناطق تجمع السكان. ويتضرر الجهاز الاقتصادي. وستزيد نفقة الامن. اؤيد العملية. ويؤيدها كذلك وزير الدفاع ووزيرة الخارجية. يحق لكم ان تصوتوا معارضين. لكن لا تقولوا فقط (كما قال شمعون بيرس في شهادته امام لجنة فينوغراد عن تصويته مؤيدا تلك الحرب)، انكم صوتم مؤيدين لانه لم يكن مريحا لكم ان تصوتوا معارضين. فاليصوت معارضا من لا يريحه ذلك".

        أيد احد عشر وزيرا. لم يعارض احد ولم يمتنع احد.

        ضجيج الانتخابات

        بدأت العملية باجماع لا في الحكومة وحدها بل في الجهاز السياسي كله، والجمهور وفيه مئات الاف تعرضوا لاطلاق الصواريخ في الجنوب. برغم الارتياب الذي يصحب كل اجراء لحكومة اولمرت، رأوها ضرورة وفعلا نقيا.

        مع ذلك لم يكن من الممكن الفصل بين ازيز الطائرات وضجيج الانتخابات. في السبت بعد الظهر، بعد بضع ساعات من انقضاء اول هجوم لسلاح الجو، قرأ باراك بلاغا الى الامة في غرفة الطعام في معسكر هيئة القيادة العامة، تلك الغرفة التي استضافت مقابلات حاسمة لرابين وشارون في الماضي. لم تنسق مقابلة باراك مع اولمرت. ولم يحضرها رئيس هيئة الاركان ولا قادة اخرون من الجيش الاسرائيلي. لقد عرضت في واقع الامر باراك على انه الشخص الوحيد المناصر للعملية، والشخص الذي قررها، ويقودها بلا تراخ. غضبت تسيبي لفني غضبا شديدا. وقرر اولمرت الذي لم يكن عازما على الظهور ازاء عدسات التصوير في ذلك المساء انه يجب عليه "صنع نظام". لا مناص. لا من اجله فقط بل من اجلها ايضا.

        استدعى الاثنين واقنعهما بالظهور معا في تصريح يقرأه على الامة. أتي على عجل بكراسي الى غرفة المباحثات في الطابق الاول من وزارة الدفاع القديمة- مكتب رئيس الحكومة في تل ابيب اليوم- ورفع علم اسرائيل في الخلف. حاولوا تعليق خريطة للمنطقة على الستارة ولم ينجحوا. في البدء اقاموا منصة لخطيب واحد، بعد ذلك جروا الى المقدمة طاولة للثلاثة.

        كانت لفني اسيرة الشكر. وجلس باراك موبخا. اما اولمرت الذي عانى نزلة صدرية فقد سمع مريضا.

        كانت المطابخ – اي فريق من قائدين او ثلاثة يقود الاجراءات العسكرية- في اسرائيل في الماضي. تميز جزء كبير من المطابخ في حروب اليهود. رابين وبيرس في عنتيبا وجولدا وديان والون في يوم الغفران وغير ذلك. كان الشيء المتميز في مطبخ اولمرت ظل المعركة الانتخابية. تؤكد لفني وباراك ايضا انه في جميع اجراءاتهما، وجميع التقديرات لم يكن لقضية الانتخابات ذكر. بل ان الانتخابات لم تخطر لهما على بال. ان من ينظر من الجانب يستطيع ان يفكر تفكيرا مختلفا.

        في حين ان اثنين من الثلاثة ينافس بعضهما بعضا في نفس احتياطي الاصوات، في منافسة يريانها مصيرة، حظي الثالث بالاعفاء. يرى اولمرت الحرية التي اعطيها امتيازا. فهو يخرج اللقاءات معهما، ويمنحهما التكريم، ويحرص على اشراكهما في كل قرار ويحتفظ بمكانته متقدما. في هذه الاثناء يكافئه كلاهما بالمدائح.

        يرى اولمرت العملية الحالية كمثل تقويم له. فالعملية ستسوغ باثر رجعي اجراءاته في حرب لبنان الثانية كما يعتقد. بعد سنتين ونصف، قال اولمرت في احد النقاشات، لم تطلق طلقة واحدة من حدود لبنان. ليتنا نصل الى نتائج مشابهة بالعملية الحالية.

        من بين ما يحرص عليه ان يجري من مكتبه اتصالات بقادة الدول الاجنبية. والقصد من ذلك منع ضغط من الخارج يضيق مجال العملية العسكرية. وفي المرحلة الثانية القصد اعداد الوسائل لاحراز وقف اطلاق نار. تحدث ثلاث مرات الى غوردن براون ومرتين الى انجيلا ماركل، وثلاث مرات الى كوندوليزا رايس. وطلب الى تسيبي لفني ان تشاركه حديثه الى رايس. وقال لرايس ايضا ان لفني موجودة في الغرفة.

        في الطريق يهاتفها توني بلير، مبعوث الرباعية الى الشرق الاوسط. يريد ان يعلم كم سيستغرق الامر من الوقت. كان جواب لفني غامضا: فالغموض هو الشيء الصحيح من جهة العمليات، وفوق ذلك من ذا يعرف. تحدثه لفني عن مكالمة هاتفية تلقتها قبل ذلك في سديروت من وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليبند. وقد اشتهى هو ايضا ان يعلم متى تفكر اسرائيل في الانهاء. لا تنسى لفني ان تتمنى لكليهما سنة حسنة.

        صوت العالم

        عندما استقر الرأي على العملية، تم الحديث كثيرا عن نافذة الزمن التي اعطتها اسرائيل الاعياد المسيحية: بين عيد الميلاد ونهاية السنة يكون العالم المسيحي مشغولا بالاحتفالات لا باخماد الحرائق في الشرق الاوسط. وموعد مهم اخر هو 20 كانون الثاني، يوم اداء اوباما اليمين الدستورية. لا تريد الحكومة بدء علاقاتها بالرئيس الجديد بدءا سيئا.

        الاهتمام الذي تبديه حكومات اجنبية بالعملية، يكمن بقلقهم لنظم الحكم المعتدلة في العالم العربي. لا تنوي الادارة الامريكية محادثة حماس مباشرة. واعطى رئيس فرنسا ساركوزي اولمرت التزاما مشابها. ورايس قلقة مما يحدث في الجامعة العربية ومجلس الامن. ومصر والسلطة الفلسطينية تبثان كالمتوقع رسائل متناقضة. ففي تصريحات معلنة تنددان بالعدوان الاسرائيلي وتدعوان الى وقف اطلاق نار من الفور؛ لكنهما تهمسان اضربوهم ضربا شديدا. هذه الحال الان، لكن اذا قويت المظاهرات وهددت نظم الحكم العربية, فان التصريحات العلنية المعارضة لاسرائيل ستنتقل من الخطابة الى الفعل، ويزداد الضغط من الغرب ايضا.

        يوجد فرق بين نظر الجماعة الدولية الى المواجهة بين اسرائيل وحزب الله في 2006 ونظرها الى المواجهة الحالية مع حماس. تبين تسيبي لفني ذلك على هذا النحو: يوجد في العالم جماعة من الدول لها اهتمام خاص بلبنان، وتوجد جماعة اخرى لها اهتمام خاص بالفلسطينيين. الجماعة الاولى تكره حزب الله لما فعلته المنظمة بأعزائها في لبنان. وقد توقعت ان تثأر اسرائيل لها. والجماعة الاخرى تكره حماس لما فعلته بالسلطة الفلسطينية. الفرق انهم اشد كرها لحزب الله لكنهم يرحمون الفلسطينيين. كلما كانت الصور من غزة اصعب تضاءلت شرعية العملية الاسرائيلة في العالم.

        عندما دخل باراك منطقة اولمرت، في قضية المباردة الفرنسية بوقف اطلاق النار، نشأ احتكاك بين الاثنين. وقف اولمرت ولفني في هذه النقطة في معارضة باراك.

        التماس الفرنسي

        في مساء يوم الاثنين، في تقدير الوضع الحالي، تحدث باراك معارضا اي ذكر لوقف اطلاق النار. كانت الخطبة جارفة. تحدث احد مشاركي النقاش بعد ذلك بانفعال عن الهياج وعن الشحنة العاطفية. قال باراك كل حديث عن وقف اطلاق النار قد يكون فتاكا. فحماس تسمع وتقوى. وتستنتج ان اسرائيل متعبة ومتحمسة لوقف النار. اذا صمدت اياما اخرى فستخرج منتصرة.

        في ذلك اليوم تلقى باراك مهاتفة من برنار كوشنر وزير الخارجية الفرنسي. يرى باراك كوشنير صديقه، ورفيق درب سياسي (كان كوشنير من قادة الحزب الاشتراكي الى ان انضم الى ساركوزي اليميني). وهما يتحادثان في اوقات متقاربة. عرض كوشنير على اسرائيل ان توافق على وقف اطلاق النار لثمان واربعين ساعة (وربما لثمان واربعين ساعة بعد ذلك) وان تفتح ممرا انسانيا الى غزة.

        رد باراك بالموافقة. وقال انه ابلغ في ذلك المساء اولمرت بالتوجه. لم يعمل من وراء ظهر الحكومة (سمعت لفني بالمبادرة من مصادر فرنسية). في الغد في الحادية عشرة قبيل الظهر هاتفه كوشنير ثانية مؤملا الحصول على جواب. قال باراك انه يؤيد لكن يجب ان يحدث اولمرت في ذلك. وهنا تعقدت القضية.

        التقى باراك 18 ضابطا رفيع المستوى (احتياط)، جنرالات وعمداء. اجاب خمسة عشر منهم بالايجاب عندما حدثهم باراك عن المبادرة الفرنسية. وقالوا له ربما تكون هذه انجح لحظة للوقف. وكان الرئيس شمعون بيرس يجلس عنده. حدثه باراك. وايد بيرس. قال بيرس لباراك قل لكوشنير انه يحسن بحماس ان تتبنى ايضا مبادرة السلام العربية.

        طار اولمرت وباراك لزيارة القيادة الجنوبية في بئر السبع. في اثناء الزيارة قال باراك لاولمرت: ماذا عن التوجه الفرنسي. يحسن ان تزنه. رد عليه اولمرت بقصاصة ورق: لا تعط جوابا ايجابيا لانني افحص امكان اخر مع كوندوليزا. عاد باراك الى تل ابيب والتقى سبعة صحافيين لتوجيه صحفي. تقرر التوجيه قبل ذلك باسبوع. حدث باراك الصحافيين عن المبادرة الفرنسية، لكن لا للنشر. وصفها وصفا ايجابيا كثيرا، نشر النبأ وحدثت جلبة.

        في المساء دخل باراك للقاء مع اولمرت وحدهما افرد له نصف ساعة. وقد حدثه على الاتصال بساركوزي وماركل وتشجيعهما على تقديم مبادرة وقف اطلاق النار. وعبر عن استعداد للتخلي عن خمس عشرة دقيقة من لقائه لتمكين اولمرت من القيام بالاتصالات.

        قال له اولمرت سأهاتفهما بعد ذلك بعد تقدير الوضع. في هذه الاثناء، في الخامسة والنصف مساءا هاتف جان لوي دافيد مستشار ساركوزي السياسي، شالوم ترجمان مستشار اولمرت السياسي، وطلب ان يشكر لاولمرت تبنيه المبادرة الفرنسية. سمع اولمرت عن المكالمة الهاتفية ودهش. لم يعلم انه تبنى المبادرة.

        في اثناء تقدير الوضع في ذلك المساء وضع باراك المبادرة على المائدة. بحسب انطباعه مال اولمرت الى تأييدها. فجأة غير رأيه، ربما في اثر مكالمة هاتفية تلقاها، وربما بعقب اقوال قالها رئيس الشاباك دسكن ورئيس هيئة الاركان اشكنازي ووزيرة الخارجية لفني. اما اولمرت فيقول انه عارض منذ اللحظة الاولى. تعترف اسرائيل التي زعمت انه لا توجد مشكلة انسانية في غزة، فجأة بأنه توجد حاجة الى مممر انساني. خرجنا في العملية لاضطرار حماس الى طلب وقف اطلاق النار. يبدو الان كأننا نحن نطلبه.

        طرح الاقتراح عن جدول العمل. اتصل اولمرت بساركوزي ودعاه الى عشاء في بيته عندما يأتي اسرائيل في الاسبوع القادم. كان يفترض ان تسافر لفني الى باريس للقاء وزراء خارجية اوروبيين. اضاعت اللقاء لكنها سافرت لبضع ساعات في يوم الخميس للتحقق من ان ساركوزي سيخزن مبادرته ولا يأخذها معه الى الشرق الاوسط. وافق اولمرت على السفر. وقال هذا عملها. وفضلا عن ذلك هي في معركة انتخابية. هي زعيمة حزبه وهي محتاجة الى الشهرة.

        يعتقد باراك، ربما بقدر من الحق، ان المبادرة الفرنسية لم تختف. ستعود. والسؤال مفتوح، كيف ستعود، هل تعود كاجراء لانهاء القتال عندما تتهيأ الظروف لذلك، او في اطار الجدل الذي سينشأ في اسرائيل اذا تعقدت العملية. سيقتل جنود، ويثار السؤال، اكان سقوطهم حقا ام كان اصح قبول مبادرة وقف اطلاق النار. "قلت لكم" هي احد المزاعم الاكثر غلبة على الجدل السياسي في اسرائيل ولا سيما في موسم انتخابات. لم تنته اي حرب ها هنا بغير تشخيص "قلت لكم".

        قوة الاحتمال

        في بدء الاسبوع سقط صاروخ قسام في شارع عاميعوز في عسقلان، قبل الحقول بكتلة سكنية واحدة. خرج الصاروخ من شمال غزة، ومر فوق محطة طاقة شركة الكهرباء وانفجر في الشارع. في غضون دقائق اتى عمال، واستلوا بقايا الصاروخ وغطوا الحفرة بالاسفلت. بعد ذلك من الفور اتى موظفوا ضريبة الممتلكات. بخلاف حرب لبنان الثانية، ردوا السلطات وفيها الحكومة سريع وناجع. هذه المرة ليست الاتحادات هي التي تدير الجبهة الداخلية بل الحكومة.

        سقط الصاروخ بين بيوت سكنية جديدة، تغطي حجارة فسيفساء بلون لازوردي واجهتها، في اسلوب الاخوان جيندي وبين مركز تجاري صغير.

        كانت الحانوت التي تضررت بالانفجار سوبرماركت روسيا صغيرا يسمى "يامي يامي". تلقت اللافتة بالروسية والعبرية شظيتين، وصلتا حتى خزانة النقد. تعلوها لافتة دعاية كبيرة للفوتكا الروسية. هشمت نوافذ العرض. وكذلك زجاجات الخمر وفيها نبيذ جروزنيّ حلو ينتج في اسرائيل. بقي اكثر البضاعة بلا ضرر.

        تحدث قائد الجبهة الداخلية يائير غولان الذي تحمل التبعة عن الجبهة الداخلية في هذه العملية، تحدث قبل بضعة اسابيع عن المواجهة المقتربة. واقترح جعلها متناسبة. "يجب علينا ان نجعل التهديد طبيعيا"، قال "في ثلاثة وثلاثين يوما من حرب لبنان الثانية لم ينفجر في الدولة اكثر من ثلاثين طنا من المتفجرات. في الاسابيع التسعة الاولى من الهجوم الجوي الالماني على بريطانيا انفجر في كل ليلة 206 اطنان من المتفجرات و 186 قنبلة حارقة. بقي البريطانيون. لا يحل لنا ان نعظم التهديد اكثر من الحد المناسب. لا نفتح ها هنا صفحة جديدة غير معروفة في المعاناة الانسانية".