التسول في غزة.. هل هو حاجة وعوزّ أم صناعة ومهنة؟

الساعة 05:13 م|22 مايو 2018

فلسطين اليوم

ما إن فرغ المواطنون من صلاة المغرب متوجهين لتناول وجبة الافطار، حتى فوجئوا بشاب في الثلاثين من عمره يجلس بثياب بالية ومرقعة أمام أحد المساجد برفقة نجله الصغير الذي لم يبلغ العامين، مفترشاً الأرض وأمامه وجبة إفطار تحتوى على بعض البطاطا المسلوقة.

وبعبارات تحاول استرقاق قلوب الناس يمد يده للمارة قائلاً:" يستر على ولايكم، رزقني، علشان خاطر الطفل الصغير"، ما أثار حالات استهجان واستغراب من المواطنين.

هذا السيناريو تتكرر مشاهده في كل يوم، ما بين نساء يلبسن النقاب ويحتضنون أطفالاً في عمر الزهور، وُمقعد يجوب الأسواق على كرسي متحرك، ويمسك ورقة تقرير طبي بحالته المرضية، ويناشد الباعة والمتجولين بمساعدته بمبلغ بسيط من المال.

ومع بداية شهر رمضان يكثف المتسولون من نشاطهم وينتشرون في الشوارع العامة والحدائق والمساجد والأسواق, كما يبتكرون أساليب جديدة للحصول على المال من المواطنين.

المواطن إبراهيم النجار عبر عن امتعاضه الشديد من ظاهرة التسول خاصة في شهر رمضان وقال: "لا اعرف هدف هؤلاء المتسولين من جلوسهم في الطرقات وأمام المساجد وفي الأسواق, أليس لديهم أدنى حد من الكرامة؟ فليس كل الناس يعطونهم المال ومن المؤكد أن الكثيرين يغلقون الأبواب في وجوههم ومع ذلك يصرون على التسول".

وأضاف: ليس كل من يتسول هو بحاجة فعلا للمال، فقد تجد بعضهم يمتهن التسول ويجني المال الوفير يوميا إلا انه لا يقنع ويطمع في المزيد, ويجب على الحكومة وضع حد لهذه الظاهرة.

من ناحيته عبّر المواطن محمد سعيد 45 عاما عن حزنه من انتشار هذه الظاهرة، ملتمساً العذر لهؤلاء الأشخاص الذين يمدون يدهم للناس بسبب الأوضاع الصعبة التي يمر بها القطاع.

ولم ينسَ سعيد أن يوضح أن الانقسام هو أحد أسباب اقبال الناس على التسول، مناشداً الرئيس محمود عباس بضرورة رفع العقوبات التي تم فرضها على قطاع غزة.

من جهته قال أحمد عويضه صاحب محل للجوالات في خانيونس:" ظاهرة التسول هي من أسوأ الظواهر التي تصاحب شهر رمضان، وأنا أصبحت أعاني منها بشدة خاصة في المحل".

ويضيف:" يوميا يطرق باب المحل العشرات من المتسولين وبعضهم شباب وأحيانا أطفال ونساء وكبار سن.. وبصراحة لم اعد اصدق أن كل هؤلاء بحاجة ماسة للمال بل معظمهم أصحبوا يمتهنوها".

وتزايدت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة؛ بعد تراجع الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، الأمر الذي فرض على بعض العائلات اللجوء إلى التسول كوسيلة لتوفير مستلزمات الحياة. 

وسبّب التوقف شبه التام لكافة مرافق القطاعات الاقتصادية، والناجم عن استمرار إغلاق المعابر ومنع التدفق الحر للواردات والصادرات الغزية من السلع والبضائع، إلى مزيد من الفقر والبطالة بين صفوف العاملين فيه، ما دفع العديد منهم لامتهان مهنة التسول من أجل توفير المستلزمات المطلوبة منهم لعائلاتهم.

من جهته رأى الدكتور درداح الشاعر أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى، أن التسول من الأخلاق السيئة التي انتشرت في المجتمع الفلسطيني ما أثر سلباً على الحالة النفسية لنظرة المجتمع للمتسول.

وأكد الشاعر، أن للتسول أثاره السلبية على المتسول ذاته، حيث ينطوي على إهدار لكرامة المتسول الإنسانية؛ إضافة إلى أثره على المجتمع الذي يحيله إلى مجتمع كسول خامل يتصف أبناؤه بالاتكالية والبعد عن العمل المنتج.

ولفت إلى أن الظاهرة أساءت الي اخلاق المجتمع الفلسطيني بشكل عام، فهي لا تعبر عن الحاجة بقد ما تعبر عن مهنة أو صنعه يستغلها المتسولون، خاصة الكبار عندما يدفعون بأبنائهم الصغار، وفق قوله.

وأشار إلى أن مخاطر التسول خطيرة، خاصة اذا ما ارتبطت مع النساء حيث تتحول إلى مطمع لمن يقدم لها المساعدة وبالتالي يستغل كرامتها وشرفها في مقابل فتات المواد.

وأوضح إلى أن علاج ظاهرة التسول تكون بتوفير فرصة عمل للقادرين على العمل، أما في حال لم يوفر المجتمع لهذا الانسان فيذهب إلى نظام التكافل الاجتماعي في المناطق، وبالتالي يمكن أن يقوم الأغنياء بتقديم مساعدات لهذه الأسر، حسب قوله.

وحسب الشاعر فقد لاحظ من خلال مشاهد حية في المجتمع الفلسطيني وجود بعض الصبية المتسولين يمسكون بأطراف ثوب المرأة وخصرها من الخلف في مسلكيات لا اخلاقية يمارسها المتسولون.

وقال:" التسول لا يعبر عن حاجة مادية وإنما صناعة لا اخلاقية ينتهجها بعض الناس وقد لا يكون في حاجة لها"، مضيفاً الأصل أن يتحرى الانسان المسلم معرفة الفقراء والضعفاء ويحاول أن يتكافل معهم إن عجزت المؤسسات الرسمية عن تقديم الخدمة لهم.

واستبعد الشاعر أن تكون الأوضاع الصعبة أن تكون مبررا للتسول، مؤكداً أن المجتمع الفلسطيني لم يوجد فيه من مات من الجوع والانسان يمكنه ان يعيل أسرته بقضايا بسيطة.

واعتقد الخبير والمختص النفسي أن التسول يفتح طمع النفس البشرية، فالمتسول لا يبحث عن ما يقتات به من ضروريات الحياة بقدر أنه يبحث عن وسائل ترفيهية وكنز المال.

المصدر: سبق 24

كلمات دلالية