بقلم: نداف شرغاي
شرقي القدس هادئة نسبيا، حاليا على الاقل. وزراء في الحكومة اطلعوا هذا الاسبوع على استعراض للمحافل المهنية في اعقاب نقل السفارة الامريكية الى القدس، اخذوا الانطباع بان الوضع كفيل بان يكون مؤقتا. والجهات التي طلب منها ترسيم منظومة القوى والسيناريوهات المحتملة في شرقي المدينة، رسمت امامهم سيناريوهين معاكسين جوهريا. فخرج الوزراء مشوشون؛ يتبين أن كل طرف في الجدال العظيم الذي يجري في شرقي القدس في الاشهر الاخيرة يرى في حدث نقل السفارة دليلا عن صحة طريقه، ويتمترس في مواقفه.
عن أحد التيارين، المتطرف، للاسلام الراديكالي صعب قليلا توسيع الحديث. فهو بطبيعة الاحوال لا يميل الى المقابلات الصحفية. لغته هي لغة العنف، العمليات والارهاب. الاحداث في الشمال، الاشتعال على حدود غزة ونقل السفارة من شأن هذه جميعا أن توقظه من جديد.
يدور الحديث عن طيف واسع من الفصائل، الحركات والمنظمات. من حماس، عبر الجهاد وحتى منطقة الاتصال للحركة الاسلامية الاسرائيلية (الجناح الشمالي). الكل يستظل تحت الاجنحة الواسعة للاخوان المسلمين ويتغذى ايديولوجيا، بل والبعض ماليا ايضا، من منظمات تركية. والخوف هو ان يسجل الاسبوع الماضي بالنسبة لهم مرة اخرى العودة الى العنف والارهاب. فسيفحص الامر من اليوم، يوم الجمعة الاول لشهر رمضان.
القلق كثير. حشد واسع من الاخطارات والاشعارات الاستخبارية عن عمليات محتملة – مع التشديد على مناطق التماس في القدس وفي الخليل، لم تتراكم منذ زمن بعيد في جهاز الامن. فطيف التحذيرات يتراوح من عمليات الاجواء، السكاكين والدهس وحتى عمليات اطلاق النار وعمليات الاختطاف.
الحرم ايضا مرة اخرى على بؤرة استهداف منظمات الارهاب والمحرضين. "سنضيء الاقصى بدمائنا، لان ما يضاء بالدم لا ينطفيء ابدا"، وعد احد الناطقين بلسان الجناح الشمالي من الحركة الاسلامية وثقته محافل الامن. كما أن مسؤول حماس، خليل الحية، هدد هذا الاسبوع "باشعال القدس والضفة ردا على الجرائم في غزة ونقل السفارة الى القدس".
تغذى النار ايضا من جهة تركيا، تلك التي اعادت هذا الاسبوع للتشاور سفيرها في اسرائيل، واعلنت عن ثلاثة ايام حداد على القتلى في حدود القطاع. فليس اردوغان وحده يشعل الخواطر بل وايضا مبعوثيه ومنفذي اوامره في القدس. فقد ارسل الاف السياح الاتراك الى هنا في الاشهر الاخيرة "لانقاذ ولحفظ الاقصى"؛ وجمعيات اخرى تضخ المال الى البلدة القديمة والى الحرم توزع هنا الاموال وهذه المرة ايضا بمساعدة نشطة من النواب العرب من اسرائيل. اردوغان، الذي يعمق قبضته في القدس الشرقية يتحدث عن "مذبحة في حدود غزة"، يذكر الاقصى ويعد "اسرائيل ستدفع الحساب على افعالها في هذا العالم وفي العالم الاخير ايضا".
الشرطة التي ستنشر في القدس اليوم 3 الاف شرطي، واعية لما يجري. وهي ستحاول منع محاولات جعل الحرم مرة اخرى اداة منتجة للعنف، من خلال الفرية القديمة والكاذبة، فرية "الاقصى في خطر". وهي تعرف انه سيكون من سيحاول اثارتها من جديد.
الى خريطة التهديدات والمنظمات المعروفة في العاصمة تنضم في الاسابيع الاخيرة منظمة حزب التحرير. فالمنظمة تعمل منذ سنين لاقامة الخلافة الاسلامية ومركزها القدس. في المانيا وغيرها من الدول اخرجت عن القانون، ليس في اسرائيل. وجمع نشطاؤها في الاشهر الاخيرة الجماهير في اطار مهرجانات نظمت في ساحات الاقصى. من استمع الى الاقوال التي القيت هناك كان يمكنه أن يأخذ الانطباع بان حزب التحرير ايضا، يوجد على شفا الانتقال من نشاط الدعوة الى نشاط الاحتجاج العنيف وربما حتى الى الارهاب.
51 سنة تفعل فعلها
ولكن توجد ايضا انباء اخرى. فها هي شرقي القدس الاخرى التي يوجد فيها تيارات عميقة تجري مسيرة معاكسة: فالكثير من سكانها العرب يجتازون في السنوات الاخيرة مسيرة اسرلة. فقد توصلوا الى الاستنتاج بان المصلحة تستوجب منهم الانخراط في النسيج المديني؛ ان مصلحتهم هي ترك استيضاح الخلاف على المستقبل السياسي للمدينة الى ايام ابعد والتركيز على الحصول على ميزانيات تقلص الفجوات بين مستوى البنى التحتية والخدمات في احيائهم وبين تلك في الاحياء اليهودية من القدس.
بحث شامل اجراه المركز الفلسطيني للرأي العام بادارة د. نبيل كوكالي، بعد اعلان ترامب عن الاعتراف الامريكي بالقدس كعاصمة اسرائيل، يفيد بان نحو 60 في المئة من سكان شرقي القدس يطلبون المشاركة في الانتخابات للبلدية في تشرين الاول القريب القادم. 13 في المئة فقط يعتقدون بانه لا يجب المشاركة في هذه الانتخابات.
نتائج الاستطلاع غير مفاجئة. وهي تفيد بان ميل "الاسرلة" في اوساط عرب شرقي القدس يتعاظم. وهذا ناتج عن 51 سنة من الوجود معا في مدينة واحدة، بلا حدود.
المزيد فالمزيد من الشبان العرب يطلبون اليوم التعلم في مؤسسات اكاديمية اسرائيلية. ولهذا الغرض فهم يحتاجون الى شهاد البجروت الاسرائيلية. وتقوم معاهد تعليمية في شرقي المدينة باعداد هؤلاء الشبان الى امتحان البجروت الاسرائيلي. ومزيد من العائلات في شرقي القدس تختار اليوم ارسال ابنائها للتعلم في المدارس التي تتخذ منهاج التعليم الاسرائيلي: نحو 5.500 اليوم، مقابل اقل من 1.000 قبل بضع سنوات.
الكثير من السكان من شرقي القدس يطلبون اليوم المواطنة الاسرائيلية – نحو الف في السنة. ثلثهم فقط يستجابون. المعدل النسبي لعاملي شرقي المدينة في عدة فروع عمل يصبح حاسما في حجمه وفي اهميته.
هذه السياقات تتعاظم، والان، قبيل الانتخابات للبلدية، تلقى تعبيرا سياسيا ايضا. جيرشون باسكين، من رؤساء ابكري، المركز الاسرائيلي – الفلسطيني للبحوث والمعلومات، ومن بادر وشغل قناة سرية مع حماس ساعدت على تحرير جلعاد شاليط، يشكل قائمة عربية – يهودية مشتركة.
وستتنافس القائمة في الانتخابات لمجلس بلدية القدس. شريك باسكين هو عزيز ابو سارة، من مواليد حي وادي الجوز في شرقي المدينة. وكان ابو سارة عاد الان للمدينة بعد مكوث امتد لعدة سنوات في الخارج، وهو وباسكين – وعشرات آخرين من النشطاء – طلبا لقاء مع ابو مازن، وهما يأملان بان ينتزعا منه موافقة على ازالة الفيتو طويل السنين من المؤسسة الفلسطينية على مشاركة عرب شرقي القدس في الانتخابات المحلية.
سحاب يهودي فلسطيني
ابو مازن، الذي اهتزت حالته الصحية، يعيش الان في مزاج قتالي. ليس مؤكدا أن هذا هو الوقت الصحيح لوضع طلبات كهذه على طاولته. ربما لهذا السبب لا يسارع باسكين الى حثه على الاجابة. ففي الاشهر الاخيرة يشدد رئيس السلطة ويتطرف في تصريحاته في مسألة القدس: الانطباع هو أنه في آخر ايامه يسعى لان يثبت، بكل ثمن ولغة تقريبا، ولائه للقضية التي يعتبرها الفلسطينيون، لب النزاع مع اسرائيل – القدس.
من هذه الناحية، فان نقل السفارة الامريكية الى المدينة، المستوطنة الامريكية"، كما اسماها ابو مازن، سقط في يديه كثمرة ناضجة. فعباس يهاجم الامريكيين في كل فرصة تقريبا، والقلائل اعطوا قلبهم الى ذلك، ولكن في اثناء خطابه امام المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله قبل نحو اسبوعين، ابرز ابو مازن بالذات المفتي الاكبر الحاج امين الحسيني، كمصدر الالهام لـ م.ت.ف . الحسيني اثر اكثر من كل زعيم فلسطيني آخر على تصميم الايديولوجيا التي ترفض حق الدولة اليهودية في الوجود.
باسكين واع لمزاج رئيس السلطة. وهو يقول: "حاليا نحن نحرث الميدان. فالكثير جدا من الناس في شرقي القدس يشعرون بانهم يتامى. يوجد جيل جديد لا يفهم كيف يمكن لمقاطعة الانتخابات ان تحسن لهم. وهم يعرفون بان مكانة المدينة لن تحسم في مجلس البلدية. وبالمقابل، فان مجلس البلدية هو الذي يقرر الميزانيات للارصفة وللطرق وللمجاري وللحدائق. الكثير من الشبان يقولون انه يجب هذه المرة التصويت، وانهم سيجلبون عائلاتهم للتصويت".
ويوضح باسكين بانه "على رأس القائمة سيكون فلسطيني، وانا سأكون رقم اثنين. وبعدنا بطريقة السحاب فلسطيني ويهودي وهلمجرا. ستكون نساء ايضا. وعلمانيون واصوليون. في هذه اللحظة نحن نحرص على توسيع دائرة الدعم لنا. كما أننا نحرص على قنوات مختلفة، لمنع التهديدات والاصابات لمرشحين ممن سيخوضون هذه الانتخابات. نحن لا نريد أن نعرض حياتهم للخطر. من ابو مازن نحن لا نتوقع التأييد. فقط الا يعرقل".
باسكين يعرف التاريخ. في الحملات الانتخابية السابقة، تعرضت الجماهير والمرشحون المشاركون في الانتخابات البلدية الى تهديدات من حماس، فتح ومنظمات اخرى- وردعوا من ذلك. في الحملات الانتخابية السابقة باستثناء واحدة (في الـ 1969، نجحت منظمات الارهاب في منع المشاركة الكبيرة لعرب شرقي القدس او تنافس قوائم عربية في الانتخابات البلدية. ونسبة قليلة فقط من المقترعين العرب وصلوا الى صناديق الاقتراع. وعبر معدل التصويت الطفيف عن عدم الاعتراف بالحكم الاسرائيلي وبعملية توحيد المدينة.
لعله يكون مختلفا هذه المرة، وان كان باسكين يخشى ان يكون تدشين السفارة الامريكية هذا الاسبوع سيشدد مواقف الشارع الفلسطيني ويبعد حلمه عن التحقق. وهو يأمل على المدى الابعد ان يفهم الشارع بان التنافس في الانتخابات للمجلس هو خطوة صحيحة. ويوجد للقائمة المشتركة اسم: "القدس – يروشلايم".
الطيبي ينتظر المستثمرين
ليس باسكين وحده نشط في الشارع الشرق مقدسي. فتركيا التي تقود الاحتجاج ضد نقل السفارة تتواجد هناك جدا. احد آيدين، نائب رئيس البرلمان التركي، زار في بداية الشهر القدس والحرم. ويرتبط النواب من القائمة المشتركة في كنيست اسرائيل ونشطاء مركزيين من الحركة الاسلامية الاسرائيلية بالاتراك في هذا الشأن.
وهاكم حدث مر من تحت الرادار الاعلامي تكشفه هنا حركة "لكِ يا اورشاليم": في نهاية نيسان عقد في تركيا مؤتمر لتجنيد الاموال من أجل تعزيز الوجود الاسلامي والفلسطيني في القدس. النائب احمد الطيبي، الذي كان الخطيب المركزي في الحدث قال هناك "القدس تنتظر المستثمرين العرب... من أجل تعزيز صمود القدس كعاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية". وائل يونس، عضو آخر من القائمة المشتركة، تحدث بروح مشابهة. اسامة السعدي، نائب سابق من ذات الحزب، تحدث عن "تمكين اهلنا في القدس".
200 من رجال الاعمال من 28 دولة شاركوا في الحدث بالتعاون مع سفارة فلسطين في تركيا، ورجال اعمال فلسطينيين من الشتات الفلسطيني ومن القدس. ومن القرارات التي اتخذت "اقامة صندوق استثمار يجند 100 مليون دولار في صالح القدس الفلسطينية" و "تمويل البناء والترميم في البلدة القديمة من خلال البنك الاسلامي".
الحدث هو عنصر في سلسلة عناصر اكتشفناها هنا قبل نحو سنة: جمعيات تركية، بعضها حكومية، تضخ ملايين الدولارات لتعزيز السيطرة الفلسطينية في البلدة القديمة وفي مناطق مجاورة للحرم.
مأور تسيمح، رئيس "لك يا اورشاليم"، نقل المعلومة الجديدة الى وزير شؤون القدس، زئيف الكين. ويقول تسيمح ان باحثيه يلاحظون نشاطا ماليا ومدنيا واسعا من شرقي المدينة عبر الجمعيات التركية وعلى رأسها "تيكا". وقد تعاظم هذا مع اعلان ترامب عن القدس ونقل السفارة. ويقدر تسيمح بان دولة اسرائيل تقترب من القرارات في الموضوع التركي. والمح الوزير اردان بان النقاشات في هذا الاتجاه بدأت.
وفي القدس يعتزمون استيعاب سفارات اخرى. وزارة الخارجية تجري اتصالات مع ست دول اخرى على الاقل تنوي نقل سفاراتها الى القدس (الى جانب غواتيمالا وبرغواي). وها هي القائمة: رومانيا، سلوفاكيا، تشيكيا، هندوراس، الفلبين وبنما.