بعد 11 سنة، اسرائيل تؤكد لاول مرة: هاجمنا المفاعل السوري.. يديعوت

الساعة 03:30 م|21 مارس 2018

فلسطين اليوم

بعد منتصف الليل بقليل في 6 ايلول 2007، احتشدوا في غرفة الطواريء الجوية في اعماق "الحفرة" (مقر القيادة) في الكريا (وزارة الدفاع). رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الخارجية، رئيس الاركان ونائبه، رئيس شعبة الاستخبارات وكبار اعضاء هيئة الاركان كانوا هناك. تابعوا بقلق الشاشات واستمعوا بعناية للبث في أجهزة الاتصال. بدأ هذا في 22:30، وبعد اربع ساعات، كانت طائرات قتالية من طراز العاصفة (اف 16) والرعد (اف 15) يفترض أن تشق طريقها عائدة من سوريا. كمية الوقود كانت محدودة، والمخاطر كانت كثيرة والتوتر في ذروته. الى أن حصل هذا: كلمة السر المنشودة "اريزونا" سمعت في جهاز الاتصال – والكل في لحظة تنفس الصعداء. الطيارون دمروا المفاعل السوري وكانوا في طريق العودة الى اسرائيل.

العملية الجريئة لسلاح الجو في دير الزور قبل 11 سنة والتي اتخذت اسم "من خارج العلبة" وتفاصيلها سمح بنشرها الان فقط، اوقعت ضربة شديدة على الاسد. شلل المفاعل – الذي اتخذ الاسم السري "عين البشور" – اعتبر نجاحا عملياتيا، ولكن مع الشروق في الغداة، لم يعرفوا في اسرائيل كيف سيرد السوريون: فقد استعد الجيش الاسرائيلي للتصعيد ولضربة للجبهة الداخلية. هكذا وصف المخاوف في تلك الساعات الحرجة من مبنى هيئة الاركان الناطق العسكري في حينه العميد احتياط آفي بنيهو: "كنا هناك كلانا عندما امتشق اشكنازي علبة "اوروبا" وأخذ السيجارة التي من يدري كم كان عددها في ذاك اليوم. نظرنا الى المدينة العبرية الاولى التي بعد قليل ستستيقظ ليوم جديد "إذهب ونم يا بنيهو، احد ما سيوقظ قريبا بشار الاسد ويطلعه على ما حصل بالضبط في الليل. يحتمل أن بعد ساعتين – ثلاث سنستيقظ على تل ابيب مع مشهد وخط سماء مختلفين تماما".

تسلسل الاحداث الدراماتيكي الذي أدى الى ذاك النجاح في ظلمة الليل على مسافة 450 كيلو متر شمال دمشق كان مليئا بالتوتر، انعدام اليقين والخوف. كل شيء بدأ قبل نصف سنة من ذلك في آذار عندما توصل الموساد، حسب منشورات في "نيو يوركر" في فيينا على معلومات حساسة. ولم يضيع رئيس شعبة الاستخبارات، اللواء عاموس يدلين الوقت. فقد دخل الى مكتب رئيس الاركان وعرض عليه الصور المشبوهة للمخزن في دير الزور. "فهمت أن هذه معلومات تغير الصورة الاقليمية"، روى اشكنازي. وادعى يدلين بان المعلومات التي وصلت اليه قبل ذلك شهدت على مبنى "يحتمل أن يكون فيه سلاح غير تقليدي" – بما في ذلك أجهزة طرد مركزي. "اذا كانت في صورة اللغز 1000 قطعة في هذه المرحلة فقد جلبوا لي منها ربما 50. كان من الصعب حقا أن نفهم بانه في داخل هذا المخزن في قلب الصحراء بني مفاعل"، قال يدلين. برز سؤالان: متى سيكون المفاعل "ساخنا" ومن هنا كم من الوقت يوجد للجيش الاسرائيلي كي يستعد للهجوم، وماذا سيكون رد الاسد. بالنسبة للخيار الثاني وضعوا في شبة الاستخبارات فكرة "مجال النفي" – للسماح للاسد كي ينفي مجرد العملية وهكذا الامتناع عن الحاجة الى الرد.

رئيس الاركان، الذي سارع الى البحث في ذلك مع نائبه، موشيه كابلنسكي، قائد سلاح الجو اللواء اليعيزر شكدي، رئيس شعبة التخطيط عيدو نحشوتان وقائد المنطقة الشمالية جادي آيزنكوت، حرك المسيرة. يجدر بالذكر أنه في 2007 كان الجيش الاسرائيلي لا يزال يلعق جراحه من حرب لبنان الثانية، ورئيس الوزراء اولمرت ووزير الدفاع بيرتس كانا عرضة لانتقاد شديد. وآخر شيء كانا يحتاجانه هو مفاعل نووي سوري. كما أن الوضع في سوريا كان مختلفا: قبل الربيع العربي لم يكن الجيش السوري متآكلا مثلما هو اليوم، وكانت لديه منظومات دفاعية متطورة.

رأى رئيس الاركان فرصة ترميم الردع الذي تضرر في 2006. ولكن اولمرت، بزعم محافل مطلعة، اراد بداية الامتناع عن حرب اخرى وحاول اقناع الامريكيين بمهاجمة المفاعل. في الجيش الاسرائيلي عارضوا، وبعد أن رفض الامريكيون العمل، بدأوا بتسريع الخطط. ووضع اشكازي شروطا للعمل: الا يكون المفاعل ساخنا والابقاء على السرية المطلقة. وكلف باعداد العملية شكدي. ورئيس الاركان بتوجيه من اولمرت، اصدر تعليماته له: "تدمير المفاعل – بدون حرب".

تضمنت خطة شكدي ثماني طائرات: أربع طائرات اف 15 واربع طائرات اف 16. "اردنا عملية تأخذ من الاسد ذخره الاكثر حساسية، سلاح محطم للتعادل بين ليلة وضحاها ومن تحت حافة الحرب"، قال اشكنازي. في الجيش الاسرائيلي دخلوا في سباق ضد الزمن بهدف العمل قبل تشغيل المفاعل في ظل الحفاظ على مستوى اقصى من السرية. في 5 ايلول، يوم العملية، نفذ الجيش الاسرائيلي نموذجا للهجوم وفي هيئة الاركان بثوا احساسا بالاعمال كالمعتاد. اشكنازي وعدة جنرالات شاركوا في عرس سكرتيرة رئيس الاركان – ولكن سارعوا من هناك عائدين الى الكريا.

قبل بضع ساعات من اقلاع الطائرات، بعث قائد سلاح الجو برسالة لهم اتخذت تصنيف "سري للغاية" من ستة اسطر كلفهم فيها بالمسؤولية المصيرية عن المهامة. فقد كتب شكدي يقول لهم: "ايها المقاتلون انتم ترسلون اليوم للمشاركة في عملية مهامة ذات أهمية عليا لدولة اسرائيل والشعب اليهودي. المهامة هي تدمير الهدف وقطع الاتصال دون اسقاط الطائرات، والتنفيذ بـ "توقيع ادنى" (دون اعتراف) قدر الامكان. والمقصود هو أن العملية لن تربط، في المرحلة الاولى على الاقل، بدولة اسرائيل وهكذا يتقلص احتمال خطوة حربية واسعة. العملية سرية قبل وبعد التنفيذ، حتى قرار صريح آخر. اعتمد عليكم، اثق بكم ومقتنع بقدرتكم. بالتوفيق".

بعد أربع ساعات من اقلاع الطائرات عادت الى البلاد بسلام. وقيس نجاح العملية بثلاث عناصر تحددت للنجاح: تدمير المفاعل، منع التدهور وتعزيز الردع. وقد حققت كل الثلاثة. هكذا بحيث أنه حتى لو تحولت العملية الى حرب ادعاءات شخصية داخلية أو صراع على الحظوة عليها، ينبغي أن تقال كلمة طيبة لكل المشاركين: من الضباط الصغار في شعبة الاستخبارات عبر المحافل في الموساد، عبر رجال سلاح الجو الذين خططوا ونفذوا، رئيس الاركان والجنرالات، وكذا أيضا اولمرت، بيرتس وباراك.

عشية العملية، حضر الى الكابنت رئيس شعبة الاستخبارات يدلين – الضابط الاعلى الوحيد الذي شارك ايضا في الهجوم على المفاعل في العراق في 1981 – وقدر بانه اذا نفذ الهجوم بتوقيع أدنى يمكن للاسد أن يحتوي الحدث. وفقط عندما انبلج الفجر في 6 ايلول فهم بانه كان محقا. وروى "تنفست الصعداء عندما بلغ النظام السوري بانه "هرب الطائرات التي هاجمت في الصحراء" إذ في حينه فهمت بانه لن يرد".