كُتّاب القواعد- اسرائيل اليوم

الساعة 09:50 م|20 ابريل 2018

فلسطين اليوم

بقلم: يوسي بيلين

لا تتشارك اجيال السياسيين ذات جينات الاجيال البيولوجية. فالاخيرون يتميزون حصريا بعمرهم بينما الاجيال السياسية يتميزون بارائهم وافعالهم. فاذا كان النظام الملكي ينجح في حفظ سلالته على مدى مئات السنين وكل ما يتغير هو العدد المرفق باسماء الملوك، فلا يمكن الحديث عن اجيال من السياسيين في ذات المجتمع، ولكن اذا صعد الى الحكم زعيم معني باحتلال العالم، بوضع حد للحكم في كل العالم، لمنح دستور لشعبه او لاجراء تغيير دراماتيكي آخر، فانه كفيل بان يقود جيلا كاملا من الناس ممن يمنحونه الدعم، ويرون أنفسهم كجيل سيغير وجه تاريخ شعبه.

 كل واحد من الاجيال السياسية في اسرائيل صممه الواقع والاحداث الكبرى التي وقعت هنا، وكل واحد منهم ساهم في تصميم واقع حياتنا. الجيل السياسي الاول، ولد في معظمه ان لم يكن كله في الثمانينيات من القرن التاسع عشر (مثل بن غوريون، بن تسفي، شزار). ويدور الحديث عن شبان عزاب وصلوا الى بلاد اسرائيل منذ بداية القرن العشرين وحتى الحرب العالمية الاولى. اناس الهجرة الثانية كانوا صهاينة شككوا بفكرة هرتسل لنيل امتياز قوة عظمى، يمنح اليهود ارض معيشة خارج اوروبا، ولكنهم آمنوا بالفكرة الصهيونية. وتوجهم التاريخ كمن ينتمون لمعسكر الصهيونية العالمية (مقابل الصهيونية السياسية لهرتسل). وجاءوا الى البلاد بقواهمالذاتية، رأوا أنفسهم كطلائع سيسير كل المعسكر في اعقابهم، وأمنوا بـ "انقاذ الارض" من ايدي الافنديين العرب، بالعمل الزراعي الذاتي وبالمساواة.

 شاعرية الاسود أو الابيض

 تميز الجيل السياسي الاول بحماسة ايديولوجية وايمان عميق. كجيل مؤسس، نجح في اقامة مؤسسات واجهزة حكم تحت الحكم التركي، وبالاساس تحكم حكم الانتداب البريطاني، كان مقتنعا بعدالة طريقه وكرس وقتا طويلا لمداولات ايديولوجية اعتبرت – من آخرين – كجدالات على كل حرف. اما الجماعات الاخرى في المجتمع اليهودي الصغير فكانت هامشية في حجمها. "الحاضرة القديمة"، اي اليهود الاصوليون الذين عاشوا في المدن المقدسة، لم تؤدي دورا سياسيا. اما اليمين الجابوتنسكي فكان صغيرا في حجمه، والعناصر المدنية، ممن جاءوا في الهجرة الثالثة (فور نهاية الحرب العالمية الاولى) ولا سيما في الهجرة الرابعة (في نهاية العشرينيات) تعاونوا مع الاقدم منهم، حتى وان كانوا آمنوا اكثر بالنهج الرأسمالي، وهو الامر بالنسبة لي اناس الهجرة الخامسة، في الثلاثينيات، والتي كانت اكثر ثقافة وليبرالية، ولكنها قبلت بسيادة المؤسسين.

 لقد اقام هذا الجيل الاحزاب العمالية، مؤسسات المعونة المتبادلة، الهستدروت العامة، و "شركة العمال"، مكتب العمل، وبالاساس الموشافات والكيبوتسات، والتي رأوا فيها قدوة لطريقة العيش في البلاد، وفي ضوئها ربوا حركات الشبيبة.

 وكان الحديث التأسيسي لهذا الجيل هو قرار الهجرة الى البلاد، والتحديات الشخصية والجماعية التي كانت من نصيبهم في تلك الايام، في العشرينيات من حياتهم. اما الاجيال البيولوجية الاكثر شبابا فساروا بثقة في طريق ابائهم الذي آمنوا بعدالته. وبدا نجاحهم في نظرهم كايثاء بتوقعات المؤسسين. من لم يكن عضوا في الهستدروت كان يعتبر كمن يستغل العمال. ومن ترك الكيبوتس كان يعتبر فشلا، ومن لم يؤمن بالقدرة على دمج اتحاد مهني مع ملكية الشركات الهستدروتية كان يعتبر راسماليا. وقوة الجيل السياسي الاول، استعداده للتضحية من اجل العموم وايمانه شبه الديني بعدالة طريقه، كل هذا وضع في الظل جيل ابنائه، ممن ولدوا هنا ليجدوا الامر جاهزا امامهم.

 ادارة مخترقة للطريق

 اما الجيل السياسي الثاني، فولد في معظمه بالعقد الذي بين 1915 و 1925 (موشيه دايان، يغئال الون، ابا ايبان، اسحق رابين، شمعون بيرس، عيزر وايزمن وآخرين). والحديث المصمم لهؤلاء الاشخاص كان الكفاح لاقامة الدولة. كان هذا هو الجيل التكنوقراطي الذي لم يشكك بفكر الجيل الاول، ولكنه لم يحب اسلوبه: المداولات الطويلة والمملة، نسب حجوم تاريخية لكل تدشين لمصنع. لقد كانت هذه مجموعة لم تتميز بمزايا يهود المنفى والكثير من اعضائها كانوا ممن تركوا الكيبوتسات او الموشافات. وفي نمط حياته عبر هذا الجيل عن تحفظه من الطريقة التي اختارها اباؤه، ولكن في مواقفه واصل طريقهم. والانتقاد عليهم كان في أنهم لا يتحركون ايديولوجيا كابائهم وردهم كان ان الاباء شقوا الطريق، جففوا المستنقعات واقاموا المؤسسات، اما هم فيسعون للتقدم نحو النصف الثاني من القرن العشرين والتركيز بنجاعة اكبر على الجيش والوزارات الحكومية.

 وبخلاف الجيش الاول، معظمهم لم يكتبوا كتبا ايديولوجية ولم يحاولوا التصدي لمسائل فلسفية. فقد رأوا أنفسهم كاناس قيميين يواصلون في الطريق الصحيح ولكن اهتمامهم تركز على عدم تبذير وقتهم على الفلسفة وهم قادرون على أن يجلبوا الى البلاد مناهج ادارية جديدة تعلموا بعضها في الخارج – سواء في اطار حياتهم المهنية العسكرية أم في أطر اخرى.

من العام الى الخاص

ولد الجيل السياسي الثالث في منتصف القرن العشرين. وتشكل من مواليد البلاد وممن هاجروا اليها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد تربى على خلفية احداث الكارثة. كان اقل انسانية من أسلافه، والحدث الذي صممه كان حرب يوم الغفران. وقد تضمن الاحفاد الايديولوجيين لجيل المؤسسين (مثل "الثمانية" في كتلة العمل في الكنيست والذي ضمت في عضويتها ضمن آخرين نيسيم زفيلي، حاييم رامون وعمير بيرتس) والى جانبهم أبناء الجيل الشاب لـ "العائلة المقاتلة"، اناس حركة حيروت، ممن كان اباؤهم اعضاء في التنظيم السري في الايتسل، وبعض منهم كانوا في الكنيست (ايهود اولمرت، دان مريدور، روني ميلو وآخرون).

اما شباب المفدال فكانوا المجموعة الجيلية الثالثة. فقد تميزت بفك الارتباط عن صورة "المبايي مع الكيبا" لابائها الايديولوجيين واتخذت خطا مسيحانيا، رأى في نتائج حرب الايام الستة فرصة للاستيطان في كل المناطق التي احتلت في ايامها القليلة. بعد حرب يوم الغفران منح هؤلاء الشبان (بقيادة زبولون هامر ويهودا بن مئير) رعاية لغوش ايمونيم ونشاطها الاستيطاني.

السلام الان (التي ولدت على خلفية المحادثات بين اسرائيل ومصر) وغوش ايمونيم تحولتا الى التعابير المؤسساتية الابرز للوحدتين الجيليتين في الجيل الثالث. وتبلورت هنا فكرتان بدا وكأنه لا يمكن الجسر بينهما؛ المؤمنون بتقسيم البلاد رأوا في حرب يوم الغفران دليلا على أن المناطق المدارة ليست أحزمة امان وان المشكلة الاشد في هضبة الجولان كانت اخلاء بيوت الاصليين، في الوقت الذي اندفعت فيه القوات السورية نحو كيبوتس غدوت. وتحدثت فكرة غوش ايمونيم عن خطر ضياع الفرصة للاستيطان في اماكن اخرى وتحقيق الوعد لابونا ابراهيم. وهذا لا يزال هو التقسيم الابرز. "فتيان الشموع"، اولئك الذين بكوا اغتيال رابين، لم يخلقوا ايديولوجيا اصيلة، والجدال السياسي الذي لا يزال يميز السياسة الاسرائيلية بقي بين من يتبنى اعادة المناطق وبين من يسعى الى اقتسامها.

بقدر معين يمكن القول ان الجيل الذي ولد في سبعينيات القرن الماضي والذي صمم اتفاق اوسلو واغتيال رابين بقدر كبير افكاره السياسية اتجه الى "احتجاج الكوتج"، وهو يوجه طاقاته لحل مشاكل الفرد، انطلاقا من الاحساس بان الفيل الذي في الغرفة اكبر مما ينبغي.

كلمات دلالية