من الذين ينفون؟ هارتس

الساعة 07:19 م|18 مايو 2018

فلسطين اليوم

بقلم: دانييل بلتمان

  كما يبدو، كانت تلك هي فقط مسألة وقت الى أن يأتي رد تاريخي موبخ حتى من جانب مؤرخين وباحثين هامين، على اقوال الهراء ذات الرائحة اللاسامية لمحمود عباس. البروفيسور دان مخمان، المؤرخ الرئيس لـ "يد واسم" وبخه على أنه لم يدرس كما يجب الحقائق التاريخية الاساسية عن الكارثة، وزعم أنه "من المحزن جدا حقيقة أن زعيم فلسطيني يطرح رواية تاريخية مشوهة فيما يتعلق بالتاريخ اليهودي بشكل عام وبالنسبة لظروف حدوث الكارثة بشكل خاص" ("هآرتس"، 9/5). هو يأسف لأنه بالتحديد بسبب تعقد الصراع عنا لا يسعى الزعماء الى تعلم التاريخ كما يجب.

لقد ذهب البروفيسور شلومو افينري أبعد من ذلك في تنكره لعباس، الخبير الذي له سمعة عالمية في الماركسية وتاريخ الصهيونية والقومية الحديثة. في مقال نشره هنا قبل اسبوع قال إنه ليس هناك احتمالية للقيادة في اسرائيل وحتى لليسار الاسرائيلي لاجراء مفاوضات مع الرئيس الفلسطيني، مع شخص يطرح افكار لاسامية بصورة مستمرة خلال سنوات كثيرة – منذ كتب رسالة الدكتوراة الخاصة به "التي تنفي الكارثة"، في الاتحاد السوفييتي في بداية الثمانينيات، لا يوجد ما يتحدث حوله. حسب تقدير افينري الذي يرتكز الى استعراض مفصل لاقوال زعيم فلسطيني خلال الثلاثين سنة الاخيرة فان عباس يحتفظ باعتقاد لاسامي منظم، ويتمسك به كموقف. ومع لاساميين كما هو معروف، ليس هناك حديث. استنتاج افينري هو الى حين أن يتم ابعاد واستبدال هذا الشخص بزعيم آخر، فان اسرائيل لا يمكنها اجراء مفاوضات مع القيادة الفلسطينية. حيث أن اللاسامية هي خط حدود لا يمكن اجتيازه. عن اهمية المقولة المعروفة "الوطنية هي الملاذ الاخير للشر" يمكن القول وحسب طريقة ادعاء افينري ان "اللاسامية هي الملاذ الاخير للوطني (الصهيوني)".

ليس واضحا الى اي حد عباس هو "لاسامي"، ومشكوك فيه اذا كانت رؤيته بشأن الكارثة التي ترتكز على دمج اشكالي من الهراء والدعاية المناهضة للصهيونية وعدم المعرفة، ذات علاقة مطلقة بشأن اتفاق السلام الذي يحاول عبثا التوصل اليه مع الحكومة الاسرائيلية. ولكن ما يقلق في رد افينري على اقواله بشأن الكارثة هو اخراج الكلام عن سياقه الذي يتبعه الكاتب المحترم في ادعاءاته. يبدو أنه يمكن فهمها فقط على خلفية انعدام القدرة على التحرر من قيود الرواية الصهيونية التي تملي تعامل وحيد الاتجاه ووحيد الابعاد مع كل تصريح يثير الخلاف (ولاسامي) لزعيم فلسطيني، الذي يؤدي الى استنتاج أنه "لا يوجد شريك" – مثل مقولة اهود باراك المشهورة.

هذا التعامل يعبر عن نسبية تاريخية اشكالية بالنسبة لموقف اسرائيل بشأن اللاسامية، الذي يتجاهله افينري. فيكتور اورباخ، زعيم هنغاريا الاستبدادي لاسامي على النمط الاوروبي القديم، من النوع الذي سبب الابادة لملايين اليهود في اوروبا في الحرب العالمية الثانية. في حملة حزبه قبيل الانتخابات التي جرت في الشهر الماضي في هنغاريا، التي كانت عنصرية وانبعثت منها رائحة لاسامية قوية، قال اورباخ الذي فاز حزبه في الانتخابات اقوال مديح موجهة لمكلوش هورتي حاكم هنغاريا في فترة الكارثة. هورتي كان من المؤيدين المهمين لهتلر. هو ارسل جنود للمحاربة الى جانب الفيرمخت الالمانية في الاتحاد السوفييتي، والجيش الهنغاري قتل يهود في المناطق التي دخل اليها حتى قبل أن تقوم بذلك وحدات الـ اس.اس النازية. هورتي ايضا مكن من طرد اكثر من 400 الف يهودي الى اوشفيتس الذين كانوا يعيشون في مناطق ضمتها هنغاريا خلال الحرب في رفيع وصيف 1944. في هنغاريا اورباخ فان هورتي هو بطل قومي.

هل تحول فيكتور اورباخ الى شخص غير مشروع التحدث معه؟ الموقف الرسمي لاسرائيل ادان "تبييض الكارثة" الهنغارية (التي هي انكار للكارثة تماما). ولكن بنيامين نتنياهو الذي اورباخ هو من حلفائه ومؤيديه الهامين في اوروبا اليوم أمر باتخاذ خط متسامح تجاه اقوال اللاسامي الذي يترأس حكومة هنغاريا لأنه من المؤيدين الهامين لاسرائيل. نتنياهو واورباخ يتعاونان في عدد لا بأس به من المواضيع المتعلقة بمكانة اسرائيل في الاتحاد الاوروبي.

لا تنقصنا امثلة اكثر عن "التساهل الاسرائيلي" في كل ما يتعلق بلاساميين اوروبيين. احد الاحزاب اللاسامية، العنصرية والمناوئة للعرب والمناوئة للاسلام جدا اليوم، هو حزب "فلامس بلانغ" (المصلحة الفلاندرية) في بلجيكا. نشطاء الحزب النازي الجديد هذا الذي يتحدث علنا عن تفوق ابيض ويستند الى التراث الايديولوجي النازي والذي جلب لها مؤيدين كثيرين في اوساط الفلاميين في بلجيكا في الحرب العالمية الثانية، هم ضيوف مرغوب فيهم في اسرائيل. قبل بضع سنوات حظوا باستقبال حار من جانب الوزير اوفير ايكونيس، الذي سوية مع غرشون ماسيكا، رئيس المجلس الاقليمي شومرون السابق، أخذهم في جولة في المستوطنات. حتى في هذه الحادثة لم يرفع مفكرونا صرخاتهم بشأن الحاجة الى تعلم التاريخ قبل أن يحاولوا الترويج للمصلحة الاسرائيلية كما يفهمها النظام الحالي – التي احيانا، ضحكة التاريخ تتساوى مع الطريقة التي يتم فهمه من قبل دبلوماسيين اوروبيين وامريكيين لاساميين.

الاخطر من ذلك بكثير هو الصمت بشأن انكار النكبة الفلسطينية من قبل اسرائيل، من جهة اولئك الذين يقفون بالمرصاد بشأن انكار الكارثة، رغم أنه مفهوم ضمنا أن الامر يتعلق بحدثين مختلفين، يوجدان في اماكن مختلفة في تدرج المراحل النظري الذي يربط بين هجرة مفروضة وطرد وتطهير عرقي وقتل جماعي وابادة شعب، في السياق الاسرائيلي – الفلسطيني، فان انكار النكبة هو وجه العملة الآخر. بكلمات اخرى، من يدعي أن انكار الكارثة من قبل الفلسطينيين يمنع أي احتمالية للتحدث معهم عن اتفاق وسلام، يجب عليه أن يفهم أن انكار النكبة من قبل الاسرائيليين يؤدي الى تداعيات مشابهة من ناحية الفلسطينيين.

وامثلة انكار النكبة الفلسطينية من قبل الزعامة الاسرائيلية اكثر من نفي الكارثة من قبل زعماء فلسطينيين. اكثرها تطرفا وفظاظة كان خطاب بنيامين نتنياهو المعروف بشأن دور الحاج امين الحسيني، مفتي القدس، في الحل النهائي للنازيين. وهكذا قال رئيس حكومة اسرائيل في تشرين الاول 2015 "هتلر لم يرغب في ابادة اليهود في ذلك الوقت، لقد اراد طردهم. الحاج امين الحسيني ذهب اليه وقال له: اذا طردتهم فكلهم سيأتون هنا (الى فلسطين)". حسب رواية نتنياهو فان هتلر سأله "اذا ماذا يجب أن افعل؟"، واجابه المفتي "قم باحراقهم".

إن الدخول الى اعماق اقوال نتنياهو (التي تراجع عنها بعد فترة، وخلافا لاعتذار عباس، فان تراجعه عن اقواله الهرائية هذه تم قبوله) يبرهن على أن الامر يتعلق بخداع اسرائيلي خاص لانكار الكارثة من اجل انكار النكبة. لقد اثبت البحث التاريخي أنه عندما التقى المفتي مع هتلر في تشرين الثاني 1941 كانت ابادة اليهود قد بدأت قبل بضعة اشهر. كذب نتنياهو في هذه الحالة خطير بنفس القدر مثلما كانت اقوال عباس الذي قال إن الصهاينة تعاونوا مع النازيين من اجل الترويج لهجرة اليهود الى فلسطين. خلف هذه الاكاذيب توجد نواة من "الحقيقة الافتراضية" أو الجزئية، التي الاستنتاد اليها مرغوب لمن يريد انكار تاريخ اشكالي من ناحيته. تركيا مثلا تفعل ذلك فيما يتعلق بمسؤوليتها عن ابادة الشعب الارمني. هي تعترف أن هناك الكثير من الارمن ماتوا في الحرب العالمية الاولى، لكنها تقول "هم" المذنبون، لأنهم قاموا بالانتفاض ضد الاتراك.

"الحقيقة الافتراضية" هي أن المفتي كان حقا معنيا بأن يصفي النازيون التجمع الكبير لليهود في اوروبا من اجل منعهم من الوصول مستقبلا الى فلسطين وأن يطردوا منها العرب. كذلك خلال فترة قصيرة، في الثلاثينيات، كان هناك تشابه في المصالح بين الحركة الصهيونية والنظام في المانيا، عندما أدت الهجرة الصهيونية الى خروج يهود من المانيا وساهمت في اقتصادها – الامر الذي تلاءم مع السياسة النازية. ولكن الحقيقة التاريخية لا تظهر دائما ببساطة وأحيانا يجب البحث عنها كثيرا.

من هنا الطريق الى انكار الكارثة وانكار النكبة قصيرة، المفتي المقدسي مع كل رغبته في رؤية اختفاء اليهود، لم يؤثر بشيء على الحل النهائي للنازيين، وليس مسؤولا حتى عن قتل يهودي واحد في بولندا أو ليطا. الحركة الصهيونية كما هو معروف لم تتعاون مع النظام النازي في الثلاثينيات مثلما يستخدم عباس بصورة مخادعة التاريخ من اجل تعزيز الرواية الوطنية الفلسطينية، ايضا نتنياهو وزعماء اسرائيليين آخرين يقومون بذلك من اجل نفي ما تعتبر اسرائيل مسؤولة عنه ضد الفلسطينيين بصورة مباشرة: النكبة. الكارثة الوطنية الفلسطينية كانت ثمرة لاعمال لاسرائيل، نتاج انشاء دولة يهودية في فلسطين التاريخية. في المقابل، الفلسطينيون ليس في أي حال من الاحوال كانوا لاعبا تاريخيا في ابادة الشعب التي نفذها النازيون.

وما هي العبرة؟ يبدو أنه يجدر بمفكرينا أن يضعوا انتقادهم لانكار الفلسطينيين للكارثة في سياق تاريخي اكثر احكاما، والذي يأخذ في الحسبان "مصلحة الانكار" في اوساط الطرفين الغارقين في النزاع الدامي الذي لم يجد له حل حتى الآن في فلسطين – ارض اسرائيل.

 

كلمات دلالية