يا صالح، هنا لا يوجد مستقبل، في ارض إسرائيل- هآرتس

الساعة 01:35 م|14 مارس 2018

فلسطين اليوم

بقلم: كوبي نيف

(المضمون: التمييز ضد الشرقيين ما زالت آثاره حتى الآن وأكبر نجاح له هو أنه زرع في الشرقيين أنهم أدنى من الاشكناز - المصدر).

 

المسلسل التلفزيوني الوثائقي الفاخر، لكن ينقصه فهم المقروء، لدافيد درعي وأورون غلعازر وروتي يوفال، "يا صالح، هذه ارض اسرائيل"، وبالاساس العاصفة التي اثارها على جانبي المتراس السياسي – الطائفي، تؤدي الى اليأس الشديد، ليس بخصوص ماضي الدولة، بل بخصوص مستقبل اسرائيل.

 

الردود الغاضبة لأبناء معسكر اليمين – البرجوازي، العلماني – الاشكنازي (ميرتس، العمل ويوجد مستقبل)، أبناء وبنات الحكام الاشكناز قامعي الشرقيين والعرب (في الخمسينيات)، يمكن تقسيمها الى ثلاثة ادعاءات مخالفة اساسية: الاول، الانكار، "هذه الامور لم تحدث أبدا"؛ الثاني، حكم متساوي، أي "ماذا في ذلك؟، نحن ايضا عانينا عندما جئنا الى البلاد"؛ الثالث، رأسمالية نقية، أي "متى ستتوقفون عن التباكي". هذه الادعاءات الثلاثة لا تساعد ولا تجدي نفعا.

 

سنبدأ بالمنكرين الذين يقولون "هذا لم يحدث أبدا، ولم يكن هناك أي تمييز، بالتأكيد ليس موجها، هذه مجرد اكاذيب وكراهية للاشكناز". هنا معروض امام هؤلاء الناس، مباشرة امام اعينهم، دلائل قاطعة مكتوبة ومحاضر جلسات وشهادات، ليس فقط للضحايا، بل ايضا لمن قاموا بها. وماذا يقولون؟ لا شيء، عمى مطلق، قدرة عجيبة على النظر الى الوقائع وعدم رؤيتها. لا يوجد حيوان كهذا، زرافة، لم تكن ولم يتم خلق شيء كهذا، كذب، كراهية – الشمبانزي.

 

بخصوص "نحن ايضا عانينا، اقمنا في خيام وأكلنا البعوض"، وهذا العويل – أنتم لا ترون الفرق؟ أنتم الاشكناز (وهنا نعمم، كما هو مطلوب في مقال في الصحيفة) تعرضتم للمعاناة، كما تسمونها، والتي نبعت من صعوبة ونقص تلك الايام. مقابل ذلك، معاناة الشرقيين فرضت عليهم من قبل الحكم الشمولي لتلك الايام. ليس فقط أن نمط حياتهم البائس فرض عليهم بطرق تحايل وعنف، بل ايضا من اراد التحرر من هذا السجن الذي ادخل اليه، هدده نظام الحكم بالحرمان من السكن ومصدر الرزق، واخراج اولاده من سلطته، وحتى التجويع. هل هذا يبدو لكم نفس الشيء؟.

 

وبخصوص "متى ستتوقفون عن التباكي؟". اذا شاهدتم المسلسل، لا يمكنكم عدم فهم أن نتائج القمع والتمييز في حينه تستمر حتى الآن، وعدم رؤية أن نقطة الانطلاق لزملائكم الشرقيين في العمل أو في الحي كانت وما زالت أدنى بكثير من نقطة انطلاق آبائكم ونقطة انطلاقكم. مثلا، مكنوا آباءكم من جعل بيتهم ملكا لهم، في حين أنه لآبائهم لم يمنحوا هذه الامكانية، وحتى لو بالاموال. كما أنهم ارسلوهم لتعلم الخراطة والنجارة في الوقت الذي ذهبتم فيه أنتم الى الجامعات. ألا تعتقدون أنه قد حان الوقت ولو لشيء قليل من التمييز المعدل؟.

 

الآن سننتقل الى الجانب الثاني من النسور في اعقاب الفيلم، الى الجانب اليميني المتعصب، الديني الشرقي (الليكود وشاس). ايضا ردود هؤلاء على المسلسل وعلى الواقع في الخمسينيات وما بعدها التي توصف في المسلسل، يكتنفها الانكار وعدم فهم مرير لما حدث في حينه وما زال يستمر الى الآن.

 

إن نجاح القمع العنصري لا يقاس فقط بمقاييس سياسية واجتماعية واقتصادية ومقاييس ملموسة اخرى. هو يقاس ايضا، وربما في الاساس، بنجاح القامع العنصري (في هذه الحالة، الموطن

 

الاشكنازي الحاكم) في غرس سلم قيمه العنصرية في اوساط ضحايا قمعه العنصري، والتي وفقا لها فان الانسان الابيض الاشكنازي يتفوق من كل النواحي على الانسان الاسود وعلى اليهودي الشرقي الأدنى.

 

من هذه الناحية، القمع الاشكنازي للشرقيين هو نجاح باهر. الشرقيون الآن (مرة اخرى بتعميم)، أبناء واحفاد جيل المقموعين، أخذوا على عاتقهم وادركوا جيدا الرأي القديم الذي زرعه فيهم الحكام الاشكناز القامعين، والذي يقول إن الشرقيين ايضا ليسوا يهودا "كما ينبغي"، وبشكل عام هم مخلوقات أدنى من كل النواحي من اخوانهم الاشكناز المتنورين، لأنهم يشبهون بشكل كبير، تقريبا مثل العرب.

 

كيف رد الشرقيون منذ ذلك الحين وحتى الآن (مرة اخرى بتعميم) على القمع والتمييز من قبل السادة الاشكناز لجيل آبائهم؟ هنا ايضا توجد ثلاثة ردود اساسية بارزة... يبدو أن الشرقيين عادوا الى معقل الدين ومعقل الاخلاق لـ "بيت الوالد" الذي طردوا منه تحت نظام القمع الاشتراكي الاشكنازي، مثل الشعار الاول والقديم لشاس حول "اعادة التاج الى مجده السابق". ولكن هذه العودة لا تعتبر عودة أبدا. "التوبة" الشرقية تمتاز ليس فقط بالعودة الى تقاليد الدين الليبرالي الشرقي، بل بالضبط الى تقاليد الدين المتعصب وغير المتسامح، الاشكنازي. حيث يوجد لهذه العودة وغير العودة هذه تعبير بأغطية رأس اشكنازية، مثل القبعة المنسوجة والقبعة الاشكنازية الليطائية، التي يعتمرها الذين يعيدون ظاهريا التاج الى مجده السابق. كل ذلك في الحقيقة للاثبات لليهود الاشكناز الذين يحكمون بأننا، نحن الشرقيون، يهود جيدين بالضبط مثلكم أنتم الاشكناز.

 

الامر الثاني هو أن الشرقيين قاموا بتطوير، بتشجيع من الحكام الاشكناز بالطبع، عقلية وطن كما يبدو "لكراهية العرب". لقد ازالوا عن انفسهم أي علامة عربية. كم هو مثير للسخرية أن ميري ريغف، رئيسة الصارخين ضد قمع واضطهاد الشرقيين وثقافتهم، هي التي تقود سن قانون لالغاء اللغة العربية كلغة معترف بها في اسرائيل، بالضبط مثلما فعل الحكام الاشكناز الذين تقف ضدهم، لكنها في الحقيقة تعمل في خدمتهم. ليس هذا فقط، الشرقيون ايضا تحولوا الى جنود مخلصين جدا وحرفيا لقمع الاشكناز الكولونيالي، حيث أن حركة الاستيطان بشكل خاص والصهيونية بشكل عام هي حركات كولونيالية بيضاء من وجهة نظر الفلسطينيين. الآن هما تصنعان

 

باخلاص لاخوانهم العرب ليس فقط ما صنعه الاشكناز لهم ولآبائهم، بل اضعاف مضاعفة من ذلك.

 

وأخيرا، بعد اربعين سنة، وهي عدد السنين التي ضاع فيها شعب اسرائيل في الصحراء، على الوقت الذي تمكنوا فيه من حسم من سيقود اسرائيل، يستمر الشرقيون حتى الآن في أن يختاروا بأنفسهم ولأنفسهم اشكنازي إثر اشكنازي، فقط اشكنازي، كقائد. وحتى لا ربع ولا ذرة من شرقي. ليس هذا فقط، بل انهم يتعاملون مع الاشكنازي الذي ملكوه عليهم، من بيغن وحتى نتنياهو، كملك، ويغدقون عليه العطايا ويقبلون قدميه والتراب الذي يسير عليه. لماذا كل ذلك يا اخواننا الشرقيين؟ هل تعتقدون حقا مثلما علمكم الحكام الاشكناز أنكم لا تساوون وغير مؤهلين لتكونوا شيء سوى سمكريين ونجارين، وفقط الاشكناز يستطيعون وجديرون بقيادتكم وقيادتنا جميعا؟.

 

لماذا اليأس؟ اذا كانت الامور على هذا الشكل، بعد سبعين سنة من عمر الدولة، في العلاقة بين الاشكناز والشرقيين، في الوقت الذي نشاهد فيه أننا جميعا اخوة، يهود بالدم والسلاح، فأي أمل يمكن أن يكون لنا ذات يوم بمستقبل ما منظور في أن نصل الى حوار حقيقي، وليس التحدث عن السلام والمساواة، مع اخواننا وابناء بلادنا الفلسطينيين؟ حيث أنه بدون قبولهم، سنعيش هنا الى الأبد على حد السيوف، حتى لو اصبحت سيوفا نوويا مع بريق متألق، حتى نصبح ضحايا ويحل علينا الخراب.