حماس و"إسرائيل": محفزات التصعيد وكوابحه

الساعة 08:25 ص|07 مايو 2018

فلسطين اليوم

على الرغم من كل التأكيدات حول عدم وجود مصلحة لدى كل من حركة حماس و"إسرائيل" في أن يفضي التصعيد الأخير في قطاع غزة إلى مواجهة شاملة، إلا أن مستقبل هذه المواجهة يتوقف على مستوى التوازن بين محفزات يمكن أن تدفع نحو تعاظم هذا التصعيد وكوابح يمكن أن تعمل على احتوائه.

فعلى رأس محفزات التصعيد يمكن رصد مظاهر تعاظم الضغوط الداخلية التي تمارسها نخب اليمين الديني المتطرف على حكومة بنيامين نتنياهو لمواجهة أنماط المقاومة الشعبية التي ينفذها الفلسطينيون، على هامش حراك مسيرات العودة الكبرى، والتي تتطور باستمرار، بحيث باتت أكثر كلفة.

فللمرة الأولى منذ انطلاق حراك العودة قام جيش الاحتلال ليلة السبت ـ الأحد الماضي، بقصف موقع لـ"كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس على الحدود مع القطاع، رداً على قيام فتية فلسطينيين بإطلاق طائرة ورقية من مكان قريب، فادّعى متحدث باسم الجيش أن "الطائرة تسبّبت في إحراق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في المكان". وقد برّر الاحتلال الهجوم بأن "إسرائيل ترى في حركة حماس الطرف المسؤول عن القطاع، وبالتالي تتوجب جباية ثمن منها رداً على أي عمل ينطلق من قطاع غزة".

وعلى الرغم من أن جيش الاحتلال حرص على قصف الموقع عندما كان خالياً من عناصر "القسام" بهدف عدم توفير مسوغات للتصعيد، فإن تطور أنشطة المقاومة الشعبية  على هامش حراك العودة قد أثّر بشكل واضح على البيئة الداخلية لعملية صنع القرار السياسي في تل أبيب، بشكل قد يفضي إلى دفع حكومة نتنياهو لتوسيع ردودها على هذه الأنشطة، تأثراً بهذه الضغوط.

وتنافس وزراء ونواب من الائتلاف الحاكم على المطالبة بتصعيد الردود على مطلقي "الطائرات الورقية"، إلى درجة أن وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان قد دعا إلى التعامل معهم كمن يطلق الصواريخ وتصفيتهم. في الوقت ذاته، فإن النخب اليمينية قد وظفت حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لشنّ حملة تحريض على المشاركين في حراك العودة إلى جانب توجيه انتقادات حادة لـ"تساهل" حكومة نتنياهو في التصدي لها. ومما زاد الأمور تعقيداً وأسهم في إحراج كل من حكومة تل أبيب وقيادة جيشها حقيقة أن المشاركين في مسيرات العودة تمكنوا أخيراً وبشكل واضح من اجتياز الحدود وعمدوا إلى المس ببعض البنى المادية التي تخدم قوات الاحتلال شرق الحدود.

ويعدّ هذا التطور مصدر قلق كبير لآلاف المستوطنين الذين يقطنون المستوطنات التي تنتشر في المحيط، على اعتبار أن تمكن الشباب الفلسطيني من اجتياز الحدود يمكن أن يوفر مظلة لعناصر حركات المقاومة في التسلل إلى المستوطنات وتنفيذ عمليات اختطاف.

وفي المقابل، فإنه على الرغم من أن حركة حماس، تعدّ الطرف الفلسطيني صاحب المصلحة الأبرز في توفير ظروف لتواصل حراك العودة وضمن ذلك تجنب الانجرار لمواجهة مع إسرائيل، فإنها قد لا تكون قادرة على مواصلة غض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية، سيما في حال أصبحت أكثر كلفة. ومما يقلّص هامش المناورة أمام الحركة، حقيقة ان إسرائيل تواصل حربها السرية ضد الحركة والتي تقوم على تنفيذ عمليات استخبارية ضد بناها التنظيمية البشرية والمادية. صحيح أن هذه العمليات تكون عادة من دون آثار تدلّ على إسرائيل، ناهيك عن أن تل أبيب تحرص في الغالب على نفي مسؤوليتها عنها، إلا أنها تحرج الحركة.

وقد مثلت عملية التفجير، التي استهدفت يوم السبت الماضي، مجموعة من "كتائب القسام" في المنطقة الوسطى من القطاع، والتي راح ضحيتها ستة من عناصر "الكتائب" مثالاً على هذه العمليات التي تكون "من دون توقيع" إسرائيلي واضح.

ورأى بعض المراقبين أن حماس قد أخطأت عندما حملت إسرائيل المسؤولية عن العملية، على الرغم من أن كل المؤشرات دلّت على تل أبيب، على اعتبار أن تحميل إسرائيل المسؤولية عن العملية، يزيد من سقف التوقعات بالرد ويقلص من هامش المناورة أمام قيادة الحركة السياسية.

لكن في مقابل هذه المحفزات، فإن هناك كوابح، يمكن أن تجعل الطرفين، وتحديداً إسرائيل يقلصان الاندفاع نحو المواجهة.

وعلى رأس هذه الكوابح، إدراك إسرائيل أن الملاحظات التي تضمنها تقرير مراقب الدولة الذي حقق في مسار حرب 2014، قد تجعل أية حرب جديدة في مواجهة حماس تفضي إلى إعادة احتلال القطاع، في الوقت الذي لا يوجد هناك طرف ثالث يمكن أن يتولى زمام الأمور في القطاع. وهذا سيمثل وصفة لتوريط إسرائيل مجدداً في مستنقع غزة.

من ناحية ثانية، فإن التصعيد ضد القطاع وما يمكن أن ينجم عنه من سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى عشية نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة يمكن أن يفضي إلى اشتعال الضفة الغربية، سيما أن التقديرات الأمنية الإسرائيلية تتحسب لتفجر الأوضاع هناك، حتى بمعزل عما يجري في القطاع.

إلى جانب ذلك، فإن حالة انعدام اليقين على الجبهة الشمالية، وانطلاق تل أبيب من افتراض مفاده أن رداً إيرانياً على الهجمات التي استهدفت المواقع الإيرانية في سورية بات محتماً، يقلص من دافعية إسرائيل للانجرار لمواجهة مع حماس في قطاع غزة، على اعتبار أن تل أبيب تجاهر بأن مصلحتها تكمن في توفير بيئة تضمن الفصل بين الجبهات.

كلمات دلالية