الى أين تتوجه انظار السعودية - هآرتس

الساعة 04:54 م|05 ابريل 2018

بقلم: شلومو افينري

(المضمون: خطوات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من شأنها أن تؤدي اذا نجحت الى ظهور حكم استبدادي آخر في المنطقة، الذي قد يتطور الى مواجهة عسكرية مع ايران تُهزم فيها السعودية، ونحن نأمل أن لا تتطور الى حرب شاملة في المنطقة تصل الى اسرائيل - المصدر).

 

السياسي والمفكر الفرنسي إبن القرن التاسع عشر، اليكسيس دي توكفيل، أشار ذات مرة الى أن اللحظة الاكثر خطورة في الانظمة الاستبدادية هي عندما تحاول اجراء الاصلاحات: المعايير والمؤسسات التقليدية لم تعد تعمل، والتي من شأنها أن تحل محلها لم يتم تأسيسها بعد. اقواله هذه استندت في الاساس الى الاصلاحات التي طلبها الملك لويس السادس عشر وهي احلال ملكية مطلقة، والتي أدت الى الخطوات العنيفة للثورة الفرنسية، وفي نهاية المطاف الى اعدام الملك نفسه. مثال أقرب على ذلك هو محاولة ميخائيل غورباتشوف اجراء اصلاحات بعيدة المدى على النظام السوفييتي، والتي أدت الى تفكك الاتحاد السوفييتي وتنحية غورباتشوف نفسه عن الحكم. من المحتمل أن تؤدي خطوات ولي العهد السعودي الشاب، الامير محمد بن سلمان، الى نتائج غير متوقعة مشابهة.

 

حتى الآن نجحت السعودية بفضل ثراء النفط الضخم في نثر مبالغ طائلة على شرائح كبيرة من السكان والحفاظ على نظام الحكم المتعصب الذي يرتكز على المذهب الوهابي في الاسلام. مئات من أبناء العائلة المالكة السعودية تحولوا من شيوخ في الصحراء الى ارباب اموال يعملون في الملعب المالي الدولي. ايضا كثير من السعوديين العاديين تمتعوا بمستوى حياة وضمان اجتماعي لم يسبق له مثيل. أبناء مؤسس العائلة، عبد العزيز بن سعود، الذي أسس المملكة التي تسمى السعودية على أسم مؤسسها – ورثوا الواحد تلو الآخر عرش المملكة من خلال تحويل المملكة الى لاعب مركزي في الساحة الاقليمية وفي النظام المالي العالمي.

 

الانخفاض الحاد في اسعار النفط والهزات التي جاءت في اعقاب الربيع العربي، والتي أدت الى سقوط الزعماء في مصر وتونس وليبيا واليمن، وشكلت تحديا لنظام الاسد في سوريا – كانت اشارة الى أن السعودية ايضا بحاجة الى التغييرات، حتى لو من اجل منع الانقلاب.

 

محمد بن سلمان حظي بتأييد ايجابي بعيد المدى في العالم بعد اعلانه عن نيته تمكين النساء من قيادة السيارات وتقليص صلاحيات الشرطة الدينية السعودية، التي احدى مهماتها هي متابعة تطبيق ارتداء الملابس الشرعية في المجال العام، لا سيما النساء. هذه كانت بلا شك خطوات ايجابية، وكذلك تصريحاته بأنه ينوي قيادة السعودية الى تطبيق تفسير أقل تعصبا وأكثر تسامحا للاسلام. وضمن امور اخرى، العلاقة تجاه المسيحيين واليهود. ايضا التصريحات التي نسبت اليه في الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني والتقارير بشأن استعداد السعودية للتعاون مع اسرائيل مهما كان محدود وسري، حظيت وبحق بالتقدير في الغرب وفي اسرائيل، كذلك ايضا عمليات التخطيط التي هدفت الى تحرير السعودية من الاعتماد الحصري في مداخيلها على النفط.

 

ولكن خطوات اخرى لولي العهد كانت اشكالية. اعتقال مئات من رجال النخبة في السعودية، بمن فيهم عشرات الأمراء ورجال اعمال بارزين منهم من لهم مكانة دولية، عرضت كـ "حرب ضد الفساد" وحظيت بردود ايجابية في اوساط المثقفين في السعودية نفسها. ولكن الامر يتعلق بحملة تجري دون أي صلة بالقانون وحقوق المواطن – ضمن امور اخرى، لأن السعودية لا يوجد فيها أي جهاز قوانين منظم، والاعتقالات لا تخضع لأي جهاز قضائي منظم. الادعاء بأن هذه هي الطريقة لاعادة مليارات الدولارات لخزينة الدولة التي نهبت بشكل مخالف للقانون، هو ادعاء شعبوي، والتفسير العملي لهذه الخطوات هو تركيز قوة اقتصادية كبيرة في أيدي ولي العهد نفسه، وتحويله فعليا الى الحاكم الوحيد والاستبدادي، الأمر الذي لم يكن موجود في أي وقت في المملكة. الآن يتولى ولي العهد ايضا منصب نائب رئيس الحكومة ومنصب رئيس المجلس الاقتصادي ومنصب وزير الدفاع.

 

تميزت السعودية حتى الآن بنظام حكم لامركزي، وضع في أيدي عدد من الأمراء صلاحيات واسعة جدا. ربما كان الملك هو الاول بين متساوين، لكنه ليس الحاكم الوحيد. ولي العهد الذي سيجلس على عرش المملكة عند موت والده المسن والمريض، يدير منذ الآن شؤون المملكة بدون قيود. السعودية لا توجد فيها مؤسسات منتخبة أو تنفيذية، ومن الواضح أنه لا يفعل أي شيء لتشجيع تطور مؤسسات كهذه. هو بدون شك اصلاحي، لكن الامر يتعلق باصلاحات سيكون في نهايتها هو الحاكم الوحيد للدولة.

 

إن الصرامة التي يعمل بحسبها ولي العهد في الشؤون الداخلية تميز ايضا خطواته في الشؤون الخارجية. لقد شدد خطابه وسياسته تجاه ايران، وبهذا فقد شحذ وعمق الشرخ بين السنة والشيعة في المنطقة. هذه الخطوات حظيت بتأييد دول سنية مثل مصر والاردن، وايضا برد متعاطف من ادارة ترامب وحكومة نتنياهو. ولكن سؤال هل هذه الامور تساعد في استقرار المنطقة بقي سؤالا مفتوحا، لا سيما أن الامر لا يتعلق بقصة نجاح.

 

التدخل الكثيف للسعودية في الحرب الاهلية في اليمن هو برهان على الفشل الذريع، وهو فقط أدى الى آلاف القتلى وكارثة انسانية، التي أدت بدورها الى تجويع ملايين الناس في اليمن؛ المقاطعة والحصار الذي فرضته السعودية على قطر – الامارة الصغيرة ولكن الغنية، والتي هي غير مستعدة لقبول املاءات السعودية – لم تنجح، بل ارتدت كالسهم المرتد، والمحاولة الوحشية لتنحية رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري، بطرق تذكر بـ تسازارا بورجا، انتهت بمهزلة مدوية.

 

تصعب معرفة الى أين تتوجه انظار السعودية تحت حكم محمد بن سلمان، ومن المحظور الاكتفاء بالتصفيق على خطوات مثل منح رخصة القيادة للنساء أو موقف مريح اكثر تجاه اسرائيل. اذا نجح في خطواته فهي ستؤدي الى صعود ديكتاتورية استبدادية اخرى في العالم العربي، التي ربما تكون أقل تطرفا من ناحية دينية، لكنها تشبه اكثر الانظمة في مصر وسوريا والعراق.

 

سعودية اكثر تحررا وأكثر ليبرالية لن تنطلق الى هواء العالم حتى لو كانت للنساء فيها امكانية لقيادة السيارات. في المقابل، ربما أن خطوات ولي العهد ابن سلمان العنيفة ستؤدي الى معارضة من جانب النخب التي يريد تحطيمها الآن – أمراء وذوو نفوذ آخرين – ومن جانب الاقلية الشيعية الكبيرة نسبيا في شرق المملكة والتي ستبحث لنفسها عن حل عسكري أو سياسي في ايران. ايضا لا يمكن استبعاد احتمالية أن السعودية – الدولة المركبة من شرائح مختلفة في صفاتها، والتي تم توحيدها في كيان سياسي واحد فقط بقوة اندماج عائلة إبن سعود مع الوهابية – ستتفكك الى مكوناتها التاريخية مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن. إن التماسك السياسي لدول عربية كثيرة هو تماسك هش، وليس دائما يصمد امام الازمات. وربما ايضا أن خطوات ولي العهد ستؤدي الى مواجهة عسكرية مع ايران. ولا شك أنه في مواجهة كهذه فان ايران ستنتصر على السعودية، التي رغم كل السلاح الامريكي المتقدم الذي يوجد بحوزتها، إلا أن قوتها العسكرية ضعيفة وتقريبا ليس لها جيش حقيقي. وليس امامنا سولا الأمل بأنه اذا حدثت مواجهة كهذه أن لا تجر المنطقة الى حرب اكثر شمولية. ومن المهم أن يكون القادة في اسرائيل واعين لذلك.

كلمات دلالية