بعد سبعين عاماً.. "إسرائيل" ما بين الوَهم والحقيقة.. حسن لافي

الساعة 05:18 م|01 مايو 2018

فلسطين اليوم

في احتفالات "إسرائيل" على مرور سبعين عاماً على تأسيسها، وقف رئيس وزرائها "بنيامين نتنياهو" قائلاً:" نحن الأقوى دائماً ، والإعجاب بإسرائيل ينتشر حتى في الدول العربية"، فهل حقاً "إسرائيل" بعد هذه الفترة هي الأقوى؟!.

تمتلك "إسرائيل" جيشاً قوياً مزوّداً بأحدث الأسلحة التكنولوجية، سلاح الطيران، وحديث عن سلاح النووي، بالإضافة إلى امتلاكها اقتصاداً مزدهراً بالمقارنة بحجمها الجغرافي والسكاني، مرتكزاً على بنية إنتاجية للتكنولجيا المتقدّمة تصل إلى45% من صادراتها العامة، وعلى الصعيد الخارجي لديها علاقات تحالفية استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية القُطب الأهم في منظومة السياسة الدولية، بل ازدادت قوّتها بالمُقارنة بالمنظومة العربية بعد زلازل الربيع العربي، والانقسام الحادِث في الساحة الفلسطينية، إلا أن هذه الصورة الوردية، تختفي خلفها أزمات جوهرية تجعل من مجرّد استمرارية بقاء دولة الكيان لتحتفل بمرور 100عام على تأسيسها هدفاً، يسعى زعماؤها جاهدين لتحقيقه.

التناقض ما بين قوّة "إسرائيل" الظاهرة من جهة، و الخشية على مستقبل وجودها من جهة أخرى، يخفي في طيّاته العديد من المؤشّرات السلبية على مستقبل استمرارها من أهمها:

أولاً: أزمة الشرعية، بعد مرور قرن على وعد بلفور، وسبعين عاماً على تأسيس الكيان، مازالت شرعية "إسرائيل" محل تساؤل ، و أمراً لم يُحسم بعد، هذا الأمر لا تجده في أية دولة أخرى، فمن غير المنطقي أن يشغل بال الفرنسي مثلاً، هل سيستمر الشعب الفرنسي موجوداً في فرنسا؟، حتى ولو لمائة قرن من الزمان!!.

خطيئة الاحتلال مغروسة في اللاوعي الصهيوني، تنغّص عليه حياته، إن عقدة الخوف على وجوده حاضرة دائماً في مخيّلته، تتحكّم في سلوكه الاجتماعي ، لدرجة أنها باتت "فوبيا جماعية" تدركها النخبة السياسية في دولة الاحتلال، بل تستخدمها بقوّة ضد جماهيرهم، لضمان انصياعهم إلى رغباتهم السياسية، فمجرّد التلويح بأن التموضع الإيراني في سوريا، ومن قبله تطوير قدرات إيران النووية خطر وجودي، ينتهي النقاش عن قضايا الفساد الداخلية، المتورّطة بها النُخبة السياسية الصهيونية وفي مقدّمهم نتنياهو نفسه، ويخضع الجميع لقرارات تلك النُخبة، وحتى على الصعيد السياسي والاقتصادي، من المُتعارَف عليه أن المستوطن الإسرائيلي لا يتخلّى عن جنسيّته السابقة طواعيةً ، ناهيك عن سعيه الدائم إلى فتح حسابات بنكيّة لادّخار أمواله خارج "إسرائيل" كإجراء احترازي ، لأنه في حقيقة نفسه غير مُقتنع نهائياً أن وجوده على هذه الأرض دائم ومستقر.

ثانياً: أزمة غياب الاستراتيجية الأمنية، والاكتفاء بالتكتيك في مواجهة التهديدات الأمنية العسكرية، فدولة الاحتلال ليس لها خطة مُحدّدة للتعامل مع الأخطار في كلا الجبهتين الشمالية والجنوبية.

لا تعرف "إسرائيل" ماذا تريد من غزّة؟!!، هذه المُعضلة عبّر عنها وزير الإسكان الصهيوني "يوآف جالنت" وقائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال في فترة الحرب على غزّة عام 2008، عندما صرّح " كل مقترح قُدِّم بالماضي عن احتلال غزّة أو أشياء من هذا القبيل ، أتوجّه له بسؤالين: ما هو ثمن تنفيذ هذا الاحتلال؟ ومَن سيحكم غزّة بعد إسقاط حُكم حماس؟ هل أبو مازن؟ هل المصريين؟ هل الأوروبيين؟ هل نحن؟ أنا لا أرى أيّ متطوّع، ولا أقترح أن نكون نحن هناك ، أنا لا أرى أنفسنا ندخل للقطاع، ولكن يجب علينا أن نساعدهم إنسانياً، وأن نحسّن أوضاعهم الحياتية"، بمعنى أن "اسرائيل" لم تحدّد خياراتها تجاه التعامل مع المقاومة في غزّة ، وهذا ما أشار إليه تقرير مراقب الدولة حول حرب 2014 على غزّة ، الذي أوضح فيه "أنّه لم يُحدّد هدف استراتيجي طويل المدى كان يمكنه توجيه الحرب"، بل وأضاف التقرير "إنّه كانت هناك حاجة ماسّة لتقديم مُلخّص حول هذه الاستراتيجية قبل الحرب، وليس خلال الحرب، عندما بدأت القيادة تلائم نفسها للهدف الاستراتيجي".

تنتهج "إسرائيل" في الجبهة الشمالية استراتيجية "المعركة ما بين الحربين"، الداعية إلى إضعاف قدرات الخصم من خلال وضع خطوط حمراء لا تسمح له بتخطّيها، مع الحرص على عدم تدحرج الأوضاع إلى حربٍ شاملة معه، لكن هذه الخطّة في جوهرها تُفقِد "إسرائيل" زمام المبادرة، كونها ترتكز في أساسها على ردّة فعل الخَصْم، وبالتالي "إسرائيل" مُطالَبة لوضع خطة لمواجهة جميع السيناريوهات، التي من الممكن أن ينتهجها الخصم، وهذا أمر يُقارب درجة المستحيل، لذا التزمت "إسرائيل" سياسة ضبابية خطوطها الحمراء، من أجل التمويه على غياب الاستراتيجية الفعلية تجاه الجبهة الشمالية.

ثالثاً: "تآكل المناعة الوطنية" بالمُصطلح الصهيوني، وهنا لن نتحدّث عن الفجوات الاقتصادية الآخذة بالتعمّق، واتسّاع دائرة الفقر، والشروخ الإثنية غير القابلة للجسر، وظاهرة فساد النُخَب في دولة الاحتلال، ولكن نركِّز الحديث على ظاهرة "الفجوات العقائدية"، التي تزداد عُمقاً بين اليمين واليسار الصهيوني، حتى أنها طالت مؤسّسة الجيش، نواة الإجماع الوطني الصهيوني، وما حدث من تهجّم اليمين الصهيوني على قادة الجيش، وشرعية المؤسّسة العسكرية أثناء محاكمة الجندي القاتِل "أرون أزاريا"، لهو أكبر دليل على ذلك، ناهيك عن الحملة المسعورة المُعلَنة التي يقودها اليمين الديني ضد المحكمة العليا، المعقل الأخير للديمقراطية الصهيونية.

هذه الأزمات دفعت بشخصية اعتبارية مثل المراسل العسكري للقناة الثانية "روني دانييل"، ذو الخلفية الصهيونية العسكرية العريضة، أن يُصرّح، أنه ليس متأكّداً أن أولاده يريدون العيش في "إسرائيل".