أنا لست خجلا، أنا مذنب - هآرتس

الساعة 02:44 م|16 ابريل 2018

بقلم: أوري افنيري

 

(المضمون: أنا لست خجلا فقط بل أنا مذنب ايضا بسبب صمتي على القتل الذي يحدث في قطاع غزة - المصدر).

 

سجلوا: أنا اوري افنيري، رقمي العسكري 44410، ارسل بهذا طلاق قطعي للقناصة الذين يقتلون متظاهرين غير مسلحين على طول حدود قطاع غزة، لهم ولقادتهم الذين يصدرون لهم الأوامر، من الضابط الصغير وحتى رئيس الاركان. نحن لا ننتمي الى نفس الجيش. نحن لا ننتمي الى نفس الدولة. نحن بالكاد ننتمي الى نفس الجنس البشري.

 

هل حكومتي تنفذ "جرائم حرب" على الحدود مع قطاع غزة؟ لا أعرف. أنا لست رجل قانون. يبدو أن رجال محكمة الجنايات الدولية يعتقدون أن اعمال الجنود تشكل حقا جرائم حرب. هم يطلبون اجراء تحقيق دولي. من اجل منع ذلك، فان قيادة الجيش الاسرائيلي تقترح اجراء تحقيق عسكري اسرائيلي. هذا مضحك تماما – جيش يحقق مع نفسه بخصوص نشاطات تنفذ حسب أوامر رئيس الاركان.

 

السلطة الحاكمة في غزة اعلنت أن مظاهرات غير مسلحة ستجري في كل اسبوع، بعد صلاة الجمعة وحتى يوم النكبة، كما نشر مسبقا. وقد وضع قناصة على طول الجدار الحدودي وأعطي لهم أمر بقتل "المحرضين" في الجانب الآخر من الجدار. في يومي الجمعة الاولين تم اطلاق النار وقتل 29 متظاهر غير مسلح، وأكثر من ألف شخص اصيبوا، جميعهم على أيدي القناصة.

 

بالنسبة لي هذه ليست قضية قانونية. هذه جريمة – ليست فقط تجاه الضحايا غير المسلحين. هي ايضا جريمة تجاه دولة اسرائيل، تجاه الجمهور الاسرائيلي وتجاه الجيش الاسرائيلي. ولأنني كنت جنديا في نفس الجيش في اليوم الذي تم تأسيسه فيه، فأنا اعتقد أن هذا ايضا جريمة تجاه زملائي وتجاهي.

 

في الاسبوع الماضي نشر في وسائل الاعلام فيلم قصير ظهر فيه نشاط قناص من زاويته. هو يرى المتظاهرين على بعد مئات الامتار، البندقية مع المنظار تتحرك الى هذه الناحية والى تلك الى حين أن يركز على شخص معين، بالصدفة تماما، يرتدي قميص وردي. القناص يطلق النار والرجل يسقط. هتافات الفرح تسمع من حوله، من الجنود الذين لا يظهرون في الفيلم. وكأنه صياد نجح في قتل أرنب.

 

كان هذا خرق فاضح للوصية اليهودية الواضحة "لا تفرح بسقوط عدوك ولا تبتهج لفشله". الكثير من الاسرائيليين شاهدوا الفيلم عندما عرض للمرة الاولى في التلفاز. لم يثر احتجاج باستثناء عدة مقالات ورسائل لهيئة التحرير (في هآرتس).

 

هذا لم يحدث وراء البحار، بل حدث في اوساطنا، على بعد 45 دقيقة سفر من شقتي في تل ابيب. القاتل لم يكن جندي مرتزق، والجنود الذي فرحوا من حوله كانوا شباب عاديين تم تجنيدهم عند بلوغهم سن الـ 18، هم فقط نفذوا الأوامر. لم نسمع حتى عن حالة واحدة من رفض الأوامر.

 

الى ما قبل اسبوعين كنت أقدر الضابط الكبير في الجيش الاسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت. الضباط الذين حوله هم تقنيون عسكريون فقط، لكن بالضبط هو اظهر أنه قادر على الحفاظ على كرامة الجيش امام الازعر الذي يحمل صفة وزير الدفاع. الامر انتهى. آيزنكوت أعطى الامر القاتل. لقد أمر القناصة باطلاق النار على المتظاهرين غير المسلحين. لماذا بربكم؟.

 

مثل البريطانيين في الهند والعنصريين البيض في الاباما فان حكومة اسرائيل لا تعرف ماذا تفعل أمام احتجاج جماهيري غير عنيف لم تواجهه من قبل. عدم العنف غير موجود في التراث العربي. بالصدفة شاهدت في هذا الاسبوع فيلم كلاسيكي عن مهاتما غاندي، البريطانيون حاولوا كل شيء، لقد ضربوا غاندي وآلاف من مؤيديه بوحشية فظيعة. لقد قتلوا الآلاف بالنار الحية. عندما تحمل غاندي واصدقاءه كل التعذيبات ولم يرفعوا أيديهم، البريطانيون استسلموا في نهاية الامر وانسحبوا.

 

هكذا فعل العنصريون البيض الذين حاربوا مارتن لوثر كينغ واصدقاءه في الاباما. أحد مؤيديه الفلسطينيين (مبارك عوض – المترجم) جاء الى البلاد وحاول اقناع أبناء شعبه باتباع هذا الاسلوب. الجيش الاسرائيلي اطلق النار والفلسطينيون عادوا الى الكفاح المسلح.

 

في هذه المرة الامر مختلف. حماس (بالتحديد منظمة عنيفة) دعت السكان لمحاولة الاحتجاج غير المسلح. عشرات الآلاف استجابوا للدعوة. هذا من شأنه أن يؤدي الى نتائج غير متوقعة. أحدها هو اصدار أمر للقناصة بأن يقتلوا بصورة عشوائية بهذا العدد أو ذاك.

 

عندما اعلنت بشكل علني أنني أخجل، اتهمني أحد القراء بالنفاق. لقد اقتبس اقوال من كتابين لي عن حرب الاستقلال ("في حقول فلسطين 1948" و"وجه قطعة النقد الاخرى")، اللذان فيهما وصفت فظائع كنت شاهدا عليها. بالتأكيد، كان هناك ايضا في حينه افعال فظيعة، مثلما هو الامر في كل حرب. الجنود الذين نفذوها كانوا من كل الطوائف ومن كل الطبقات، لكنهم أدينوا في نفس الوقت من قبل جنود آخرين، ايضا هؤلاء كانوا من كل الطوائف ومن كل الطبقات. معظم الجنود تصرفوا الى حد ما في الوسط وتأثروا بالزملاء الاكثر اقناعا.

 

الآن الصورة مختلفة، ليس فقط أن اطلاق النار على اشخاص غير مسلحين عن بعد كبير عن الجدار تم وفق أمر عسكري، بل كما يبدو ليس هناك اصوات اخرى. القيادة السياسية والعسكرية موحدة، حتى في المجتمع المدني تسمع فقط اصوات قليلة تحتج على القتل الجماعي.

 

كيف ترد وسائل الاعلام الاسرائيلية؟ حسنا، هي لا ترد. وسائل الاعلام تقريبا تتجاهل الحدث المصيري هذا في تاريخ شعب اسرائيل.

 

يوجد حظ لمنفذي هذه الجرائم. هناك احداث كثيرة تحرف نظرنا عنهم وعن افعالهم الشائنة. الرئيس بشار الاسد استخدم كما يبدو السلاح الكيميائي ضد المتمردين في بلاده. الاعلام الاسرائيلي يحتفل. كم هذا فظيع؟ كم هو بربري! كم هو عربي!.

 

هناك ايضا مشكلة الـ 36 ألف لاجيء افريقي "غير القانونيين" (بالطبع غير يهود)، الذين تسللوا الى اسرائيل. الحكومة تريد قذفهم الى الخارج. اسرائيليون عقلانيون يريدون منع ذلك. هذا عمل طوال اليوم، ليس هناك وقت لقطاع غزة. وكان هناك بالطبع يوم ذكرى الكارثة، الذي لحسن الحظ بدأ بالضبط في الاسبوع الماضي. يمكن الكتابة بدون نهاية عن الفصل المخيف هذا من تاريخ شعبنا. ما هي غزة مقابل اوشفيتس؟ وماذا حدث في الاعلام؟ الحقيقة المحزنة هي أن الاعلام الاسرائيلي عاد الى ما كان في الايام الاولى للدولة: أداة في أيدي الحكومة. نحن رجال "هعولام هزيه" عملنا سنوات كثيرة الى أن حطمنا هذه العادة. طوال سنوات كثيرة كان لنا اعلام منطقي، وفيه كان هناك الكثير من الصحفيين والمذيعين الممتازين.

 

هذا لم يعد موجودا، بقي القليلون، ومعظم الاعلام يتساوق الآن تماما مع الحكومة. يوجد لهذا كلمة المانية سيئة الذكر هي "الاخفاء". دقيقتان من نشرة الاخبار لغزة، عشرون دقيقة لما يحدث في سوريا، عشر دقائق لاندلاع اللاسامية الاخيرة (المتخيلة) في حزب العمال البريطاني.

 

معظم المراسلين والمذيعين كلهم اشخاص عقلانيون ذوي نوايا حسنة لا يعرفون على الاطلاق أنهم يعملون (أو لا يعملون)، هم ببساطة لا يفكرون.

 

أين اليسار؟ أين الشيء الذي يسمى "وسط"؟ هم لم يختفوا، كما يقول البعض، أبعد من ذلك. يكفي القليل من النسب المئوية من جمهور الناخبين، أو احدى القوائم الصغيرة في الكنيست، من اجل اسقاط حكومة نتنياهو، لكنهم جميعا يظهرون خافتين ومطفيين ومشلولين، لا أحد يصرح بصوت مرتفع ضد القتل باستثناء همسات ضعيفة هنا وهناك. حتى المجموعات الصغيرة المميزة للشباب الذين يحاربون الاحتلال، كل واحدة في قطاعها، تصمت على القتل في غزة. لا توجد مظاهرات جماهيرية. لا يوجد احتجاج كبير. لا يوجد شيء.

 

ايضا نحن يجب اتهامنا بذلك. ربما أكثر من الآخرين. سجلوا: أنا مذنب.

كلمات دلالية