هآرتس: ترامب والسعودية يتنازلون للأسد ويتجاهلون غزة

الساعة 01:58 م|02 ابريل 2018

فلسطين اليوم

كتب: تسيفي برئيل

الكليشيه القديم يقول إنه "في الشرق الاوسط كل شيء ممكن"، أي أنه لا يوجد شيء غير متوقع. وكأن الزعماء العرب لا يعترفون بالمفهوم الغربي "المنطق"، وهم يتخذون قرارات ارتجالية، وفي الحالات الاكثر سوء هم يتلقون الوحي الالهي. يبدو أنه جاء للشرق الاوسط منافس لا يمكن هزيمته، يجلس في البيت الابيض، وهو قلق طوال الوقت من كيفية تحطيم هذا المفهوم بصورة أفضل.

في الاسبوع الماضي أبقى الرئيس الامريكي مساعدوه ووزراؤه في دهشة عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستخرج قريبا جدا من سوريا. فقط قبل بضعة ايام من ذلك قال وزير الدفاع الامريكي جيمس ماتيس امور معاكسة لذلك عندما قال إن الوجود الامريكي في سوريا "سيكون بدون سقف زمني". في الشهر الماضي قالت شخصيات امريكية رفيعة المستوى امور مشابهة، وشرحت كيف أن الوجود الامريكي حيوي في سوريا الى أن يتم ايجاد حل سياسي فيها. هذه فقط صيغة مصقولة أكثر لنفس الرسالة.

ما الذي بالضبط دفع ترامب، والذي ايضا جمد في نفس الوقت مبلغ 200 مليون دولار كانت مخصصة للإعمار في سوريا، لإصدار هذا الاعلان. يبدو أن المحادثات التي اجراها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دفعت ترامب الى الاعتراف النهائي بأن واشنطن ليس لديها ما تبحث عنه في سوريا. صحيح أن محمد بن سلمان في مقابلة مع المجلة الاسبوعية "التايم" قال إنه من المهم أن تبقى القوات الامريكية التي يصل عددها الى 2000 مقاتل، في سوريا، من اجل صد توسع النفوذ الايراني فيها. ولكن في نفس المقابلة قال إن "الاسد سيبقى في الحكم، وأنا فقط اعتقد أن مصلحة الاسد هي ألا يسمح لإيران بأن تفعل ببلاده ما تشاء".

إذا عرض ترامب انقلاب في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط فان الامير محمد بن سلمان قام بكسر الأدوات. السعودية التي كانت الدولة العربية الاخيرة التي وقفت كسور منيع ضد امكانية أن يواصل الاسد الحكم. تنزل من برج الحراسة وعمليا تعترف بفشل سياستها في سوريا كاستمرار مباشر لفشل جهودها في تشكيل النظام في لبنان.

يبدو أن الرئيس الامريكي وولي العهد السعودي بقيت لديهما ورقة لعب واحدة في المنطقة، وايضا هذه الورقة ليست مؤثرة بشكل خاص، وهي النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، الذي فيه ما زالا يريان "صفقة القرن" لترامب مثل كنز محفوظ لأصحابه. فقط هذا الكنز هو سري جدا، لا أحد يعرف بشكل صحيح ما الذي يحويه، باستثناء فتات من التسريبات والاقتراحات غير الواقعية عن اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها أبوديس، التي في داخلها ترتاح بهدوء المستوطنات الاسرائيلية.

ترامب وولي العهد ينسقان معا بشكل جيد مسألة المظاهرات والقتلى في قطاع غزة ومكانة حماس. واشنطن وقفت في يوم الجمعة ضد مبادرة الكويت في مجلس الامن، التي ارادت صياغة مشروع قرار يدين اسرائيل. السعودية ساهمت بدورها في ذلك عندما رفضت الاستجابة لطلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عقد جلسة طارئة للجامعة العربية من اجل مناقشة قتل الفلسطينيين في غزة. عباس تلقى فتور سعودي عندما أوضحت له السعودية أنه بعد بضعة اسابيع ستعقد القمة العربية الدورية، لذلك ليست هناك حاجة لقمة طارئة.

إن التعامل البارد لترامب وابن سلمان مع ما يحدث في غزة واستسلامهما للواقع في الموضوع السوري، يرسم استراتيجية امريكية – سعودية أكثر وضوحا تقضي بأن النزاعات الاقليمية يتم علاجها من قبل جميع الدول التي تجري فيها هذه النزاعات، وفقط النزاعات التي فيها امكانية كامنة لحرب عالمية ستحظى بالاهتمام وحتى بالتدخل. هكذا هي الحال، مثلا، النضال ضد إيران التي ستواصل اثارة اهتمام ترامب والسعودية، لأنه يعتبر نزاع هام على المستوى الدولي، وليس فقط نزاع يهدد اسرائيل والسعودية.

في المقابل، سوريا لا تهدد العالم. وطالما أن الامور تتعلق بتهديد اسرائيل فان مهاجمة المفاعل والتدخل العسكري الاسرائيلي الجاري في سوريا يدل على ان اسرائيل ليست بحاجة، وحتى لا ترغب، في اشراك دول عظمى اخرى. ايضا النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لم يعد يعتبر تهديد دولي، وحتى ليس تهديد اقليمي، لذلك، من الزائد "أن يبدد" عليه جهد دولي أو عربي. إذا كانت مصر تريد وتستطيع التعامل معه من الجانب العربي، سيكون ذلك، لكن في هذه الاثناء ليس أكثر من ذلك.

النتائج العملية من هذه السياسة ستستنتجها الآن روسيا وإيران اللتان تديران منذ زمن النزاع في سوريا، دون تدخل امريكي أو سعودي. المنافسة بين إيران وروسيا على السيطرة على الموارد الضحلة في سوريا خفتت بعد سيطرة روسيا على معظم حقول النفط السورية وعلى معظم الاتفاقات المستقبلية لاستغلالها. إيران ستكتفي بمكانة ضيفة استراتيجية للأسد، وكما يبدو ستحافظ على قدرة عسكرية وسياسية دائمة للوصول الى لبنان.

قبل بضعة اسابيع أصبح معروف للأكراد أن الولايات المتحدة لا تنوي مد رقبتها من اجلهم، عندما سمحت لتركيا بغزو عفرين واحتلالها. الآن لن يحصلوا على كامل المساعدات الامريكية التي تم التعهد لهم بها. كما تبين أن أنقرة مهمة لترامب أكثر من الاكراد، الذين حسب الامريكيين، أنهوا دورهم عند استئصال داعش. وكما هو الامر في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني أو في الحرب "المحلية" في سوريا، فان النزاع بين الاكراد وتركيا ايضا سيدار في إطار محلي بين الطرفين وليس بواسطة الولايات المتحدة.

بدون الدعم والتدخل الامريكي والسعودي، يتوقع ايضا أن تقوم مليشيات المتمردين بإعادة تقييم مسارها والفهم بأنها لم تعد تستطيع تجنيد العداء بين الدول العظمى والسعودية تجاه سوريا من اجل تحقيق امتيازات سياسية. الاملاء الروسي سيكون اللاعب الوحيد في الساحة. ربما هنا تكمن في كل ذلك بشرى للمواطنين السوريين الذين يستمر قتلهم بالعشرات يوميا.

 

المصدر: أطلس للدراسات الإسرائيلية

كلمات دلالية