المجال الاسرائيلي- معاريف

الساعة 09:43 م|20 ابريل 2018

فلسطين اليوم

بقلم: ألون بن دافيد

  ان احدى المهام التي من المجدي تبنيها في العقد الجديد الذي بدأناه هي اقتلاع الاحساس بالآنية الذي لا يزال يعشعش في قلوب الكثيرين منا، عقلية الغيتو والحصار الذي لم يعد لها مكان في دولة قوية ابنة سبعين زائد. أتفاجأ كل مرة من جديد لرؤية كيف ان كل تهديد عليل يطلقه احد الجيران ينجح في ادخال الكثير من الاسرائيليين في حالة هلع وجودي. بالفعل، منذ اليوم الاول من العقد الثامن لنا سنعنى بتحديات الامن، ولكننا سنعنى بها من موقف قوة عظمى تردع بنجاعة كل الجيران وقادرة على تصميم الواقع الذي من حولنا.

 الجيران من الجنوب سيواصلون اشغالنا بمظاهرات نهايات الاسبوع القريبة. ولكن تحدي هذه الايام هو الحفاظ على حالة التوافق التي خلقناها مع جارتنا الجديدة – روسيا، وردع من يصر على ان يكون جارا – ايران. فالمعركة مع الايرانيين، التي دارت على مدى السنين في الظلام وبواسطة مبعوثين اصبحت مباشرة وهذا حدث ينبغي أن يقلق الايرانيين اكثر مما يقلقنا.

  موجز الفصول السابقة: في ايلول الماضي زعم ان اسرائيل هاجمت مصنعا لتركيب الصواريخ الدقيقة الذي اقامته ايران في المصايف في سوريا. فبعد ثلاثة اشهر من ذلك علم ان اسرائيل دمرت ايضا قاعدة اقامها الايرانيون في قيسوه في جنوب دمشق، والتي كان يفترض بها ان تكون القيادة وتنزل فيها قوات الحرس الثوري. أقر الايرانيون الرد وفي شباط اطلقوا طائرة مسيرة نحو اسرائيل، سمح الان بالنشر بانها كانت مسلحة. ظاهرا، هذه طريقة عمل جد غير مميزة للايرانيين، الذين يخافون المواجهة المباشرة مع اسرائيل. وعليه يمكن الافتراض بان الطائرة المسيرة التي بعث بها الايرانيون تستهدف تنفيذ هجوم دون الاعلان عنه: اطلاق صاروخ نحو هدف اسرائيلي عسكري، مرغوب فيه الا يكون مأهولا كي لا يتسبب باصابات، والعودة بهدوء الى سوريا. كما اراد الايرانيون الاشارة الى أنهم هم ايضا قادرون على الهجوم في اراضي اسرائيل دون ترك بصمات. ولكن هذه العملية انكشفت وانتهت بهجوم اسرائيلي على منصة التحكم في مطار تي فور. هذا، وليس الهجوم الذي نفذ هذا الشهر، كان المرة الاولى التي تنفذ فيها اسرائيل عملية عسكرية علنية ضد هدف ايراني مأهول.

هذا لن يردع الايرانيين من مواصلة اقامة منظومة الطائرات المسيرة، مسنودة بقدرات دفاعية جوية في القاعدة السورية تي فور. وقبل اسبوعين دمرت اسرائيل، وفق التقارير من سوريا، هذه المنظومة، ببناها التحتية وبرجالها. تي فور هي قاعدة ينزل فيها سوريون، روس وايرانيون. ومن الصور التي نشرت من المطار المقصوف واضح انه تم استخدام ذخائرة صغيرة، موضعية، عرفت بالضبط اي مخزن يتوجب اختراقه.

 ركامات من التحليلات كتبت عن مقال توماس فريدمان في "نيويورك تايمز" الذي اقتبس اعترافا اسرائيليا بالهجوم والذي شطب بعد ذلك. ولكن يبدو أن الحقيقة البسيطة هي أن فريدمان، الذي تلقى استعراضا في اسرائيل، ببساطة حطم قواعد عدم الاقتباس. وهكذا فان كبار رجالات الـ "نيويورك تايمز" يخرقون القواعد احيانا.

 لقد تكبد الايرانيون سبعة قتلى في هذا الهجوم وصعب عليهم التجلد. قاسم سليماني، قائد قوة القدس، سارع للوصول الى دمشق بعد ساعات من الهجوم. وفي هذه الايام يحاول أن يخطط ما يمكن ان يعتبر ردا متوازنا لا يثير عليهم غضب اسرائيل. من سارع الى الدخول الى المجأ في اعقاب تصريحات علي شيرازي بان ايران ستبيد تل ابيب وحيفا، مدعو للخروج وتنفس الصعداء. فليس لديهم هذه القدرة.

ان التصريحات التي صدرت عن لبنان، من حسن نصرالله، عبر نائبه نعيم قاسم وحتى بوقه الصحفي ابراهيم الايمن، اوضحت ايضا بان ليس لايراني اي مصلحة بتفعيل حزب الله في ردها والمخاطرة بحرب في لبنان. وعليه فيبدو ان الرد الايراني سيأتي من الاراضي السورية. وستبحث ايران عن رد يكون متوازيا: المس بجنود الجيش الاسرائيلي في الشمال وعلى نحو شبه مؤكد من خلال مبعوث، ولكن بشدة ستعرف اسرائيل كيف تحسمها. صلية صواريخ على قاعدة اسرائيلية، عبوة قرب الجدار او نار مضادة للدبابات نحو قوات الجيش الاسرائيلي في الجولان. وقد اوضح رئيس الوزراء ووزير الدفاع باننا لن نحتوي اي شكل من الرد تعقدا المعضلة لهم.

وبالتوازي، شرعت اسرائيل في معركة وعي حين كشفت النقاب عن اعمال القوة الجوية للحرس الثوري في ايران وفي سوريا. وجاء الكشف للايضاح لسليماني، لقائد قوته في سوريا سعد إزري ورجالهم بانهم مكشوفون من ناحية اسرائيل وسيدفعون ثمنا على كل عمل. ولكن ليس اقل من ذلك جاء النشر ايضا لعيون الكرملين ولبشار الاسد. والرسالة هي ان التواجد الايراني يعرقل المساعي الروسية لاعادة تثبيت دولة شرعية في المكان الذي كانته سوريا.

 تذكير من الغرب

 يتطلع فلاديمير بوتين لان يؤسس في سوريا المستعمرة الروسية الاولى (منذ الحرب الباردة) خارج مناطق نفوذه القريبة. وهو يخطط لاعادة بناء الدولة المدمرة بواسطة شركات روسية، الحصول على شرعية دولية لمواصلة حكم الاسد، لتثبيت مكانة روسيا كقوة عظمى تتواجد في الشرق الاوسط وعلى الطريق كسب بعض المال ايضا. اما الجهد الاسرائيلي فهو للايضاح له بان الشراكة مع الايرانيين ستمس بهذه المصلحة.

بعد الهجوم في تي فور امتشق الروس بطاقة صفراء لاسرائيل وحذروا من ان العمليات العسكرية هناك هي "تطور خطير". فالهجمات المتواترة لسلاح الجو في سوريا وحقيقة ان اسرائيل تعمل في سوريا كما تشاء تضعضع الجهد الروسي لتثبيت دولة سيادية هناك. فقد مل الروس هذه الهجمات، وهم ايضا، في هذه الايام، يعيدون احتساب المسار. لروسيا قدرة على المس الشديد بحرية عمل سلاح الجو، ولكن ليس لها رغبة في ذلك. خير فعلت اسرائيل إذ ذكرت الروس في الايام الاخيرة بانها اذا اختارت – يمكنها أن تمحو نظام.

 كما أن الهجوم الامريكي ذكرتهم بهذا ايضا. فقد كان محدودا، وخسارة ان هكذا، ولكن 110 صاروخا نزلت على سوريا، رغم التواجد الروسي هناك، شكلت تذكيرا بان الغرب ايضا يمكنه أن يمحو نظام الاسد من على وجه الارض. بوتين ليس صديقا لاسرائيل، وهو يتعاون مع اسوأ اعدائنا. ولكن ليس له اي مصلحة للمواجهة مع اسرائيل، التي تعتبر في نظره القوة الاهم في المنطقة، وعليه فاسرائيل ايضا ينبغي أن تحذر الا تجعله عدوا.

تعمل الساحة الامنية والسياسية هذه الايام على حفظ علاقات الاحترام المتبادل مع روسيا. فالطيارون الاسرائيليون قاتلوا في حرب الاستنزاف امام الطيارن الروس. ولكن ليس لنا اي مصلحة لاستئناف تلك الايام. والرسالة لموسكو هي أنه اذا خرج الايرانيون وتوقفت ارساليات السلاح الى حزب الله – لن يكون لاسرائيل سبب لمواصلة العمل في سوريا.

لقد اخطأنا حين لم نعمل على تصفية الاسد قبل سنين، قبل ان يدخل الروس الى سوريا. والاسد يجمع اليوم في هذه الارض الاقليمية كل القوى المعادية حيالنا. لقد كان عاموس يادلين أول من اشار الى ذلك، ولكن اسرائيل اصرت على الالتصاق بسياسة عدم التدخل في الحرب في سوريا. اما اليوم فمحظور قبوله كحقيقة ناجزة ويجب مواصلة الايضاح له ولشركائه بان حكمه يمكن أن يمحى بقرار في لحظة.

في الخلفية ينبغي ان نتذكر بان الايرانيين قلقون بقدر لا يقل من امور اخرى ايضا. فعملتهم استكملت هبوطا بمعدل 30 في المئة من بداية السنة، ما هو كفيل بان يصعد مرة اخرى الاعتراضات الداخلية ولكن ايضا يشجع النظام على توجيه الاهتمام باسرائيل. تقف ايران امام فترة من الضعف: زعيمها الاعلى خامينئي لن يطول زمنه وكل من سيحتل مكانه لن يتمتع بهالة الرجل الذي يسيطر بلا قيود في ايران منذ نحو 30 سنة. بعد موته ستفتح مرة اخرى نافذة فرص لتحقيق التغيير في المجتمع الايراني.

كلمات دلالية