حُداءُ الأرض.. والأَنْفُسُ الهِيم/ عقلة عرسان

الساعة 05:50 م|04 مايو 2018

فلسطين اليوم

حُداءُ الأرض.. والأَنْفُسُ الهِيمعقلة عرسان

قبل عشرين سنة تقريباً، كان أحد الفلسطينيين المعنيين بحق العودة في دمشق، يقول: فلتسر جماهير فلسطينية وعربية مسالمة نحو فلسطين، ولتقتحمها مدنياً، ولنر بعد ذلك ما يحدث، فليطلق اليهود النار علينا.. كم سيقتل منا؟.. في النهاية سوف نصل؟!. كنت أضع هذه الدعوة في إطار التعبير عن حلم، بمواجهة الإحباط وانغلاق آفاق الأمل بوجه حل مقبول، يعيد الحق لأهله، ويخفف من معاناة طال أمدها. وفي حيز الأحلام التي تراود المرهقين، من أجل الوصول إلى البيوت والأرض وفسحة النصر الأجمل، بأمل أكمل.

في غزة حققت مسيرة الجياع صباح 23 كانون الثاني 2008 جانباً من الحلم الجميل لذلك الرجل المشوق إلى العودة، وقدمت أنموذجاً يمكن أن يُستقرأ ويبنى عليه، وينتج أحلاماً من هذا النوع، تتخللها كوابيس واقعية مرهِقة لسياسيين وسياسات في البلاد العربية كلها، ولمن يؤرقهم أو يشغلهم أو يهمهم أمن المنطقة واستقرارها، ومشاريعهم ومصالحهم فيها، وهيمنتهم عليها. وجاء يوم في زمن تالٍ، الرابع عشر والخامس عشر من شهر أيار/مايو ٢٠١١، في الذكرى الرابعة والأربعين للنكسة، زخف فلسطينيون يقيمون في سورية، إلى حدود فلسطين، للتذكير باستمرار نضالهم، وعدالة قضيتهم، وحنينهم إلى وطنهم، فلسطين.. اخترقت جماهيرهم أسيجة الشريط الشائك في الجولان المحتل، متحدية الموانع والألغام ومواقع الاحتلال الصهيوني، وتقدمت  من مجدل شمس، نحو فلسطين، ولامست طلائعها بحيرة طبريا، وأطلق جنود الاحتلال العنصري الصهيوني الرصاص الحي على تلك الجموع، فاستُشهد 23 شخصاً، وجُرح 350.".. وتوغل الشاب الفلسطيني حسن حجازي " ٢٨ سنة"، الذي كان موظفاً في وزارة التربية السورية، ووصل إلى مدينة يافا، مسقط رأس أبيه وجده. وبعد أن تجول في المدينة، يوم الاثنين، 16.05.2011، بحثا عن بيت أهله، " قام بتسليم نفسه إلى الشرطة الإسرائيلية بملء إرادته، وقال: "لا يهمني القانون الإسرائيلي، ولا أعترف بشيء اسمه إسرائيل.. هذه ليست إسرائيل، إنها فلسطين، وهي أرضي". سقط شهداء، وجرحى.. وعادت الجموع الفلسطينية من الجولان بأحلام، وآمال، وجراح، وببعض النشوة، نشوة الحلم، الأمل، بالعودة إلى البيوت والبيارات.. لقد تحنَّى الحلم الفلسطيني بدم الشهادة، ونام في المخيمات بين الجرح والأمل، لكنه لم يتيبس، ولم ييأس.

وفي غزة المحاصرة من البر والبحر، منذ أحد عشر عاماً، انطلقت مسيرة المسالمين، في إطار العودة الكبرى، ابتداء من يوم الأرض، نهاية شهر آذار/ مارس ٢٠١٨ وهي مستمرة حتى ١٥ أيار/مايو ٢٠١٨ تحاصر جدار الحصار والفصل العنصري الصهيوني، وقدم الفلسطينيون في غزة، حتى يوم الخميس ٣ أيار، وخلال ثلاثين يوماً: " 45 شهيداً، و 6793 جريحاً ومصاباً بنيران جيش الذبح الإسرائيلي، ووسائل إجرامه التي واجه بها المتظاهرين السلميين ، المُسالمين، الذين يطالبون بحق لن يموت، وبوطن لا بديل عنه، ولا تفريط بذرة من ترابه.. يعلنون عن تجدد الحلم والأمل، وعن تنوع أساليب النضال، وصولاً إلى الهدف الأسمى الأعلى:" تحرير أرض الآباء والأجداد، فلسطين، من دنس الاحتلال الصهيوني، والعودة إلى الأرض والبيت، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.

الحلم الفلسطيني يتحنى بالدم، وينام في مناطق الشتات، في المخيمات والمدن والقرى.. وينمو في القلوب التي تحنوا عليه، وتغذيه بالدم، إنه يتجدد.. والحلم أحد المَداخل المشروعة لتغيير الواقع.. والواقع الفلسطيني، بعد كل هذا البؤس العربي، والإقليمي، والدولي.. يحتاج إلى روافع تنتشله من وهاد كثيرة، ومن أفواه وحوش تحاول سحقه. وها هو الحلم النضالي الفلسطيني، بوجه من وجوهه المشروعة، يشرق اليوم في غزة أذرعاً سلموية من أجل العودة، وإحقاق الحق، ونصرة العدل، وإقامة سلم لن يقوم إلا بعودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه، وممارسته لحقه المشروع في تقرير المصير، بحرية وسيادة وكرامة، فوق تراب فلسطين

فلنحلم معاً، نحن الذين نرى قضية فلسطين قضيتنا، ومركز نضال أمتنا في هذا الزمن، ونراها مسؤولية عربية قبل كل شيئ.. فلنحلم نحن وأشقائنا الذين يعانون، ويقدمون دمهم على طريق الحرية والاستقلال، ودحر العنصرية البغيضة، وإرهاب الدولة الصهيوني.. فلنحلم معاً: خبز وماء وحرية، في فضاء مفتوح، تحلق في مداه أجنحة ملونة.. لكي نخترق واقع الحصار والسجون والإحباط والمعاناة، ونتجاوز ليل الفتنة، المحنة، ونعانق الأشواق الحارة أيضاً، ونعيش لحظة حنين مشتعل للبيت والذكريات وتراب الأرض الذي يريد كل فلسطيني على حافة القبر، أن يدفن فيه، من أول من توفي في بدايات التشرد، إلى آخر الراحلين.

موج الحلم، والحدث، والإحباط، والقتل والحصار والتضييق، والتشويه البشع للوقائع والحقائق.. كل ذلك يمكن أن يدفع الفلسطينيين وسكان الجولان واللبنانيين من أبناء إقليم العرقوب.. إلى أن يتقدموا نحو أرضهم من كل الحدود.. ومن هناك ينتشرون في شرايين الأرض، عبر الجولان والجليل وحيفا ويافا واللد والرملة والقدس وصولاً إلى غزة، ورفح بضفَّتيها، ويفكون الحصار عن الوطن العربي وعن مواطنيه الذين ضاقوا ذرعاً بمعاناتهم وبصبرهم على المعاناة، وبكل من يجرهم إلى حرب على أنفسهم وعلى قضاياهم العادلة.

لكي يحدث هذا لا بد من تمرد كاسح يشهر إرادة الحياة سيفاً.. لا بد من ما يشبه جنون الوعي.. من ثورة جياع للخبز والحرية.. ولا بد من عقل وضمير ومسؤولية قومية وإنسانية عملاقة.، ولا بد من أسباب وأسباب ودوافع وإرادات، مشدودة إلى الحقوق والحريات والأماني العريضة والأحلام المتوهجة. قد ينتج ذلك النوع من التحرك عن انسداد القتل المجاني، والكوارث المدوِّمة في فضاء الأمة، وعن أفق الحياة والأمل المسدودين، لعقود من الزمن، بوجه أشخاص وصلوا مشارف الموت وهم يعيشون شكلاً من أشكال الحياة - الموت كل يوم، وأجيال تنتظر العودة والأمن والكرامة، منذ سنوات وسنوات، وتعيش حرماناً من العمل والأمل والعدل والاستقرار والعيش الكريم.. وتعاني من ذلك كله يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام.. الجوع أو العطش أو الجنون أو التوق المطلق للانعتاق المطلق من سجون شتى تحبس الإنسان العربي وتكبله بقيود وأغلال وسلاسل، فوق قيود وأغلال وسلاسل؟

مستبعد العطش.. قد يتأخر العطش الذي يجعل قوافل الهيم، تُرمِل باتجاه الماء في بحيرة طبريا ونهر الأردن.. التعلق بالحرية والكرامة والتحرير، عطش من نوع يشعل في الوجدان القومي ناراً لا يطفئها الماء.. وذلك يجعلها ترمِل بحثاً عن إطفاء للحريق.. تكسر القيود، وتركض، وتكتسح الحدود، وتفتح بوابات القلب العربي بعضها على بعض.. وتواجه قدرها وتقرر مصيرها.. ويدفعها ذلك إلى السير في مسارات لا يمكن توقعها.. فتندفع ولا تعرف التوقف، نحو آمال وحقوق وأحلام، منها أن يتجول العربي في وطنه من دون حدود وقيود يفرضها أفراد على أمة؟

هذا التوق المتجذر في النفوس، يراود النفس في الحلم، ويمكن أن ينشده الحالمون.. ولكي لا يكون كالسيل الجارف، أو لكي لا يحدث نفعه أبداً.. نحتاج إلى تربية وثقافة وسياسة ثورية من نوع خاص، قد تستغرق سنوات.. وهي ما يحاربه معظم الحكام العرب، قبل الحكام الأميركيين والصهاينة المحتلين. إن عاصفة يتوهج فيها الوجدان العربي، فيشيع الحياة والحيوية في الروحي والمعنوي، ويزيح الرمال والأتربة عن صفاء النفس والقلب، ويفسح الدروب للمَد القومي النهضوي الإنساني.. أمر مستبعد في هذه الظروف التي تزداد سوءاً وانهياراً، لأن الذين يُفترَض بهم أن يحركوا الدوافع  الخيرة، ويغذوا الروح القومي المتزن، بالحوافز والنماذج النضالية، غابوا أو غيبوا، ولُوِّثت أهدافهم وشعاراتهم وسيرهم، أو عُتِّم عليها، وطويت راياتهم ولم تصل إلى متاحف التاريخ.. وخَلَف من بعدهم خَلَف، أخذ يضخ الأدواء والأوحال في جسد الأمة، فاستفحل الهُزال الروحي والمعنوي والمادي في الجسد العربي.. خَلَفٌ يضخ فساداً وإفساداً يقضيان على النقاء، والإرادة، والرؤية السليمة، والثقة، والحلم الجميل.. خَلَف لا يريد أن يسمع حداء الهيم على دروب الحرية والتحرير.. فيحرف بوصلة الحدث والهدف، ويصنع حالة من الاحتراب الداخلي، والإحباط والرخاوة، ويقدم بدائل تنازلية وتشرذمية وانحلالية، تدمر الحالة النضالية السليمة التي يستدعيها الوضع العربيٍ البائس.

بين رفح وبيت حانون، جرى سيل من البشر، فاجأ كثيرين من المسؤولين في دول عربية وأجنبية، وأعطى للجماهير حضوراً مؤثراً، ووضع أمام من يعتمدون على الحصار، ويضيقون على الشعوب، درساً في الإنسانية، وتحذيراً قوياً من غضب الجياع والمظلومين.. ولكنه يحاصر بالقتل الوحشي، والخذلان، وبمحاولة تجفيف مادة الروح، وتقزم فسحة الأمل، وتسويد أفق الحلم، تلك التي رفع أشرعتها فلسطينيون غزاويون.. لقد استنفر حماة الحصار والإذلال والأقطار بوجه موجة مد قومي وإنساني صغيرة، تمتد اليوم، كما امتدت منذ زمن قريب بين ضفتي رفح، وبين غزة وسيناء فأخذت القوى الفاعلة تعيد إحكام الحصار والتجزئة وسيطرة الاحتلال، وعودة المعتقل الصهيوني الواسع الفظيع، معتقل غزة، إلى جال غوانتنامو

سؤال يجرح البال: لو أن يهوداً ممن بقي من أولئك الذين نجوا من معسكرات الاعتقال النازية.. لو أن أشخاصاً عرباً ممن يرفعون اسم اليهودي الناجي من معسكرات الاعتقال ماكس جاكوب، ويفاخرون بحمل جائزته.. لو أنهم يتذكرون جموعاً في المعتقلات النازية هزتها المعاناة الكارثية فاندفعت نحو الحراس في أي غيتو أو معتقل.. في أوشفيتز أو بوخنفالد أو غيتو وارسو أو.. إلخ.. وتذكروا أن البشر يتساوون في المعاناة، ويمكن أن يتساووا من ثم بالمشاعر، ويتقاربوا في ردود الفعل على القتل والإجرام والإهانة والتجويع والتركيع، لأمكنهم أن يروا أن ما يقوم به ساسة الكيان الصهيوني القتَلة المتوحشون، ضد الفلسطينيين المُسالمين، لا يقل أبداً عما قام به النازيون ضد اليهود.. بل هو أفظع وأوسع وأطول وأدوم، بما لا يقاس ولا يُحتَمَل.. لأنه يستمر منذ سبعين سنة، بينما معاناة من كانوا في المعتقلات النازية من اليهود وغيرهم، لم تزد على ثلاث سنوات، ويتم الحديث عنها منذ سبعة عقود ونيِّف، وكأنها حدثت اليوم؟ .. لو أنهم فعلوا ذلك لرأوا في زحف الغزاويين على أسوار الاحتلال، بلحمهم ودمهم.. تحركاً إنسانياً عادلاً، وتعلقاً بالحرية، يرفع رأس الإنسان عالياً، ويستلهمه الإبداع العربي والإنساني. لا يوجد ضمير ولا ذاكرة سوية عند الصهاينة وحلفائهم، يسعفانهم في تذكر مساحة المشهد الإنساني، والشعور به في العمق.. ولا توجد قيم ومعايير وحساسية إنسانية سليمة عندهم وعند من يوالونهم.. إنهم لا يشعرون بإنسانية الآخرين، ومن مواقع عنصرية فوقية متوحشة، يرون جرائمهم فتوحات إنسانية كبرى، و" دفاعاً عن النفس؟!".. هؤلاء بينهم وبين الحقيقة والمنطق والسلامة النفسية والروحية، مسافات ضوئية شاسعة.. إنهم ينظرون إلى معاناتهم ويتذكرونها ويستثمرونها، وحشية يسومون بها الأبرياء سوء العذاب.. إنهم يتذكرون معاناتهم في التاريخ وينسون المعاناة التاريخية لملايين الفلسطينيين والعرب الذي تعرضوا ويتعرضون للاحتلال العنصري، وممارساته ومعتقلاته، الأسوأ من النازية بكثير.

الأحلام يمكن أن تغذي الخيال، ولكنها لا تصنع الواقع إلا في حالات استثنائية، مثل تلك التي تحدث في غزة، حيث يصنع الحلم واقعاً، وسوف يؤدي ما صنعه إلى تغيير سياسي على المدى البعيد.. وإلى تغيير في المنظومة الأمنية، وربما الفكرية، للمحتل العنصري الصهيوني.. 

هل يفكر اليهود فيما يمكن أن يحدث لو تحركت جماهير فلسطينية غاضبة عطشى وجوعى ومنقوعة في الألم والقهر ومحشوة بالغضب.. من الأردن ومصر وسورية ولبنان، نحو بيوتها ومياهها وحقولها وبساتينها في فلسطين، ومن خلفها قوافل عربية، تُمِدّها بمد بشري هائل، يحدو حداء العودة، ويكتسح الحدود، وينشُد المرابِع العامرة في الذاكرة والوجدان؟

تلك أوهام أم أحلام لا أكثر.. ولكن غزة فتحت آفاق الحلم، فاندفعت سيول من البشر.. في أيام تحولت غزة إلى سيل بشري يتنفس الحرية، ويدافع عن البقاء، ويجسد حلم المواطنين العرب، بنسف الحدود، والتلاقي في الفضاء الرحب لوطن الأمة. أحلام.. وأحلام تترى في فضاء الأنفس.. التحرير، وفتح الحدود، وتنقل الناس بحرية.. والعودة إلى البيت.. إنهم سيعودون إلى بيوتهم. كل إلى بيته في نهاية المطاف.. الفلسطيني الذي أتى من مخيم جباليا أو مخيم اليرموك، والصهيوني الذي أتى من روسيا، ونيورك، وبولندا، و.. كل سيعود إلى بيته، وكل يعشق بيته ويحنّ إليه، حتى لو كان في ذاك البيت صحراء جرداء.

سيقول قائل وما ذا عن اليهود.. نعم اليهود .. لا بأس في أن يعود من يريد من اليهود إلى بيته في البلد العربي الذي كان فيه، إذا كان يشتاق إلى العودة إليه.. الشوق العارم يفتح الأبواب الموصدة.. ويمكن أن يفعل اليهودي من أولئك بأمن وأمان.. لأن العرب والمسلمين لا يحملون الحقد، ولا يحلمون بموت الآخرين أو قهرهم أو حصارهم في معتقلات، ولم يمارسو إبادة من أي نوع.. يمكن أن يعود من يحلم بالعودة تماماً مثل الفلسطينيين.. وحلم الفلسطينيين بوطنهم رأس العودة والشرعية والمشروعية.. لأنهم حرموا منه بقوة الإرهاب والحديد والنار والقهر والحصار والاستعمار.

أحلام.. بأن يعود الاستقرار إلى أرض السلام، ويذهب الاشكينازيم الخزريون، والصهاينة المجرمون الغلاة، ومعهم سجونهم واحتلالهم ومعتقلاتهم وبؤسهم الروحي، وحقدهم التاريخي على الأمم " الغوييم".. إلى حيث يريدون، حتى إلى الجحيم، وأن يذهب معهم من يقف وراءهم من الغربيين المتطرفين دينياً، والمهوسين بالاستعمار والاستعباد والاستغلال ونهب خيرات الشعوب وثرواتها، وإقامة ازدهارهم على حساب فقرها وجوعها وبؤسها وخراب أوطانها.. وكذلك " عرب" فقدوا صلتهم بالأرض والتاريخ والأمة، ووالوا أعداءها.. فليذهبوا جميعاً، وتبقى فلسطين لأهلها الأصليين، الشعب الفلسطيني.

تعالوا نحلم.. تعالوا نكتسح الأرض سلمياً بأطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا.. ونعيد الوضع إلى الاستقرار.. نفعل فعل الماء المندفع في الأواني المستطرقة.. يثور ويفور ويترجرج ويتموَّج، ثم يعطي المنسوب الصحيح للوضع الصحيح، ويستقر .

أيها اليهودي الفلسطيني، المغربي.. الجزائري.. التونسي.. السوري.. اليمني.. العراقي.. المصري.. إلى آخره.. هل تريد أن تعود إلى الأرض التي حوتك وحمتك وولدت فيها وتنكرت لها، ثم قاتلت أهلها عدواناً وزوراً وبهتاناً.. هل تريد؟!.. لعلك تحن إليها؟.. تفضل.. لك ذلك مع الأمن والأمان.. وللفلسطينيين مثل ذلك في وطنهم فلسطين، مع الأمن والأمان.. تفضل عد.. عليك ما على أهلها من الواجبات ولك مالهم من الحقوق.. نحن العرب لا نظلم ولا نتجنى ولا نتشفى.. ولكن لا نتنازل عن حقوقنا وأرضنا، ولا عن عروبة فلسطين.. لا دولة صهيونية ولا يهودية ولا إسرائيلية في فلسطين، في آفاقنا المُستقبلية، بل دولة فلسطين.. ولسنا ضد اليهود المسالمين الذين يعيشون بيننا فيها.. تفضل.

ويا أيها الفلسطيني الذي ذاب شوقاً إلى فلسطين،  وأُبعِد عنها بالقوة والإرهاب الصهيونيين، وبالتواطؤ من دول وجهات عدة.. تدفق في شرايين وطنك، واستقر فيه، وعش في دولة فلسطين العربية التي فيها أقلية يهودية، كانت تعيش معك في فلسطين قبل نكبتك التي نُكبت بها، بصهيونية هي الإجرام والإرهاب. استعد وطنك بكل الوسائل.. ومن بينها الزحف السلمي إلى البيت وشجرة الزيتون والبيَّرة والزعتر البري، والحَنُّون.. ولتكن لك المسيرة السلمية في الفجر، أو على ضوء قمر مكتمل الدَّارة، حيث تركب مراكب النضال، وتبحر في تألق ساحر، وتصنع خيالاً ساحراً، تمنحه حياة روحية، وطنية وقومية وإنسانية، وتقدم أنموذجاً تاريخياً لحدث تاريخي.. تقدم، فلن تخسر أكثر مما خسرت..

الحلم يتوهج.. أفق الأمل مفتوح.. يزعزع بوابات العبور المحروسة بالدبابات والجدران والكراهية.. العدو سيرتجف العدو يرتجف.. أيها الفلسطيني الأرض نعل لقدميك.. تقدم.. الحداء يطرق طبلة الأذن.. تقدم.. ازحف إلى وطنك بكل الأدوات والوسائل.. كل إلى بيته وحقله وشجرة الزيتون والبيَّارة.. تقدم إلى الوطن بكل الوسائل، ولا تتنازل عن حقك في ذرة من ترابه..

فلنتقدم إلى وطن الذكريات.. نعيش كما يعيش الخلق.. نعيش، وندع غيرنا يعيش.. ولنصنع سداً بوجه القتل، والاستعمار، والعنصرية الصهيونية، والكراهية، والغزو، والاحتلال، والانحلال، والطغيان.. نعيش وندع كل الناس الأنقياء في هذه الأرض التي تعب فيها الناس، يعيشون.. يعيشون بأمن وسلام.. فلنزحف.. لقد بُحَّ صوت الطيّون والزعتر والليمون بالنداء.. يا أهل الأرض المقدسة فلسطين.. أرض الوقف والرسالات.. تقدموا.. إن حداء الأرواح يشد نياط القلب إليه.. أرضكم تناديكم، وشوقكم إلى أرضكم طال، وأنتم قوافل العطش.. ليس لديكم ما تخسرونه إذا ما غفوتم بصورة ما على حدود فلسطين.. إن ترابها حنون، يهزج في الهزيع الأخير من كل ليل، منادياً أهل التراب المُقدس، يُزَعْفِر النشيدَ بالزعتر والريحان.. لا تخشوا أن تغفوا على حافة ترابها، فكثيرون منكم يوصون أن: "إذا مِتنا ادفنونا في وطننا فلسطين".. ولن تكون فلسطين في نهاية المطاف إلا لكم.. لنا.. لأمتنا العربية التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها حيال قضيتها المركزية.. قضية فلسطين، أيقظوها، وكونوا رأس حربتها.

 

 

 

كلمات دلالية