الحظوة للجميع.. يديعوت

الساعة 03:33 م|21 مارس 2018

فلسطين اليوم


بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: قصف المفاعل السوري في ظل الجدالات الحزبية والسياسية داخل اروقة الحكم في اسرائيل - المصدر).

شيء واحد واضح، فضلا عن كل جدال: قصف المفاعل الكوري الشمالي في سوريا كان احد الاعمال العسكرية الاكثر نجاحا التي نفذتها اسرائيل في 70 سنواتها. القسم العملياتي، الذي بدايته في التساؤل الاستخباري، وتواصل في عملية جمع بطولي للمعلومات ونهايته في القصف الموضعي من الجو انتهى مثلما خطط له: المفاعل دمر حتى اساساته، المشروع مات، وللاسد بقي مجال النفي الذي منع التدهور الى حرب اقليمية.

القسم العملياتي مشوق. في ساعة كتابة هذه السطور لا يزال يفرض منع على نشر تفاصيله الكاملة في اسرائيل، رغم أن مقاطع واسعة منه نشرت في العالم. ولكن الدراما الاساسية تجري في منزل رئيس الوزراء في شارع بلفور في القدس، في لقاءات في ايام الجمعة، في دائرة ضيقة جدا، ثلاثة وزراء، رؤساء اذرع الامن، كبار مسؤولي مكتب رئيس الوزراء ورئيس لجنة الطاقة الذرية. لاحقا اشرك بالمعلومات وزراء الكابنت.

ستة اشهر استمرت المداولات. رئيس الوزراء هو ايهود اولمرت؛ عمير بيرتس وبعده ايهود باراك هما وزيرا الدفاع؛ وزيرة الخارجية هي تسيبي لفني. في الخلفية دروس حرب لبنان 2006 وضغط جماهيري لتنحية الحكومة، يوقده نتنياهو، المال الذي يجلبه من الخارج ومؤسسة المستوطنين.

في شهر اذار، عندما يتبين بما لا يرتقي اليه شك بان المنشأة التي تبنى في دير الزور هي مفاعل نووي لاغراض عسكرية، فان كل المشاركين، في القيادة السياسية، في الجيش الاسرائيلي وفي الموساد، يتفقون على أن الحل هو التدمير: لا حلا آخر. كل محاولة لحل المشكلة بوسائل دبلوماسية ستؤدي الى نتائج خطيرة. الاسد سيلعب على الزمن وسيدفع الى الامام في هذه الاثناء بناء المفاعل، وستفقد اسرائيل عنصر المفاجأة. السؤال هو من سيهاجم المفاعل، الولايات المتحدة ام اسرائيل، متى وكيف وماذا سيكون في الغداة.

اولمرت يوجه المداولات جيدا. هذه لحظته الكبرى. نقطة الذروة في حياته المهنية السياسية كثيرة التقلبات. سلوكه يجعله ينال ثناء جما من رؤساء اذرع الامن، وزراء خصوم في الكابنت وزعماء اجانب، وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة جورج بوش. هو يعرف ماذا يريد ويعرف كيف يصل الى هناك.

في 7 ايلول 2007 عقد اولمرت اجتماعا لوزراء الكابنت لبحث حاسم وللتصويت. وكان الاحساس العام بان هذا يوم مصيري في تاريخ الدولة، ويوم مصيري في حياة كل واحد منهم. في النهاية صوت الجميع مع، باستثناء آفي ديختر، الذي صوت ضد لاسباب وجد صعوبة في تفسيرها.

ديختر لم يكن عاملا في العملية الطويلة التي مرت على قيادة الحكومة. وتعلم الوزراء الا يتعاطوا مع مواقفه بجدية. ولكن باراك كان عاملا ولفني كانت عاملا وموفاز، رئيس الاركان ووزير الدفاع الاسبق، كان عاملا. باراك سعى الى تأجيل القرار؛ لفني فضلت احد البدائل؛ موفاز عارض. بوجي هرتسوغ يروي بانه في احدى المداولات المبكرة قال لاولمرت: "انت تريد موعدا ثانياّ!" بكلمات اخرى، موفاز اتهم اولمرت بانه يريد قصف المفاعل كي يرمم نفسه من الحرب في لبنان. اولمرت نظر اليه، وتجلد. "انت واثق بانك تريد ان تسجل كما صوت ضد"، سأل موفاز في يوم التصويت. موفاز صوت مع.

في حزيران 1981 قصفت طائرات سلاح الجو اوسيراك، المفاعل العراقي. رئيس الوزراء كان مناحم بيغن. وكانت الخطة هي الامتناع عن أخذ المسؤولية وهكذا السماح لصدام حسين، حاكم العراق، بالامتناع عن الرد. بيغن تقلب، وحطم الصمت. الانتخابات كانت على الابواب، وبيغن فهم بان للهجوم الناجح سيكون معنى هائلا في صندوق الاقتراع. في خطاب دراماتيكي وصف المفاعل كتهديد وجودي على الشعب اليهودي، ككارثة ثانية.

لقد كان القلق الوجودي في الجو ايضا، عندما استعد اولمرت وحكومته لتدمير الكبار، المفاعل السوري. "من اجل هذا التصويت، من اجل هذه اللحظة، كان جديرا لي أن أكون في الحياة السياسية"، قال هذا الاسبوع واحد من اعضاء الكابنت. ولكن للاسرائيليين في البيت لم تكن أي فكرة. كان لهذا معنى سياسي: اولمرت، بخلاف بيغن، ما كان يمكنه أن يجني من نتائج العملية في صندوق الاقتراع.

عمير بيرتس كان وزير الدفاع في الاشهر الثلاثة الاولى بعد أن وصلت المعلومات عن المفاعل واقرت. في حزيران حل محله باراك، بعد أن فاز في الانتخابات التمهيدية في حزب العمل. اولمرت وباراك كانا صديقين قديمين. اما دخول باراك الى وزارة الدفاع فجعلهما عدوين لدودين. ومن أجل شرح ما حصل لا تكفي الوقائع – التفسير هو ما يجعل الفرق. قصة المفاعل لم تكن ساحة المعركة الوحيدة. كان سعي من باراك لهدنة مع حماس والجدالات بينهما في اثناء حملة الرصاص المصبوب في غزة، وكان بالطبع الخصام على معنى التحقيقات ضد اولمرت ومعنى توصيات لجنة فينوغراد.

اقل من ثلاثة اشهر مر بين تعيين باراك والهجوم على المفاعل. في هذه الفترة كان اولمرت هو من يدفع وباراك من يعيق. ورغم ان الحديث يدور عن فترة غير طويلة، فالخوف من مغبة ضياع الفرصة، بسبب تسريب او بسبب تشغيل المفاعل، كان هائلا. رئيس الموساد مئير داغان، رئيس الاركان غابي اشكنازي، رئيس شعبة الاستخبارات عاموس يديلين ورئيس شعبة العمليات عيدو نحشوتان ضغطوا للعمل. اما باراك فسد الطريق.

الادعاء المضاد لباراك مقنع حتى حدود معينة: كان ينبغي لي أن اتأكد من أنه اذا تدحرج الهجوم على المفاعل الى حرب مع سوريا، سيكون الجيش الاسرائيلي جاهزا. هذه الحجة اقنعت اعضاء في الكابنت، فثقتهم بقدرات الجيش الاسرائيلي تقلصت في اعقاب حرب لبنان الثانية.

كان يمكن ان يقال في صالح باراك انه طلب الفحص والتأخير وتعمق في التفاصيل مثلما تصرف رابين في اثناء الاستعدادات للعملية في عنتيبة. بيرس دفع الى العمل: رابين حرص على الفحص. ناهيك ايضا عن ان ما كان هنا على جدول الاعمال لم تكن عملية وحيدة بل احتمال للحرب. غير أن باراك يفقد من قوة اقناعه عندما يقول، في مرحلة لاحقة، "حتى لو شغل المفاعل سنجد سبيل لتدميره". لم يفهم ضباط الجيش من أي مصدر مهني يستمد هذه الفكرة. واستنتجوا بان لباراك دوافع اخرى.

اولمرت هو الاخر اقتنع بان خطوة باراك سياسية. في اشهر الصيف من العام 2007 كان رئيس وزراء مع قليل جدا من التأييد الجماهيري. باراك كان يمكنه أن يفترض بان في غضون بضعة اشهر سيضطر اولمرت الى الاستقالة، والدولة ستتوجه الى الانتخابات.امامه كان كديما، الحزب الذي فقد اباه المؤسس ووريثه. وكائنا من سيقف في رئاسة كديما، لفني أم موفاز، فان باراك سيهزمه في صندوق الاقتراع. ونتنياهو، مع 12 مقعدا، لا يمكنه أن يعود.

حسب هذه الرواية، لم يرغب باراك في اعطاء المجد لاولمرت. اراد اعطاء المجد لنفسه: هو سيكون رئيس وزراء وهو سيصفي المفاعل. هذه الحجة ضد باراك تتلقى تعزيزا عندما نأخذ بالحسبان انه بعد أن استقال اولمرت، في اذار 2009، لم يسارع باراك الى مساعدة لفني لتشكيل حكومة برئاستها. توجه الى الانتخابات التي أعادت نتنياهو الى رئاسة الوزراء. ولعل التفسير ابسط: باراك لم يقبل إمرة اولمرت كرئيس وزراء. قدره كسياسي ولكنه لم يكن مستعدا لان يسير خلفه في مواضيع أمنية.

بعد بضع ساعات من العملية التقى باراك بوجي هرتسوغ. كان يمكن التوقع ان يكون باراك قلقا، فلعل الاسد يعد حقا في هذه اللحظة منظومة صواريخه للهجوم على اسرائيل. ولكن باراك كان سعيدا. وهو يقول: "توجد وفرت من الحظوة للجميع". أما في اختبار النتيجة، الاختبار المحبب على باراك، فهو محق. وفي اختبار المسيرة مخطيء: قضية المفاعل أحدثت العجائب ليس فقط في قدرة اولمرت وباراك على مواصلة العمل معا، كرئيس وزراء ووزير دفاع، بل ايضا في الثقة التي كنوها لباراك في قيادة الجيش الاسرائيلي.