نهاية التعتيم- هآرتس

الساعة 01:26 م|22 مارس 2018

فلسطين اليوم

بقلم: عاموس هرئيل

منذ رفع الحظر عن نشر الرواية الاسرائيلية حول تدمير المفاعل السوري صباح أمس يجري نقاش عاصف على مسألة اعتبارات الرقابة العسكرية. وزير الدفاع افيغدور ليبرمان اظهر ندمه لأنه لم يوقف قرار الرقابة بشأن المصادقة على النشر، لكن يبدو أن جزء كبير من الانتقاد الموجه الآن لرئيسة الرقابة العسكرية، العميدة اريئيلا بنت ابراهام، يكتنفه عدم فهم الحقائق الاساسية. جزء آخر كما يبدو ببساطة جاء من الموقف السياسي.

مسألة "حيز الانكار" وصفت هنا بشكل مطول أمس: قبيل الهجوم في ايلول 2017 توصلوا في الاستخبارات العسكرية الى استنتاج بأنه اذا امتنعت اسرائيل عن التطرق الى القصف ولم تقم بنثر الملح على جرح بشار الاسد فيمكن للرئيس السوري الحفاظ على كرامته تحت غطاء الغموض والامتناع عن الرد العسكري الذي يمكن أن يؤدي الى الحرب. هذا التقدير تحقق بالكامل، لكنه كان متعلقا بفرض التعتيم الاعلامي الشديد في اسرائيل في الاشهر التي اعقبت الهجوم. ولكن السياسة التي كان يمكن الدفاع عنها بهذا الشكل أو ذاك في 2007 (رغم مشاعر الصحافيين) تحولت الى مبرر مشكوك فيه في 2012 (عند نشر التحقيق الموسع في الصحيفة الامريكية "نيو يوركر"، الذي استندت اجزاء كبيرة منه على شخصيات اسرائيلية رفيعة)، واصبحت غير منطقية بشكل واضح في 2017.

          بنت ابراهام واجهت تهديدين متوازيين: التماس قدمه المراسل رفيف دروكر، طلب فيه المصادقة على فيلم للبث في القناة 10 واستكمال السيرة الذاتية لرئيس الحكومة السابق اهود اولمرت. صحيح أن قضاة المحكمة العليا رفضوا التماس دروكر، لكنهم طلبوا من الرقابة العسكرية اعادة النظر في موقفها وفقا للتطورات (بهذا ضمنوا رقابة قانونية مستمرة على سياستها)، وخلافا لادعاءات أمس فان الرقابة لم تسمح بالنشر الآن من اجل تسويق كتاب اولمرت، بل أجلت اصداره لاشهر الى حين السماح بالنشر.

          في هذه الاثناء ازدادت التقارير الاعلامية الاجنبية حول هجمات جوية نسبت لاسرائيل في سوريا ضد قوافل السلاح لحزب الله، وفي عدد من الحالات ايضا اعترفت اسرائيل بتنفيذ هجمات كهذه. رئيس قسم الاستخبارات في هيئة الاركان العامة، الجنرال هيرتسي هليفي، خفف معارضة جهازه لنشر قضية المفاعل النووي. الرقابة العسكرية مطت القرار النهائي لبضعة اشهر اخرى، الاعلان الاول لوسائل الاعلام عن امكانية رفع منع النشر أعطي في تشرين الاول الماضي. لقد مرت خمسة اشهر الى حين تم النشر.

          عدد من الردود الانتقادية على النشر أمس تثير التساؤل. لقد كان هنا خليط فيه القليل من الاستغراب من الادعاءات، التي بعضها يناقض البعض الآخر. لقد تم طرح ادعاءات بأن الاحتفال الاعلامي حول الهجوم مبالغ فيه لأن في الحقيقة لا يوجد فيه أي جديد، وأن النشر سيتسبب بأضرار امنية كبيرة، حتى أن الامر يتعلق بمؤامرة لتسويق كتاب اولمرت، شاركت فيها رئيسة الرقابة العسكرية ودار النشر "يديعوت سفاريم" ووسائل اعلام (معظمها منافسة لصحيفة يديعوت احرونوت).

          من الصعب تجاهل الدافع السياسي الذي يقف من وراء جزء كبير من هذه الانتقادات، التي يبدو أنها جاءت من خشية من أن كل معلومة تعرض اولمرت بشكل جيد، وهو رئيس الحكومة الفاسد الذي اصبح مستقبله السياسي من خلفه، ستسلط الضوء بشكل معين على أداء الساكن الحالي في المقر الرسمي في شارع بلفور. ردود مؤيدي نتنياهو البائسة وجدت دعم آخر لها بصيغة الاعلان المقتضب الذي اصدره رئيس الحكومة في الظهيرة، والذي فيه ثناء قليل على نجاح الحكومة (أي حكومة؟) والجيش والموساد قبل عشر سنوات في دير الزور. البرودة القطبية التي هبت من هذه الاقوال تدل على كيف تم استقبال النشر حول المفاعل في مكتب نتنياهو.

          عمليا، يبدو أن الدولة والرقابة كجسم مهني مؤهل من قبلها، تمسكتا على مدى سنوات بالموقف الرافض الذي تحول الى متصلب جدا للدفاع، ومشكوك فيه أن هذا الموقف كان سيصمد فترة طويلة امام اختبار المحكمة العليا. ومنذ اللحظة التي تم فيها اعطاء المصادقة المبدئية، اتخذت الرقابة مقاربة متشددة – حسب رأي كثير من المراسلين هي مبالغ فيها بصورة واضحة – عندما فحصت تفاصيل الاخبار التي قدمت لها.

          من المعقول أن الضرر الامني، اذا وجد شيء كهذا مثلما يدعي الان ليبرمان، لم يكن بسبب التقارير التي معظمها تم فحصها مطولا وبالتفصيل قبل النشر. واذا حدث ذلك، فقد حدث خلال الجولة المتعبة في البث الحي مع كل ابطال القضية التي تم افتتاح قنوات الاذاعة والتلفاز بها. هناك حرر الكثير من الذين اجريت معهم المقابلات تفاصيل كثيرة شطبت في السابق من قبل الرقابة في التقارير السابقة. التفكير بأنه يمكن السيطرة لفترة طويلة وبشكل كامل على المعلومات التي تخرج الآن الى الضوء، كان خاطئا من البداية.