الجيش الإسرائيلي ما بين كوابح الحرب واستمرار التصعيد- حسن لافي

الساعة 01:12 م|20 مايو 2018

فلسطين اليوم

كاتب فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي

رغم دعم المؤسّسة العسكرية والأمنية للخط التصعيدي ضد محور المقاومة على الجبهة الشمالية، إلا أن الكوابح للذهاب إلى حرب الشمال فاعِلة، كونها عوائق بنيوية داخل هيكلية الجيش وعقيدته، لذلك من المتوقّع الاستمرار في حال التصعيد من خلال استراتيجية "المعركة بين الحربين"، من دون الوصول إلى المواجهة المفتوحة، لعدم مقدرة "إسرائيل" الذهاب إلى الحرب في ظلّ هذه الكوابِح.

 رغم دعم المؤسّسة العسكرية والأمنية للخط التصعيدي ضد محور المقاومة على الجبهة الشمالية، إلا أن الكوابح للذهاب إلى حرب الشمال فاعِلة

رغم دعم المؤسّسة العسكرية والأمنية للخط التصعيدي ضد محور المقاومة على الجبهة الشمالية، إلا أن الكوابح للذهاب إلى حرب الشمال فاعِلة

ازدياد حال التوتّر الأمني والعسكري على الجبهة الشمالية، وتسارُع ملحوظ بعمليات القصف الصهيوني للأراضي السورية، في ظلّ هذه الأجواء تصريحات الساسة "الإسرائيليين" تحاول تصدير حال من الثقة العالية بقدرة جيشهم على تحقيق النصر الحاسِم على أعدائهم، حيث وجّه نتنياهو رسالة تحذيرية إلى محور المقاومة في الجبهة الشمالية "أن مقاتلي الجيش الصهيوني والأجهزة الأمنية جاهزون لكل السيناريوهات، سنقاتل ضد كل مَن يحاول أن يستهدفنا، لن نرتدع من تدفيع أعدائنا الثمن، والجيش مستعد للمهمة، والشعب سيصمد".

 

 حقاً الجيش الصهيوني مستعد لخوض حرب الجبهة الشمالية؟ أم هناك كوابِح تمنع الجيش الصهيوني من الذهاب إلى حربٍ مفتوحة مع محور المقاومة في الجبهة الشمالية؟.

 

نُشِرت دراسة لمدير قسم الجيش والاستراتيجية في معهد الأمن القومي الإسرائيلي "جافي سيفوني"، يناقش فيها سؤالاً مركزياً، لماذا رغم قوّة الجيش "الإسرائيلي" شبه المُطلقة في العقود الأخيرة بالنسبة لأعدائه، إلا أن إنجازاته مستمرة بالتراجُع؟ مؤكّداً على ذلك، بعدم قدرة الجيش الصهيوني على تحقيق الانتصار الحاسِم كما كان في حرب 1967، أو حتى في ازدياد الفترة اللازمة لتحقيق بعض الإنجازات أمام أعدائه، ويدلّل على ذلك، أنه رغم فارِق القوّة ما بين "إسرائيل" وحزب الله في عام 2006، وتجاه المقاومة في غزّة عام 2014، إلا أن نتائج الحرب بالنسبة "لإسرائيل" كانت جزئية، وأخذت وقتاً أكثر من اللازم لتحقيقها.

 

 أرجع "سيفوني" الأمر إلى التغيّرات، التي طرأت على نوعيّة التهديدات، التي تواجه دولة الاحتلال في ظل ما يُسمّى "بالحروب الجديدة"، من دون أن يكون لدى الجيش الصهيوني عقيدة عسكرية تتواءم مع هذا النوع من الحروب، نتيجة لضعف الهياكل البنيوية في الجيش والتدريب على تطوير عقيدة قتالية تناسب الأوضاع الجديدة.

 

إن دراسة التصعيدات الحالية على الجبهة الشمالية على ضوء ما طرحه "سيفوني"، يُمكننا من ملاحظة مجموعة من التغيّرات، التي تُعتَبر عوائق أمام اتخاذ قرار الذهاب إلى الحرب الشاملة لدى قيادة الجيش في "إسرائيل" أهمها:

 

أولاً: نوعية العدو، لم يعد جيش الاحتلال يواجه جيوشاً تقليديةً، حيث حوَّل الجيش السوري جزءاً كبيراً من قواته النظامية إلى مجموعات مسلّحة قريبة من المليشيات الشعبية لمواءمتها مع طبيعة القتال أثناء الأزمة السورية، بالإضافة إلى مساندة عدد كبير من القوات الشعبية المتطوّعة بجانبه، ذات الطابع الأيديولوجي المُعادي "لإسرائيل"، أما على صعيد حزب الله فتطوّرت قدراته العسكرية لما تقارب قدرات الجيوش النظامية، مع الاحتفاظ بأسلوب حرب العصابات المعتاد كعقيدة عسكرية، ولكن التطوّر الأهم وجود دولة اقليمية قوية كإيران في أرض المعركة، كمُشارك فاعِل وليس مجرّد داعِم لوجستي فقط، هذه التركيبة التي تجمع في آن واحد ما بين خصائص الجيوش النظامية، وأسلوب حرب العصابات الأيديولوجي، وإمكانات الدول التكنلوجية العسكرية، خلقت عدواً ذا مواصفات غير معتاد العقل العسكري الصهيوني على مواجهته.

 

ثانياً: التغيّرات الجيوسياسية، تولّدت قناعة صهيونية بانتهاء زمن جبهة لبنان، وجبهة سوريا، وأن الحرب القادمة هي حرب الشمال، وهذا يعني اتّساع كبير في خط المواجهة يصل إلى طول 155كم على امتداد الحدود السورية اللبنانية، ناهيك عن العُمق الجغرافي اللوجستي الاستراتيجي التي تصفه "إسرائيل" "بالأوتوستراد البري" ما بين طهران دمشق مروراً ببغداد، نتيجة ذلك لن تستفيد "إسرائيل" من تكتيك زيادة حجم استخدام قوّة النيران المُرتكزة على معلومات استخباراتية تكنولوجية وفاعلية سلاح الجو، وكأن الحرب تُدار من خلال شاشات وأزرار الحواسيب، بل  يجب على جيشها النزول إلى أرض المعركة من خلال استخدام المناورة البرية بالمفهوم العمَلاني للجيش لتحقيق النصر الحاسِم، الأمر الذي نوّهت إليه الوثيقة الاستراتيجية للجيش التي تم نشرها عام 2015 ، حيث حسب الوثيقة "في الصراع القادم سيوجّه الجيش ضربة مُركّبة مباشرة وفي ذات الوقت تتضمّن مناورة أرضية سريعة وقاسية ونيران كثيفة ودقيقة"، الأمر الذي تطلّب وضع خطّة رئيس الأركان القادِم من سلاح المدرّعات "جادي أيزنكوت" المُسماة "جدعون"، الهادفة إلى تطوير سلاح المُشاة خلال خمس سنوات، ولكن مع إشكاليات الموازنات على ضوء التجاذبات الحزبية الداخلية، الحديث يدور حول تمديد الفترة الزمنية اللازمة لهذه الخطة لاكتمال تحقيق أهدافها.

 

ثالثاً: التطوّر في القدرات والأسلحة القتالية ، خاصة التطوّر النوعي للمنظومة الصاروخية لدى محور المقاومة، سواء بالكم والمدى والدقّة والقوّة التدميرية ، أو سواء بامتداد المساحة المنتشرة عليها منصّات الصواريخ ، سيُفقِد دولة الاحتلال القدرة على مهاجمتها، والقضاء عليها قبل انطلاقها، لذلك ستكتفي بالعمل على الحد من  تأثيراتها التدميرية داخل جبهتها الداخلية، من خلال تعزيز منظوماتها المضادّة للصواريخ بما يُسمّى بالدفاع الإيجابي، أو حتى بالاهتمام بتحصين جبهتها المدنية من خلال الدفاع السلبي، الأمر الذي تواجه به إشكاليات كبيرة، صرّح بها مراقب عام الكيان في مؤتمر هرتسيليا قبل عدّة أيام، عندما اعترف " أن هناك فجوات ضخمة في استعدادات الجبهة الداخلية في مستوطنات الشمال، من الممكن أن تزيد من نسبة تعريض حياة السكان للخطر في حال اندلاع الحرب".

 

رغم دعم المؤسّسة العسكرية والأمنية للخط التصعيدي ضد محور المقاومة على الجبهة الشمالية، إلا أن الكوابح للذهاب إلى حرب الشمال فاعِلة، كونها عوائق بنيوية داخل هيكلية الجيش وعقيدته، لذلك من المتوقّع الاستمرار في حال التصعيد من خلال استراتيجية "المعركة بين الحربين"، من دون الوصول إلى المواجهة المفتوحة، لعدم مقدرة "إسرائيل" الذهاب إلى الحرب في ظلّ هذه الكوابِح.