بالفيديو الحاجة فاطمة.. وذكريات الجوع والفقر في بدايات اللجوء

الساعة 11:55 ص|07 مايو 2018

فلسطين اليوم

70 عاماً على الخروج ولا تزال الحاجة "فاطمة علي موسى المسيمي" تتذكر الطريق المؤدي إلى بيتها في "وادي القباني" القريبة من بلدة الخضيرة في الداخل المحتل، قالت" فقط أوصلوني غربي قرية "القانون" وسأمشي وحدي حتى باب البيت".

والحاجة "فاطمة" تبلغ الآن 85 عاماً وهي التي خرجت من البلاد لم يتجاوز عمرها الـ15، ولكن كلها يقين أن الحفاظ على هذه الذاكرة ومعرفتها بطريق منزلها في "وادي القباني" أو منزل والدها في " الخماسين التحتا" هو سبيلها الوحيد للتمسك في حقها بالعودة، هذه الطريق التي تركت خلفها حياه عادية أمنة ومستقرة، لتبدأ فصول حياه من المعاناة والتعب والفقر حيث أستقر بها الحال في مخيم طولكرم.

تقول:" لم يكن أبي ومن بعده عائلة زوجي أغنياء، ولكننا كنا ميسورين الحال لدينا مواشي وأراضي نعمل بها ونعيش حياة مريحة وما نحتاجه نحصل عليه مثل كل أبناء القرية، فلا جوع ولا فقر".

70 عاما والحاجة فاطمة لا تستوعب كيف تغير بهم الحال إلى تشريد وفقر وجوع، حتى وصل بهم الحال أن تبقي على الماء أربعة أيام متواصلة وهي " النفساء" بعد ولادتها بأسبوع فقط، تردد خلالها حديثها " بعد البلاد عشنا بفقر ورح نموت بفقر في المخيم".

يوم تغير فيه الحال

وبالعودة إلى الخروج من قرية " وادي القباني" التي لم تسكنها سوى عام ونصف، تقول إن سبب الرحيل كان الخوف مما تقوم به العصابات الصهيونية في البلاد، حيث قاموا بإطلاق النار سيدتين من بلدة الخضيرة القريبة وألقوا بهما على الطريق العام، ومن الخوف قرر أهالي القرية الخروج.

ولما وصلت أبناء خروج القرية إلى المستوطنة القريبة، أقتحم القرية عدد من المستوطنات برفقة مسلحين لأقناع "حماها" والد زوجها بعدم الرحيل، إلا أنه لم يقتنع خوفا عليها وهي الحال في شهرها الأخير، قال لزوجته "خضرة" أنهم " ليسوا لهم أمان".

كانت عائلة زوجها تملك عربة تجرها الخيل وبالفعل ركبت هي وعائلة زوجها دون أن يخرجوا شيئا معهم من البيت، تستذكر الحاجة فاطمة أن السماء كانت تمطر بغزارة حتى أنهم لم يتمكنوا من مواصلة السير وتوجهوا لخربة قريبة طلبوا اللجوء لبيت المختار خوفا أن تلد في الطريق.

أقامت العائلة في غرفة صغيرة تستعمل لجمع " التبن" وطعام المواشي، وبعد منتصف الليل، عند الساعة الثانية فجرا كما تذكر الحاجة فاطمة، طوقت إحدى العصابات الصهيونية المكان، ونصبوا رشاش ليس ببعيد عن الغرفة التي احتموت بها، وبدؤوا بإطلاق الرصاص على كل من يتحرك.

اجتمعت عائلة فاطمة حينها والكل يلفظ نطق الشهادة، ساعة ونصف الموت يطرق باب الغرفة " الزينكو" وصوت الضابط يأمر جنوده باستهداف من في الداخل.

تروي فاطمة كيف قتل ابن المختار "محمد" بعد إطلاق النار مباشرة باتجاهه، وكأن صوته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وينادي والدته " يما" لا يزال في رأسها، ومنظر دمائه وقد اختلطت بمياه المطر، أمام عينيها.

بعد ساعتين انسحبت القوة من شدة المطر الذي لم يتوقف طوال الليل، وعند الساعة الخامسة والنصف بدأت عائلة فاطمة بتجهيز نفسها للخروج من القرية، ومعها كل سكان القرية، تقول:" في ذلك القوت وقف المختار وطلب من الجميع دفن أبنه قبل الخروج وبالفعل.

في طولكرم... من المسجد ...للخيمة... للمخيم

ومن هناك توجهت العائلة إلى مدينة طولكرم، وفي قصور آل عبد الهادي، في غرفة صغيرة كان مخصصة للدواب، وبعد ثلاثة أيام رزقت بطفلها الأول " وجيه" لتبدأ قصة معاناة جديدة في اللجوء.

بعد الولادة بيومين خرجت العائلة إلى المسجد في وسط المدينة، حيث الازدحام الشديد في المسجد لكثرة اللاجئين فيه، بلا طعام ولا شراب، تتذكر أنها ولم تكن قد أكملت أسبوع بعد ولادتها لم تتذوق الطعام لأربعة أيام متتالية، فسمعت بحالها عائلة قريبة من المسجد ( آل قشوع) واستضافتها أسبوع مع طفلها، واعتنت بها حتى استطاعت أن تصلب عودها بعد الولادة.

بعد الأسبوع عادت إلى المسجد، حيث عائلتها، ومكثت هناك 32 يوما لا يوجد لديهم سوى قليل من الخبز والماء لقوتهم، وبعد ذلك قدم لهم أهالي المدينة أكياس خيش " شوالات خط أحمر" وقامت كل عائلة بخياطتها كخيمة في أرض في المدينة حيث " الملعب البلدي" على طريق شويكة حاليا.

بدأت فاطمة بالعمل بعد أن عز عمل الرجال في المدينة، كانت تذهب إلى الجبال وتقطف "اللوف" وتبيعه في ضاحية شويكة وما تجنيه من أموال تشتري فيه الطحين. تستذكر أفضل وجبة حصلت عليها في تلك الأيام عندما منحتها سيدة من المدينة أرغفة من خبز الطابون الطازجة وقليل من زيت الزيتون وحبات زيتون.

بقي الحال على حاله، طعام بالكاد يسد رمق العائلة، ولا عمل للرجال أوضاع معيشية صعبة حتى بداية العام 1949 حينما وزعت الوكالة على العائلات الخيام، وبعدها بعام بدأ البناء الطوب للوحدات وكان بيتها في حارة الشهداء (الأن) حيث استشهد عشرات الشهداء فيها على مدار سنوات الاحتلال.

بقيت "الحاجة فاطمة" تعمل في بيع النباتات التي تلتقطها من الجبال، قالت إنها كانت تصل ونساء المخيم حتى جبال القدس لتجني هذه النباتات وبيعها، فعمل زوجها بقي غير ثابت، وعمرها لم يكن تجاوز ال18 عشر بعد.

ذكريات البلاد

وفي محاولة لتغير لتخفيف عنها أثناء استذكارها الألم الذي عاشته، سألناها عن يوم زفافها، فتبدلت ملامح وجهها وهي تروي تفاصيل أسبوع كامل من مراسم الزفاف. تزوجت الحاجة "فاطمة" وعمرها لم يتجاوز ال14، وقبل الخروج من بيت والدها، أقاموا لها حفل حناء ارتدت خلالها "بدلة" ثوب زهري اللون، وفي اليوم التالي حينما قدم أهل العريس من بلدهم لخروجها كانت ترتجي ثوبا أحمر من المخمل و"طرحة" رأس تتدلى أكثر من متر خلفها، وعلى رأسها أكليل من الورد.

خرجت الحاجة فاطمة عروسا من بلدتها الجماسين إلى وادي القباني مرورا بالطريق يافا الرئيسي على الجمال، والنساء تغني طوال الطريق " جبناها وجينا وفضي الساحة لينا يا أبو ذياب... وجبناها وجينا وحي منازلنا... يا أبو ذياب " وأبو ذياب هو والد زوجها.

وحينما وصلت إلى " القباني" استقبلتها عائلة "محمد البابلي" لاستضافتها قبل أن تنتقل لمنزل زوجها، خلال ذلك كانت الولائم تعذ والذبائح تذبح، حيث ذبح "حماها" أثنى عشر خروفا"، وبعد تناول وليمة العرس ذف العريس على الخيل وسط الأغاني والرصاص الذي أطلق بالهواء.

الحاجة فاطمة (3)
الحاجة فاطمة (2)
الحاجة فاطمة (1)
 

 

كلمات دلالية