كتب د. وليد القططي:العودة الكبرى أم كسر الحصار..ماذا نريد ؟

الساعة 08:13 ص|07 مايو 2018

فلسطين اليوم

« مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار» الاسم الذي أطلقته «الهيئة الوطنية العُليا للمسيرة» على فعاليات المقاومة الشعبية السلمية المتواصلة على السلك الحدودي المُقام على خط الهُدنة الفاصل بين قطاع غزة والأرض المُحتلة عام 1948. ومن خلال مضمون اسم الفعاليات من الواضح أنها تحمل هدفين: أحدهما هدف عام لكل الشعب الفلسطيني المُهجّر من أرضه يتمثل في العودة الفعلية إليها، والآخر هدف خاص بجزء من الشعب الفلسطيني المُحاصر في قطاع غزة يتمثل في إنهاء الحصار عن قطاع غزة المفروض من دولة الاحتلال وزاده الانقسام والعقوبات وإغلاق المعبر قساوةً وبؤساً. وبعد أكثر من شهر على بدء الفعاليات والاقتراب من ذروة الفعاليات في يوم النكبة من المفيد أن نراجع خطواتنا ونحدد موضع أقدامنا والتوّقف لحظة للتفكير كي نواصل المسيرة بخطا ثابتة وواثقة، وفي إطار هذه المنهجية لقراءة المسيرة تأتي محاولة معرفة ماذا حققنا من أهداف؟ وماذا نريد تحقيقه في حدود المُمكن والمتاح في الوقت الراهن؟

بالتأكيد لا يتوقع أحد أن تتحقق العودة الفعلية إلى فلسطين المحتلة عام 1948 من خلال فعاليات مسيرة العودة، ولكن من المتوقع وحدث بالفعل هو أن هذه الفعاليات قد أحيت ورسخت ثقافة حق العودة في عقول ووجدان الجيل الفلسطيني الجديد الذي تلا جيل الآباء والأجداد، هذا الجيل تنبأ زعماء المشروع الصهيوني ومؤسسو الكيان الصهيوني أن ينسوا وطنهم فلسطين بعد موت الكبار. وإحياء ثقافة العودة ونقلها من جيلٍ لآخر في تواصل مبدع للأجيال يُسهم بلا شك في العودة الفعلية يوماً ما؛ فمسيرة العودة حلقة من حلقات النضال الوطني التراكمي الذي سيصل لا محالة إلى إرجاع الحق إلى أصحابه عندما تكتمل دائرة هزيمة (إسرائيل) مع دائرة نصر أصحاب الحق.

والمسيرة إضافة إلى ذلك ثبتت حق العودة وهو جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني المتمثل في الأرض التي اغتصبها وطرد منها سكانها الأصليين، وهذا الأمر يُبطل الرواية التي روّجها الصهاينة في العالم بجوهر القضية الفلسطينية مُبطلةً الرواية الإسرائيلية الصهيونية ومُرسخةً للرواية الفلسطينية العربية، وهي أن شعباً بأكمله قد طُرد من أرضه وحل مكانه (شعب) آخر تم اختراعه لا علاقة له بالأرض التي اغتصبها، كما أن المسيرة عمّقت المأزق الوجودي للكيان الصهيوني باعتبارهم موجودين في المكان الخطأ والزمان الخطأ وأنهم طارئون على مكان سيلفظهم يوماً ما وعابرون في زمن سيتجاوزهم.

وقد لا تؤدي مسيرة العودة إلى إنهاء الحصار بشكل فوري وتلقائي، ولكنها أوجدت لا شك قناعة لدى الاحتلال والأطراف المساعدة له في حصار قطاع غزة والتضييق عليه ومعاقبته بأن الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم في غزة لن يسكت على الحصار إلى ما لا نهاية وأن لديه أرواق ضغط فعّالة ومؤثرة للضغط وأنه مستعد للتضحية ودفع ثمن في سبيل رفع الحصار تماماً كما كان على الدوام خلال مراحل الانتفاضة الأولى والثانية وحروب غزة الثلاث، لأن الحصار لم يعدُ مسألة رفاهية يبحث عنها الشعب الفلسطيني في غزة؛ بل هي مسألة حياة أو موت بالنسبة له، ومسألة كرامة لن يتنازل عنها ومهما كان حجم التضحيات. وهذه القناعة لدى الاحتلال ستؤدي في نهاية المطاف إلى التوصل إلى نتيجة مفادها عدم جدوى الحصار في دفع الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام، كما أنها ستدفعه إلى الضغط على السلطة لوقف وإلغاء العقوبات على غزة عندما يتأكد أنها تقود إلى الانفجار في وجه دولة الاحتلال.

وعدم تحقيق هدفي العودة وإنهاء الحصار فوراً لا يعني عبثية الجهد الوطني الشعبي السلمي المبذول في فعاليات المسيرة، ولا يعني ضياع تضحيات الشعب الكبيرة من أرواح ودماء وعرق ومعاناة سُدى، فهذه المسيرة حلقة من سلسلة النضال الوطني الفلسطيني المتواصل والمتراكم منذ قرن من الزمان تُصب في نهر النضال الوطني الجاري باتجاه هدف واحد هو التحرير والعودة والاستقلال، كما أنها تتكامل مع أشكال المقاومة الأخرى ورديف لها وليست بديلاً عنها ولن تتوقف حتى انتزاع الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة.

ووفق هذه الرؤية للمسيرة من المفيد تحديد سقف زمني غير معلن لها تكون فيه الرسالة قد وصلت للاحتلال ولكل من يهمه الأمر، كي لا يكون الثمن المدفوع فيها أكبر من الضروري واللازم استعداداً لجولة أخرى من النضال والمقاومة حتى يأذن الله تعالى بالنصر المبين.