ماذا تقرأ (إسرائيل) من استمرار مسيرة العودة الكبرى؟

الساعة 01:13 م|13 مايو 2018

فلسطين اليوم

قبل أيام قليلة ناقشت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أخطر لجنة برلمانية، مستقبل الوضع بغزة، ووصول مسيرات العودة لذروتها، وخرج أعضاؤها بهذا الانطباع: نعيش مرحلة ما قبل اندلاع حرب 1973 حين تقدمت مصر بمبادرات سياسية، و(إسرائيل) ترفضها، لكنها قبلت بها، بعد سقوط آلاف القتلى والجرحى.. فهل يتكرر الوضع مع غزة في 2018؟!

لعل في ذلك الذي أورده المختص بالشأن الإسرائيلي د. عدنان أبو عامر ما يلخص الإجابة عما تقرأه (إسرائيل) من تداعيات استمرار مسيرة العودة الكبرى كشكل جديد قديم يمارسه الشعب الفلسطيني في مواجهة جيش لم يتفرغ بعد من برامج تدريبية يستوجبها استشعاره أخطار كبيرة بمستوى قوى اقليمية تهدده.

فإذا به يُحاط بهذا الحراك الجماهيري المباغت المستمر في التصاعد منذ أن انطلق في الـ 30 من مارس 2018، في ذكرى يوم الأرض، ويتعاظم هذا الحراك الثوري في صورته السلمية، ويتجدد مع كل جمعة، كل ذلك في إطار وطني، وبشعارات وطنية جامعة، وتحركهم قضية الحق في العودة إلى الديار التي تُعد جوهر الصراع، والمكفولة بالقرار الدولي رقم 194 القاضي بالعودة والتعويض.

وإزاء ذلك وجد جيش الاحتلال نفسه في قلب معركة غير متكافئة أخلاقياً؛ فأطلق العنان ليشبع غريزته بالقتل في سادية أزالت غشاوة أخلاقية متهدده، غير أن إرادة الحياة، وعقد العزم على العودة للديار وكسر الحصار الظالم كان أبلغ المعاني في الإصرار على المغالبة، والتحدي لآلة القتل الغاشمة بتطوير أدوات المواجهة وفق قواعد هذا الحراك الشعبي.

وبعد سبعة جُمعات لم تجد المؤسسة العسكرية بُدّا إلا أن تطلق عملية أسمتها "حراس البوابة"، وتدفع بتعزيزات عسكرية هي الأكبر منذ حرب "الجرف الصامد"، ولكن ليس في غزة فحسب، بل وفي الضفة الغربية والقدس، تحسباً لامتداد هذا الحراك الشعبي في ظل إصرار الإدارة الأمريكية على نقل سفارتها إلى القدس، الأمر الذي يمثل استفزاز للشعور الوطني العام والذي يأتي قبل يوم واحد من الذكرى الـ 70 للنكبة الفلسطينية في 15 مايو، الذي سيشهد وفق تقديرات الاحتلال الأمنية ذروة المسيرات وليس نهايتها.

الإعلام مجند للدولة

وفي إجابة على سؤال، كيف يقرأ الإعلام (الإسرائيلي) فعاليات مسيرات العودة المتصاعدة؟

أوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أ. إسماعيل مهرة أن التيار المركزي في الإعلام (الإسرائيلي) المسموع والمقروء والمشاهد هو جزء من مؤسسات المشروع الصهيوني كالكنيست والمحكمة العليا والمنظومة الأكاديمية، وأضاف أن: جميع العاملين فيه خدموا ولا زال بعضهم يخدم في الجيش، وهم منتمون للأحزاب المركزية في الائتلاف الحكومي أو في المعارضة.

وعليه، فإنهم في تغطيتهم وقراءتهم لمسيرات العودة يستندون إلى مصادرهم الأولية والرئيسة، وهي المصادر الرسمية، وإلى مشاهداتهم الميدانية. فمن حيث أعداد المشاركين نجدهم يتبنون إحصائية الجيش، ويتبنون تبريراته ورواياته المتعلقة بتوضيح هويات الشهداء، وأسباب وظروف إطلاق النار عليهم، وأهداف الردع وأهميتها لأمن إسرائيل.

اتساع الهامش

واستدرك مهرة أن هامشاً مستقلاً بدأ واضحاً في قراءة دوافع المسيرات، ومشاعر الغضب المتفجرة، وآليات وأدوات الاحتواء، سمحوا لأنفسهم به بعيداً عن التلقين الرسمي؛ فيتبنون تفسيراً إنسانياً معيشياً لحالة الغضب الغزي المتفجر على الحدود، ويطالبون بتبني سياسات تقوم على الاحتواء عبر رفع أو تخفيف الحصار، وتخفيف اليد الضاغطة على الزناد.

وأضاف قائلاً: نلاحظ هنا أن ثمة مساحة لا بأس بها من انتقاد سياسات (ليبرمان _ نتنياهو) تجاه القطاع، وإتاحة منبر واسع لأقوال بعض القادة الأمنيين التي تدعو إلى تخفيف الحصار، والتحذير من الانفجار يومي 14و 15 مايو، ومن احتمالات الانزلاق إلى تصعيد عسكري كبير.

أحد الملفات المهمة

في الإجابة على سؤال، ماذا يقرأ المستوى السياسي (الإسرائيلي) في مسيرات العودة؟

أوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أ. علاء الريماوي أن مسيرات العودة تعتبر أحد الملفات المهمة التي تواجه (إسرائيل) في هذه المرحلة جنباً إلى جنب مع ملف التصعيد في الشمال، والجهد لفرض عقوبات على إيران على خلفية النووي الايراني.

وترى مراكز الأبحاث المعتبرة في (إسرائيل)، أن مسيرات العودة قد تكون الباعث لتفجير شكل جديد من المواجهة، كما قد تكون الدافع وراء تصاعد أشكال المواجهة في أكثر من جانب.

كُلفة أقل، وإحراج أكثر

وذكر الريماوي أن المستوى السياسي في (إسرائيل) وعلى لسان كلٍّ من ليبرمان ونتنياهو، وبعض القادة الأمنيين السابقين كعاموس يادلين، رموا حماس بأنها تدير شكل جديد من أشكال الحرب مع الكيان بتكلفة أقل، وإدارة محرجة للكيان.

الخشية من الاتساع

وأكد أن عين (الإسرائيلي) في هذه المرحلة مركزة على امكانية اتساع هذه المسيرات بتزامنها مع الذكرى السبعينية للنكبة في مناطق مختلفة من الأرض الفلسطينية، خاصة أن الحراك في الضفة بدأ يتسع شيئاً فشيئاً، والذي قد يزيد ذروته مع حادثة نقل السفارة كما أشارت إلى ذلك صحيفة هآرتس.

الجيش ليس حلاً

أما عن سؤال، ماذا يقرأ المستوى العسكري في (إسرائيل) من مسيرات العودة؟

أجاب المختص بالشأن الإسرائيلي د.صالح النعامي موضحاً أن المستوى العسكري في (إسرائيل) يطبق تعليمات، ويترجم قرارات المستوى السياسي الحاكم.

وأضاف النعامي: إن المستوى السياسي أعلن أنه لا ينبغي السماح بأن يُفضي حراك العودة إلى اجتياز الحدود، على اعتبار أن الأمر "تهديدًا" للسيادة.

وبين أن قيادات الجيش من الناحية العملية لمَّحت قبل وبعد انطلاق حراك العودة؛ أن مواجهة التحديات المنبثقة من غزة لا تتسنى عبر الحلول العسكرية فقط.

لذلك؛ فإن المؤسسة تسرب عبر الإعلام دعمها للأفكار التي أطلقها وزير المخابرات والمواصلات يسرائيل كاتس بشأن تدشين ميناء ومطار عائمين تجاه غزة، لكن المستوى العسكري في النهاية يطبق سياسات ولا يفرضها.

غياب المعلومات الدقيقة

أما عن سؤال، ماذا يقرأ المستوى الأمني (الإسرائيلي) في مسيرات العودة واستمرارها؟

أجاب المختص بالشأن الإسرائيلي د. عدنان أبو عامر بأنّ اندلاع مسيرات العودة على حدود قطاع غزة فاجأ المستوى الأمني والأجهزة الاستخبارية في (إسرائيل)، على اعتبار أنها لم تتوقع خروج عشرات الآلاف من الفلسطينيين بصورة مستمرة طيلة الأيام الماضية منذ أواخر مارس وحتى اليوم، رغم الجهد الحثيث في جمع المعلومات، وتتبع حسابات رواد المسيرات على شبكات التواصل، ووسائل التجسس والتنصت.

وأشار أبو عامر إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تصل بعد إلى المراد النهائي لهذه المسيرات، وهي ما زالت حتى اللحظة في حالة إرباك جدي.

نظراً؛ لعدم توفر قاعدة بيانات معلوماتية دقيقة حول هذه المسيرات، والمآلات المتوقعة لها، وهو ما يلقي بظلال سلبية على التعامل العسكري والسلوك السياسي إزاء هذه المسيرات، في ظل أن الاعتماد الأول لذلك يعود الى ما يتوفر من معطيات معلوماتية دقيقة حول هذه المسيرات، ونهاياتها المتوقعة.

ولفت أبو عامر إلى أن ما يتوفر حتى الآن لدى هذه الأجهزة جملة من البيانات المتضاربة أو غير المنسجمة حول هذه المسيرات، في ظل عدم وجود قيادة مركزية لها، وتعدد الجهات المشرفة عليها، وهو أمر له وعليه من الناحية الأمنية.

الارتباك سيد الموقف

الجامع بين كل ما سبق من قراءات لكل المستويات في (إسرائيل) حول مسيرة العودة واستمرار فعالياتها، هو أن حالة الارتباك والتخبط هي سيدة الموقف، وأن الهاجس من خشية امتدادها واتساعها يتأكد مع كل يوم يمضى وفعالياتها تستمر.

بالإضافة إلى غياب المعلومات الأمنية الدقيقة، وأن ما يتوفر منها غير منسجم بل وتضارب في جوانب هامة، وهو ما يزيد من الشعور بفقدان السيطرة وانزلاق سكة الأحداث إلى تطورات خطيرة.

والذي يزيد الأمور تعقيداً هو تعنت أقطاب الحكومة التي لازالت تؤمن بحلول القوة والمزيد منها، وهي بذلك تفرض على الجيش تنفيذ حلول لا يجد فيها غير مزيد من التصعيد، وزيادة في التأزيم.

كلمات دلالية