قطاع بلا مخرج - معاريف

الساعة 07:23 م|18 مايو 2018

فلسطين اليوم

بقلم: يوسي ملمان

 في الصيف ستكتمل أربع سنوات على الحرب الاخيرة في غزة، حملة "الجرف الصامد". توقف معظم المحللون في حينه بان اتفاق وقف النار الذي تحقق في نهايتها سيتحطم في غضون وقت قصير. كاتب هذه السطور قدر في حينه منذ ما بعد الحرب بان الاتفاق سيحترم. كانت هذه اربع سنوات من الهدوء التي اتاحت لسكان غلاف غزة عهدا من الازدهار والتوسع، ولكن ايضا أربع سنوات من ضياع الفرص. وسجل الاسبوع الدموي في غزة نهاية هذا العصر، حتى لو لم يقتل اسرائيليون في الاضطرابات.

في الجرف الصامد، تدهور الطرفان الى الحرب دون ان يرغبا فيها. كان هذا تصعيدا معروفا مسبقا، بدأ باختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون وقتل نشطاء حماس لهم، وتواصل بنار الصواريخ نحو الجنوب والردود المضادة من سلاح الجو. هذه هي ايضا التفسيرات الواردة لما حصل. ولكن احد الاسباب الخفية لاندلاع الحرب كان الاغلاق الذي فرضته اسرائيل على مليوني فلسطيني في القطاع. فقد فرض الاغلاق في اعقاب سقوط جلعاد شاليط في الاسر، ولكنه تواصل ايضا بعد تحرره في صفقة التبادل المعيبة. حماس، التي كانت في حينه في عزلة دولية وفي ضائقة، اعتقدت بان الحرب هي حل معقول للخروج من المتاهة.

وبالمناسبة، فان من الثمار الفجة لتلك الصفقة تعاني اليوم عائلات ابرا منغستو وهشام السيد اللذين انتقلا الى غزة (جمعة ابراهيم ابو غنيمة لا يعتبر اسيرا لانه انتقل الى غزة بمبادرته وانضم الى منظمة ارهابية). وعائلتا غولدن وشاؤول اللتان تريدان استعادة جثماني عزيزيهما. حكومة اسرائيل، وعن حق، مصممة على عدم تكرار تلك الصفقة. في كل الاحوال، اسرائيل لن توافق على تحرير اكثر من بضع عشرات المخربين بلا دم على الايدي واعادة جثامين مخربي حماس (اسرائيل تحتجز اليوم 25 جثة باوراق مساومة)، وهي تطلب ان تتوفر قبل بدء المفاوضات مع حماس ادلة على ان المدنيين الاثنين على قيد الحياة. اما حماس، بتهكم، فترفض وتطلب ان تحرر اسرائيل قبل كل مفاوضات العشرات من سجنائها. المخابرات المصرية، واغلب الظن بقدر اقل ايضا قطر ومحافل اوروبية تزور غزة، تتوسط في الاتصالات التي يديرها يرون بلوم، ممثل رئيس الوزراء الى المفاوضات – ولكن الصفقة لا تبدو في الافق.

الزمن باهظ الثمن الذي مر منذ صيف 2014 لم يستغل لتحقيق اتفاق. واضح ان الطرفين مذنبان في ذلك، ولكن هذا لا يغير الحقيقة الاساس. وضع غزة وسكانها ساء منذئذ بشكل لا يطاق. وزير الدفاع افيغدور ليبرمان يمنع جهاز الامن من وصف ما يحصل هناك كـ "مصيبة انسانية"، ولكن لا خلاف في الحقائق: المجاري تتدفق في الشوارع، تتسلل الى تحت الارض وتلوث مخزونات المياه الجوفية – في اسرائيل ايضا. يوجد خطر فوري لانتشار الاوبئة، والحدود لن توقفها. الكهرباء تضخ على مدى ثلاث ساعات في اليوم بالمتوسط، وهناك نقص في الادوية والعتاد الطبي.

منذ سنوات وجهاز الامن يوصي، وهو مدعوم من وزراء مثل اسرائيل كاتس ونفتالي بينيت، باتخاذ مبادرة لاعمار القطاع في ظل الحرص على حماية المصالح الامنية لاسرائيل. وحتى المخابرات الاسرائيلية، التي لم تكن متحمسة من الفكرة اقتنعت. ولا تنقص المشاريع والافكار: اقامة جزيرة ميناء على مسافة كيلو متر عن غزة، اقامة محطة توليد طاقة ومشروع لتحلية المياه، وبالطبع ترميم الطرق، شبكات المجاري وغيرها. كما أن المال لا ينقص. فقطر، السعودية، الاتحاد الاوروبي، اليابان، الصين والهند سيساهمون بنصيبهم.

ولكن كل هذه المبادرات تعطلت، بداية عند وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، الذي يذكر بانه وضع عبارة "كي الوعي" (للفلسطينيين)، والان عند ليبرمان. وحتى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على الاقل في مرحلته السابقة، قبل نشوى السنة الاخيرة، فكر ايجابا بخطوات في هذا الاتجاه.

وهكذا وصلنا الى هذه اللحظة. ليبرمان يملي على الحكومة السياسة ويطرح شروطا مسبقة لاعادة البناء: اعادة الاسرى والضحايا. نزع السلاح وتجريد القطاع. وحتى عندها فان اسرائيل لن تجري مفاوضات مباشرة مع حماس، لانها ترى فيها منظمة ارهابية. في هذه الظروف من اليأس، الضائقة والحصار، تتعاظم مصاعب حماس في الحكم. وهي تحاول المرة تلو الاخرى اقتحام الطريق المسدود من خلال العنف وسفك الدماء، التي لا تعد في نظرها، واسرائيل، في سياستها ذات نزعة القوة، تقع في الفخ. حماس غير معنية بالحرب، ولكن مثلما في 2014 من شأننا مرة اخرى ان نجتذب اليها.

لا شك أن اسرائيل محقة. فلا يمكن لاي دولة ذات سيادة ان تسمح لنفسها بان يقتحم اعداؤها حدودها. اسرائيل انتصرت هذا الاسبوع في المواجهة، حماس تراجعت. ولكن بثمن باهظ. كان يمكن للجيش الاسرائيلي أن يستخدم اكثر التفكير، كبح الجماح وضبط النفس. 62 قتيلا في يوم واحد و 110 في ستة اسابيع هذا اكثر مما ينبغي. من المهم للمرء ان يكون محقا ولكن يجدر به ايضا أن يكون حكيما، وكذا ان يكون المرء اخلاقيا هو امر لا يضر. يوجد ايضا ثمن اقتصادي، ناهيك عن الضرر اللاحق بصورة اسرائيل.

وختاما، كان أليما سماع وزراء الحكومة وضباط كبار، بمن فيهم الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي العميد رونين منليس يشرحون ويحللون الوضع ولا يطلقون حتى ولا جملة واحدة تعرب عن الاسف على موت عشرات الفلسطينيين – على الاقل اولئك الذين لم يكونوا اعضاء حماس والجهاد الاسلامي.

كلمات دلالية